السمبوسة لها أصل وفصل وكذلك الخُشاف. خلف كل طبق رمضاني أو مشروب قصة تعود لمئات وربما آلاف السنين. وفي الوقت الذي تطغى فيه المأكولات السريعة والمشروبات الغازية ممثلة قيم الحداثة طوال العام، تأتي المشروبات الرمضانية لتستدعي الموروثات الشعبية لكل دولة.
نستعرض لكم أشهر المشروبات والمأكولات الرمضانية المنتشرة في الدول العربية:
1- الخُشاف في مصر: الفراعنة جففوا الفاكهة لما بعد الموت
يُصنع طبق "الخُشاف" من الياميش، الذي يتكون من أنواع متعددة من المكسرات أشهرها الجوز والبندق والفستق، بالإضافة لبعض الفاكهة المجففة مثل القراصيا والمشمشية والزبيب.
يرجع تاريخ تجفيف الفاكهة في الشمس بهدف حفظها إلى عهد المصريين القدماء، فقد عُثر في عهد الملك رمسيس الثالث على الآلاف من جرار الزبيب في معبد الإله حابي إله النيل. وبدايةً من عهد الدولة الفاطمية ارتبط الخشاف بشهر رمضان.
يُحضر طبق "الخُشاف" الذي تشتهر به موائد الإفطار المصرية بنقع الفواكه الجافة في الماء وإضافة بعض المكسرات عليها، وله فوائد عظيمة فيمكن للفواكه المجففة معالجة الإمساك وتنظيم الهضم؛ لاحتوائها على نسبة عالية من الألياف، أما المكسرات فمن المعروف أنها غنية بالفيتامينات والأملاح المعدنية ومضادات الأكسدة.
2- الفيمتو في دول الخليج: رحلة الهجرة من مانشستر إلى الهند فالبحرين
يعد مشروب "فيمتو" من أشهر المشروبات الرمضانية في دول الخليج، وهو عبارة عن مشروب مركز يتكون من السكر والماء مضافاً إليهما عصير التوت والخوخ والليمون.
تمزج هذه المكونات لتنتج خلاصة مركزة جداً، وعندما يُحضر للشراب يخفف بالماء ليكفي عدداً كبيراً من الأشخاص.
صُنع مشروب "الفيمتو" لأول مرة عام 1908، في مدينة مانشستر الإنكليزية كمشروب عشبي يمنح الطاقة، وعرف باسم: " فيم –تونك"- "Vim-tonic" أي الصودا المنشطة، ثم اُختصر ليصبح "Vimto".
سُجل الفيمتو كدواء عام 1912، لكن بعد عام واحد تغير تسجيله من دواء إلى مشروب غير كحولي، وأُرسل بعد ذلك إلى القوات البريطانية في الهند عام 1920، ليصبح علامة تجارية مسجلة في السوق الهندي.
انتقل مشروب الفيمتو إلى الخليج عام 1927، عندما أحضره أحد الموظَّفين الهنود إلى شركة "عبدالله العوجان للمرطبات" في البحرين. وأصبحت شركة "العوجان" بعد ذلك بعام موزعاً رسمياً للمشروب لينتشر في أرجاء الخليج العربي، ولا تزال هذه الشركة حتى اليوم صاحبة الحق الحصري في إنتاجه وتوزيعه.
3- شوربة الحريرة في المغرب والجزائر: إرث أندلسي كامل العناصر
بعد مدفع الإفطار، يبدأ سكان دولتي المغرب والجزائر في تناول شوربة "الحريرة"، التي تعتمد في مكوناتها الأساسية على اللحم والعدس والدقيق. هي وجبة من أصل أندلسي يتناولها الجزائريون عادة، بجانب طبق من المعقودة (كرات محشية بالجبن ومقلية في الزيت). تتخذ شوربة الحريرة أشكالاً عديدة تختلف حسب البهارات والخضراوات المضافة إليها.
4- البوريك في تونس: ابحث عن أصل الكلمة
من أشهى الأطباق الحاضرة على مائدة الإفطار التونسية، رقائق العجين المحشية باللحم والخضراوات، أو بالمكسرات والجبن إذا قدمت كحلوى. تقلى المعجنات الملفوفة بالزيت أو تُخبز في الفرن، وتشبه في شكلها الـ Spring roll الصيني.
حمل الأتراك العثمانيون هذا الطبق إلى الدول العربية مع البقلاوة وغيرها من المعجنات ذات طبقة العجين الرقيقة، إذ ترجع تسمية البوريك إلى الكلمة التركية "بورماك" أي الملفوف. ويعد هذا الطبق من أقدم الوصفات التي حافظت على شكلها عبر السنين.
تقدم هذه الوجبة أيضاً في دول غير عربية مثل اليونان ويسمى هناك "بوراكي". يُفرد العجين في صينية أو مقلاة، ثم يُقطع بعد الطهي ويقدم على شكل فطائر صغيرة مُحلاة بالعسل.
5- قمر الدين في سوريا: السر في جودة المشمش
يُصنف "قمر الدين" أو عصير المشمش المُجفف والمُحلى على أنه من أفضل المشروبات الرمضانية في بلاد الشام، كما ينتشر هذا المشروب في أغلب بلدان العالم العربي، ويزعم البعض أنه ذو أصول تركية ترجع لفترة الخلافة العثمانية.
يُنتج قمر الدين من عصر ثمار المشمش وإضافة السكر لها، ثم تُغلى على النار وتُصب بعدها على ألواح خشبية مدهونة بزيت الزيتون، وتُعرض بعد ذلك الألواح للشمس إلى أن تجف تماماً ثم تُقطع وتُلف على شكل طبقات.
على الرغم من كون تركيا هي أكبر منتج للمشمش في المنطقة، إلا أن المشمش السوري يتفوق على نظيره التركي في الجودة، لذلك تشتهر سوريا بصناعة أفضل أنواع قمر الدين، الذي يُصدر إلى البلدان العربية والأوروبية.
6- الكنافة النابلسية في فلسطين: عنوانها في كنيتها أينما التُهمت
تتعدد أنواع الكنافة في العالم إلا أن الكنافة النابلسية تحظى بمكانة لا ينافسها فيها نوع أخر، وهي من الحلويات التي تمتاز بها مدينة نابلس الفلسطينية. إذ يُعتقد أنها نشأت هناك ومنها جاء اسمها "النابلسية"، ولا تزال المدينة تشتهر بكنافتها التي تُحشى بالجبن الأبيض وتُغمر بشراب السكر، ويُرش على سطحها القمح المطحون.
سجل خباز فلسطيني يُدعى مهند الرابي في عام 2009 رقماً قياسياً؛ لتحضيره أكبر طبق من الكنافة في مدينة نابلس، وبلغ طول الطبق 74 متراً أما عرضه فوصل إلى متر واحد، وتجمع حوله أكثر من 100 ألف مواطن فلسطيني.
7- الساقو في الإمارات: للزعفران والهيل بصمة
يُصنع طبق حلوى "الساقو" من الدقيق المُستخرج من جذور نبات المنيهوت، الذي يُستعمل في الأساس كمادة نشوية لتكثيف السوائل. يتم تحضير الساقو بوضع ذلك الدقيق في وعاء ليُضاف إليه السكر والحليب والزعفران والجوز المجروش، إلى جانب الهيل وماء الورد.
8- السمبوسة في دول الخليج: جاءت مع الحجاج
على الرغم من الشهرة ذائعة الصيت التي تحظى بها "السمبوسة" كأكلة رمضانية في أغلب دول الخليج، إلا أنها لا تعد الموطن الأصلي لها. وتضاربت المصادر التاريخية حول زمان ومكان نشأة السمبوسة، ففي حين أرجعها البعض إلى الأتراك في العصر العثماني، أكد البعض الآخر أن موطن ظهورها كان في اليمن وتحديداً جبال حضرموت.
لكن الرواية التاريخية الراجحة تقول إن موطن أكلة السمبوسة هو بلاد الهند؛ وذلك لأنها اشتهرت دائماً بالمقليات المغمورة بالزيت، وانتقلت لاحقاً من الهند إلى اليمن خلال فترة الاستعمار البريطاني للهند واليمن، ثم إلى الخليج العربي عن طريق التجار والحجاج الذاهبين لزيارة الحرمين الشريفين.
تُصنع السمبوسة من عجينة رقيقة تُشكل على هيئة مثلث ويوضع بداخلها اللحم، لكن في الآونة الأخيرة استحدثت ربات البيوت طرق أخرى لصنعها، فأصبحت تُحشى بالتونة والجبن والخضار وغيرها من الأصناف الأخرى.
وتعد السمبوسة من الأطباق الرئيسية على الموائد الرمضانية ليس في دول الخليج فحسب وإنما انتقلت اليوم إلى العديد من الدول العربية.
9- عيش السرايا في لبنان: إرث عثماني قلباً وقالباً
من الحلويات الشامية اللذيذة التي تُؤكل على مائدة الإفطار في شهر رمضان، وهي عبارة عن خبز مُحلَّى تغطّيه طبقات من القشدة تزينها المكسرات. ينتشر تواجده في الكثير من بلدان الشرق الأوسط، لكنه يرتبط عند الشعب اللبناني بالشهر الكريم، إذ ينسب البعض نشأته إلى هناك.
ويُعتقد أن هذه الحلوى إحدى الموروثات التي خلفتها الإمبراطورية العثمانية في العالم العربي، إبان فترة حكم الخلافة العثمانية، فكلمة "سرايا-Saraya" تعني القصر الملكي، وهي كلمة تركية الأصل وليست عربية.
10- العصيدة في السودان: وجبة تاريخية من خيرات الأرض
تعتبر "العصيدة" من أشهر الأطباق السودانية ولا تكاد تخلو منها وجبة الإفطار في رمضان، وتُقدم كفاتح للشهية في بداية الوجبة. يعتبرها السودانيون من الأطعمة المتأصلة في التراث السوداني، وتتكون من الذرة والدخن والقمح مع اللبن الرائب.
غالباً ما يصاحب العصيدة طبق من المرق "الملاح" وأشهرها ملاح التقلية، الذي يتكون من البصل المحمر واللحم المفروم والتوابل، ويضاف إليه بعد ذلك الويكا وهي البامية المجففة.
كان الظهور الأول للعصيدة في إقليمي دارفور وكردفان، وانتقلت فيما بعد إلى المناطق الواقعة على حوض النيل، لكن مع انتقالها اختلفت قليلاً فأصبحت لينة القوام عن الموجودة في دارفور وكردفان.