في عام 1993، حصلت الكاتبة الأميركية توني موريسون على جائزة نوبل عن جملة رواياتها، ومن ضمنها رواية "ليكن الرب في عون الطفلة"، وهي كاتبة سمراء من أصل إفريقي، اهتمت في رواياتها بالأطفال والنساء السود، ورفضت أن تُصنَّف على أنها مختصة بالحركة النسوية.
وفي هذه الرواية تضعنا الكاتبة داخل عالم متكامل، وتأخذنا لنشعر معها بكل ما تعرَّض له أبطالها، تجسَّد مشاعر النساء والرجال والأطفال على حد سواء، بأسلوب بديع، تصف الأماكن والمشاعر بدقة، وبأسلوب سرد شيّق جاءت الرواية في أربعة أجزاء، تنقلت في كل جزء بين الحديث على لسان الأبطال والراوي، الذي يكمل لنا فهم الصورة.
ترجمت بثينة إبراهيم الرواية إلى العربية في عام 2016، واعتنت المترجمة بتوضيح كثير من التفاصيل التي من دونها كانت ستفسد متعة القراءة، وهي رواية ثرية، وإن كانت تحمل بعض القسوة.
جذور المعاناة: طفلة سوداء في أسرة بيضاء
ككل روايات موريسون، كانت بطلتها فتاة سوداء تدعى برايد، عانت منذ صغرها لأنها وُلدت لوالدين من ذوي البشرة البيضاء، لذا فقد هجرهما الأب بعد صدمته بميلاد ابنة ذات البشرة السمراء، فظلت الطفلة تعاني من العنصرية، حتى من أمها التي أنجبتها.
تظهر معاناة الأم وهي تحاول إيجاد سكن في مكان مختلط يتقبل حالتهما الغريبة، فلو كانت سمراء وابنتها بيضاء لاعتبرها الناس مربيتها، لكن بسبب هذا الوضع تجنبهما الجميع، ونفروا منهما، فتأثرت الأم بذلك، وتجنَّبت لمس ابنتها سوى عند الضرب، ما جعل ابنتها تقوم بأفعال سيئة، فقط لتلمسها أمها، فقبلت الطفلة أن تشهد زوراً، فسُجنت بريئةٌ وأفلت مجرمٌ من العقاب، فقط لتمسك أمها بيدها وتفخر بها.
الذنب: عندما برّأت أحدَ الرجال المرعبين
تناقش موريسون بشكل قاسٍ ومؤلم جرم التحرش بالأطفال، وتأثيره في الطفل مدى الحياة، يظهر ذلك في شخصية برايد، التي كبرت في قرية صغيرة، وأصبحت تعد كل الرجال مرعبين، وتشعر تجاههم بالكره والتقزز، منذ أن شاهدت صاحب البناية وهو يتحرش بطفل صغير، لكنها اتَّهمت معلمة الحضانة، فشهدت عليها زوراً لتكافئ نفسها بلمسة أمها، رغم أن تلك المكافأة لم تحمها من الشعور بالذنب طوال حياتها.
كذلك حدثتنا كيف أننا يمكن أن نقابل أشخاصاً يمتازون باللطف وشاعريين جداً، بينما هم في الحقيقة غاية في الإجرام، فالموسيقيّ اللطيف الذي كان يرعى بوكر عازف الترومبيت شخص سادي متحرش وقاتل، وهو ذاته من قتل آدم شقيق بوكر.
النتيجة: آلام الطفولة لا تبرحُها
ورغم أن برايد تركت والدتها ودرست، وكوّنت شخصيتها الجميلة القوية، وتقلدت منصباً في شركة لأدوات التجميل، ونجحت في عملها، إلا أنها لم تنس أبداً معاناة طفولتها، التي امتد تأثيرها في محاولتها للعيش بشكل سوي، واختيار شريك حياة مناسب.
تضرب هنا موريسون ناقوساً تحذيرياً لتأثير الطفولة في حياتنا كلها، وآلامها وأحزانها التي يمكن أن تفسد المستقبل إذا لم نعالج تلك الآثار ونشفى منها.
الخلاص المحتمل: بوكر سجين حزنه
ظلَّ بوكر مسجوناً في حزنه على أخيه الذي قتله راعيه، ويحاول أن يجد الخلاص في القراءة أو الدراسة في الجامعة، وأحياناً العزف مع فرقة موسيقية حتى تعرَّف على برايد، التي كانت تعاني من شعورها بالذنب تجاه تلك المعلمة، إلا أنه يتركها فجأة، وتقطع رحلة طويلة للبحث عنه، فيجد معها الشعور الذي يبدد حزنه ويعيده إلى نفسه.
العنصرية تراجعت ولكن ما زالت هذه المأساة قائمة
يتحرك في أحشاء برايد طفل يجمعهما. وتنهي الكاتبة الرواية بتمنٍّ وابتهال، بألا تولد الطفلة سمراء كأمها، حتى لا تتعرض لكثير من المعاناة والعنصرية، كذلك تشير إلى أنها حتى إن ولدت سمراء فالعالم تغيّر الآن، فالسود يظهرون على شاشات التلفاز، ويتقلدون المناصب العليا، لكن يبقى التحرش والقتل والإجرام في تلك النفوس المريضة، وهو لا يميز بين أبيض وأسود، فمن يمكنه حمايتها؟ فهل يستطيع أبواها حمايتها؟ لتنهي الرواية بتضرّع، ليكن الرب في عون الطفلة، وهو تضرع للأطفال بشكل عام.
الرواية متوفرة PDF.