استمدت الأموال قيمتها من الحاجة إلى تنمية التجارة والنشاط الاقتصادي في جميع أرجاء العالم، حتى صارت من أساسيات الحياة، لكن بالرغم من ذلك قليلون هم من يعلمون كيف نشأت فكرة المال؟ وما مراحل تطورها؟
وهو ما سنتعرف عليه في هذا التقرير.
الماشية والملح والشاي أقدم أشكال المال
لم يكن الإنسان البدائي في حاجة إلى المال؛ فقد سعى إلى توفير احتياجاته الأساسية محققاً الاكتفاء الذاتي لنفسه، ومع مرور الوقت وتطور الزراعة والتجارة دعت الحاجة إلى اللجوء إلى ما يعرف بنظام المقايضة، وهي عملية تبادل الموارد والمنتجات أو الخدمات بين شخصين أو أكثر؛ لتحقيق المنفعة المتبادلة في المعاملات التجارية، وقد عُدَّت الماشية والسلع الأخرى من البذور والملح والشاي وغيرها عنصراً أساسياً للتبادل في ذلك الوقت، نظراً لحاجة الجميع إليها.
بمرور السنين أثبتت الماشية أنّ استخدامها في نظام المقايضة مرهق للغاية، كما أن تخزين السلع أمر صعب وقابل للتلف، فضلاً عن المعاناة في إيجاد الشخص المناسب لتبادل المنفعة معه.
وتخلى البعض عن هذه الفكرة، ولجأوا إلى استخدام أشياء بديلة وأخف وزناً؛ إذ استخدم الصينيون الخناجر والأسلحة البرونزية كوسيلة للتبادل، بينما استخدمت إمبراطورية الأزتيك وهي دولة الأميركيين الأصليين دمية صغيرة من الذهب الصلب، في حين استخدم المصريون القدماء حلقات دائرية مصنوعة من البرونز أو النحاس أو الذهب، بحيث يمكن ارتداؤها للمحافظة عليها.
اكتشاف العملات المعدنية يُتيح وسيلة أفضل
استُخدمت المعادن في صناعة العملات نظراً لوفرتها وسهولة حملها وتشكيلها، وفي عام 600 قبل الميلاد تحديداً سُكَّت أولى القطع النقدية الرسمية من قبل مملكة "ليديا"، والتي كانت مملكة ساحلية صغيرة تقع على بحر إيجة في تركيا القديمة.
وصنعت العملات من "الإليكتروم"، وهي سبيكة طبيعية من الذهب والفضة، وكان يخُتم على أحد وجهيها بعلامة مميزة مثل صورة الأسد، وساعدت عملة "ليديا" في زيادة تجارتها الداخلية والخارجية، مما جعلها واحدة من أغنى الإمبراطوريات في آسيا الصغرى.
سرعان ما شهدت هذه الفكرة قبولاً رائجاً من قبل الجميع، وقامت البلدان الأخرى بسك سلسلة من القطع النقدية ذات قيم محددة، واستُخدمت على نطاق واسع من قبل التجار.
اعتقد "الإغريق" أن العملات تحتوي على قوى سحرية؛ لذلك ختموها بصور لآلهتهم، كما اعتُبروا أول من استخدم صوراً لأشخاص حقيقيين على العملات، من أشهرهم "الإسكندر الأكبر".
في حين صُممت العملات الصينية بثقوب مربعة في المنتصف ليسهُل حملها في سلاسل أو حبال، وزُينت بصور المخلوقات الأسطورية.
واستخدم الهنود ما يعرف بأشجار المال لحفظ القطع النقدية الخاصة بهم، وكانت عبارة عن قطعة مسطحة من المعدن على شكل شجرة، في نهاية كل فرع بضع عملات لاستخدامها عند الحاجة، وكثيراً ما زُينت بصور التنانين وغيرها من الحيوانات.
البدايات الأولى للعملات الورقية
استُخدمت العملات الورقية لأول مرة باعتبارها أخف وزناً من العملات المعدنية من قبل الصينيين، خلال عهد أسرة تانغ (618-907م)؛ إذ لم يكن من السهل على التجار حمل آلاف من العملات المعدنية لمسافات طويلة، لذلك بدأوا إيداع السلاسل الثقيلة من العملات مع وكيل جدير بالثقة، وإصدار إيصالات ورقية بقيمتها في شكل سندات إذنية يمكن استبدالها بالقطع النقدية في أي وقت.
وفي بداية عهد أسرة سونغ (960 – 1279م)، رخصت الحكومة متاجر إيداع محددة، حيث يمكن للتجار ترك عملاتهم فيها، لكن في 1100م ونتيجة لنقص المعادن الذي أدى إلى صعوبة إصدار المزيد من العملات المعدنية، قررت سلطات "سونغ" السيطرة المباشرة على هذا النظام، وإصدار أول أموال ورقية من قبل الحكومة، وأُنشئت مصانع لطباعتها.
بعد استيلاء المغول على الصين وقيام سلالة يوان (1264-1368م) بفترة وجيزة، مرت الصين بأزمة مالية متقدمة؛ إذ نما إنتاج الأوراق المالية إلى أن تراجعت قيمتها بحلول عام 1358م، ونتيجة لذلك أُلغيت النقود الورقية كلياً عام 1455م، ولم يتم اعتمادها مرة أخرى لمئات السنين، حتى واجهت الحكومة صعوبات مالية في عهد أسرة "تا تشينغ" فلجأت إلى إصدار النقود الورقية مرة أخرى عام 1651م.
صنع العملات
أكبر قيمة لورقة دولار نقديّة كانت بمقدار 100 ألف، وقد طبعت بين عامي 1934 و1945، وكانت تستخدم فقط ضمن المعاملات البنكيّة بين البنك الفيدرالي الاحتياطي وبين الخزينة الأميركيّة، فيما لم يتداولها لعامة الناس.
الحواف الموجودة على أطراف العملة المعدنية ليست للزينة أو تحسين الملمس، بل هي لمنع التزوير، فقديماً كانت العملة المعدنية مصنوعة من الذهب أو الفضة.
إذ كان المزورون يبردون الأطراف كي لا تمكن ملاحظتها، ثم يجمعون المعدن المتجمع لاحقاً لصناعة قطعة ذهبية، بالتالي يكون الكسب أكثر، أما الآن، فالعملة المعدنية لم تعد من معدناً ثميناً، وبقيت الحواف على هذا الشكل كصيغة رمزيّة.
تطبع الولايات المتحدة حوالي 974 مليون دولار كل عام، في حين أن بيتر بروثيرز الشركة المنتجة للعبة مونوبولي (بنك الحظ) تطبع 30 بليوناً من نقود المونوبولي كل عام.