في 9 أبريل/نيسان 1947، انطلق الملك المغربي الراحل محمد الخامس، على متن القطار الملكي من مدينة الرباط متوجهاً صوب مدينة طنجة؛ من أجل المطالبة باستقلال الأراضي المغربية بالكامل، وشكَّلت تلك الزيارة منعطفاً هاماً في مسيرة النضال الوطني من أجل الاستقلال؛ لوضعها حداً فاصلاً بين عهدين؛ عهد الصراع بين القصر الملكي، وعهد المطالبة بحق المغرب في الاستقلال أمام المحافل الدولية.
إذ كان العالم آنذاك يشهد مرحلة "طي التوسع الاستعماري"، ليبدأ زمن حق الشعوب في تقرير مصيرها والحصول على حريتها؛ لذلك جسدت تلك الزيارة مرتكزاً هاماً لعنوان وحدة المغرب وتماسكه، وتأكيداً للمطالبة باستقلال جميع أراضيه، خاصة أن مدينة طنجة كانت واقعة وقتها تحت الحماية الدولية.
ورغم العراقيل التي وضعتها سلطات الحماية الدولية في طريق استقلال المغرب، فإن إسبانيا وقّعت على اتفاقيات دولية، بموجبها استُرجعت الأراضي المغربية الشمالية كافة، وفي 18 أبريل/نيسان 1960 أُلغيت الحماية الدولية لمدينة طنجة لتستقل وتُضم إلى المغرب.
المغرب لعب دوراً استراتيجياً في الحرب العالمية الثانية
في 1941، دخلت الولايات المتحدة الأميركية الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء وضد دول المحور؛ في محاولة منها لإنهاء عزلتها عن العالم وفرض هيمنتها كدولة عالمية، من هذا المنطلق سارع الرئيس الأميركي الأسبق، فرانكلين روزفلت، إلى إرسال 3 وفود؛ للبحث عن المكان المناسب لمواجهة دول المحور، وبالفعل قررت القيادة العامة إنزال قوات الحلفاء في شمال إفريقيا، وتشكيل قواعد عسكرية يمكن من خلالها ضرب ألمانيا في أوروبا.
أصرت القيادة الأميركية على أن يكون الإنزال العسكري في المغرب؛ لتخوفها من إمكانية احتلال جبل طارق الاستراتيجي من جانب القوات الألمانية، وفي المُجمل يعود اختيار المغرب كقاعدة استراتيجية لإنزال القوات الأميركية إلى عدة أسباب.
أولها: أن المغرب يتميز بموقعه وإمكاناته التجارية الواسعة؛ إذ مثّل قبل العام 1939 سوقاً مهمة للسيارات والجرارات الزراعية الأميركية والمحروقات السائلة.
أما ثاني الأسباب، فهو منع سقوط المغرب في أيدي دول المحور؛ نظراً إلى أهميته الاستراتيجية الكبرى، فقد كان يُجسد الخط الأمامي في الدفاع عن الولايات المتحدة الأميركية.
والسبب الأخير مراهنة الولايات المتحدة على المغرب كنقطة انطلاق لحصار ألمانيا والقضاء عليها، خاصة أن فرنسا قد هُزمت من طرف ألمانيا النازية في 1940، وهو ما شكل تهديداً حقيقياً للمصالح الأميركية الفرنسية في المغرب.
فرنسا استغلت المغرب لسنواتٍ بسبب معاهدة "فاس"
وقَّع السلطان المغربي الراحل المولى عبد الحفيظ، والوزير الفرنسي أوجين رينيو، في 30 مارس/آذار 1912، على "معاهدة فاس"، التي بموجبها تنازل السلطان المغربي عن أجزاء من دولة المغرب لصالح فرنسا، وأُطلق على تلك المعاهدة أيضاً اسم "معاهدة الحماية"، وامتدت فترة الحماية الفرنسية حتى حصل المغرب على استقلاله في 1956.
ورغم أن العديد من الدول الأوروبية كانت ترغب في استعمار المغرب من أجل السيطرة على ثرواته الطبيعية وتوفير سوق جديدة لمنتجاتها – فإن فرنسا حاولت بكل جهدها منع تلك الدول من هدفها، ووقَّعت معها اتفاقيات تمكّنها من استعمار بلاد أخرى، مقابل تخلِّيها عن "حلمها في المغرب".
طنجة.. بين فرنسا وإسبانيا
بموجب معاهدة الحماية، أصبحت معظم مناطق المغرب تقع تحت النفوذ الفرنسي، عدا منطقة شمال المغرب التي أصبحت تحت النفوذ الإسباني، وقرر مؤتمر باريس المُنعقد في العام 1925 اعتبار طنجة مدينة دولية، ويأتي حرص إسبانيا على استعمار شمال المغرب من كونه مواجهاً لها جغرافياً، وأيضاً لطبيعة العلاقات التي تربط إسبانيا بمدينة مليلية في الشرق وسبتة بالغرب منذ القرن الخامس عشر الميلادي.
وسبب اعتبار طنجة مدينة دولية؛ أنها اشتُهرت منذ القرن التاسع عشر بوضع سياسي خاص؛ إذ كانت مركزاً دبلوماسياً للدول الأجنبية والمغرب، وظلت تمارس هذا الدور طوال أعوام الحماية الدولية، عدا الفترة الزمنية من العام 1940 إلى 1945، وهي فترة الحرب العالمية الثانية؛ إذ خضعت خلالها طنجة للسيطرة الإسبانية.
لكن.. المقاومة المغربية لم تستسلم حتى حصلت على الاستقلال
طوال الأعوام الأولى من الحماية واجهت إسبانيا مقاومة شديدة من المغاربة في المناطق الشمالية، وتطورت تلك المعارضة لتصل إلى معارك دامية بين الثوار في الناحية الجبيلة بقيادة أحمد الريسوني ومن ناحية الريف بقيادة الزعيم عبد الكريم الخطابي، وبين جيوش الاحتلال الإسباني.
وكانت نتائج ثورة عبد الكريم الخطابي في الريف المغربي كارثية بالنسبة للإسبان؛ إذ اضطروا إلى التحالف مع فرنسا ضده، لكن في 1926 استسلم الخطابي للفرنسيين ونُفي إلى مصر وبقي فيها حتى 1947.
واستؤنف نشاط النضال ضد الاستعمار في 1955 على يد الملك الراحل محمد الخامس؛ ما أدى إلى اعتراف فرنسا في 2 مارس/آذار 1956، باستقلال المغرب بعد مفاوضات مع الملك المغربي في باريس، ولم يبقَ إلا الجزء الواقع تحت استعمار إسبانيا، والتي لم تعترف باستقلال البلاد إلا في 7 أبريل/نيسان 1956.
عيد الاستقلال بين تاريخين!
أُلغيت معاهدة الحماية بين المغرب وفرنسا رسمياً في 2 مارس/آذار 1956 بموجب اتفاق بين الطرفين، وظل المغرب يحتفل بعيد الاستقلال في هذا التاريخ، وبعيد العرش في 18 نوفمبر/تشرين الثاني، لكن بعد تولي الملك الراحل حسن الثاني مقاليد الحكم في 3 مارس/آذار 1961، تغير تاريخ الاحتفال بعيد الاستقلال ليُصبح يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني.
يرجع ذلك التغيير إلى الأهمية التاريخية ليوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني بالنسبة للمغاربة؛ إذ يقيمون الاحتفالات طوال أيام (18/17/16) نوفمبر/تشرين الثاني؛ لأنها الأيام التي أعقبت عودة الملك محمد الخامس من المنفى في العام 1955، وهو حدث مفصلي في تاريخ المغرب الحديث.
سبتة ومليلية مدينتان مغربيتان تحت الاحتلال الإسباني حتى الآن
بعد سقوط الأندلس، أطلق الفاتيكان من خلال إسبانيا دعوته للسيطرة على الساحل المتوسطي للمغرب والبرتغال في الساحل الأطلسي، وحاول المغرب استعادة تلك المنطقة، لكن دون جدوى.
من أهم المحاولات، سعي المولى إسماعيل خلال القرن الـ 16 الميلادي لاسترداد الأراضي المغربية؛ إذ حاصر المغاربة مدينة سبتة، لكنهم لم يتمكنوا من دخولها. وفي عام 1774، حاول السلطان محمد بن عبد الله محاصرة مدينة مليلية ولم يتمكن أيضاً من الحصول عليها.
كذلك، من ضمن محاولات استعادة المدن المغربية في العهد الحديث، ثورة محمد عبد الكريم الخطابي، وحروبه التي خاضها ضد قوات الاستعمار الإسباني بشمال المغرب في الفترة بين عامي 1921 و1926.
من الجدير بالذكر، أن مدينة سبتة المغربية تقع في أقصى شمالي المغرب وتبلغ مساحتها 28 كيلومتراً مربعاً، وتقع تحت السيطرة الإسبانية منذ العام 1580. أما مدينة مليلية، فتقع في شمال شرقي المغرب وتبلغ مساحتها نحو 12 كيلومتراً مربعاً، وتقع تحت السيطرة الإسبانية منذ العام 1497.
هناك 5 جزر لم تنل استقلالها
لم تقتصر السيطرة الإسبانية على مدينتي سبتة ومليلية فقط، فهناك مجموعة من الجزر المغربية ذات الموقع الاستراتيجي الهام تدخل ضمن حيز المياه الإقليمية المغربية، ومع ذلك فهي تنتمي إلى إسبانيا وهذه الجزر هي:
- جزر إشفارن أو الجزر الجعفرية: عبارة عن أرخبيل مكون من 3 جزر صغيرة تقع في غرب البحر المتوسط، وتخضع للسيطرة الإسبانية منذ عام 1848.
- جزيرة باديس: يُطلق عليها اسم جزيرة قميرة أيضاً، وتقع على ساحل البحر المتوسط لشمال المغرب وتحتلها إسبانيا منذ عام 1564، وتعد بمثابة قاعدة عسكرية إسبانية تُدار من مدينة مليلية.
- جزيرة النكور أو صخرة الحسيمة: جزيرة صخرية تقع تحت السيطرة الإسبانية منذ عام 1559، وتضم العديد من المنازل، بالإضافة إلى كنيسة وحصن.
- جزيرة ليلى: الواقعة في مضيق جبل طارق على بُعد 200 متر من شاطئ المغرب، وتحتلها إسبانيا منذ عام 1808.
- جزر الخالدات أو جزر الكناري: تتكون من 4 جزر رئيسية تحيط بها عشرات الجزر الصغيرة وتبلغ مساحتها نحو 1532 كيلومتراً مربعاً، وتضم الكثير من الآثار التاريخية التي تعود لفترة الوجود الإسلامي في دولة الأندلس، ووضعت إسبانيا يدها عليها عام 1496.