في مدينة أوقاس الهادئة -تبعد عن العاصمة الجزائر بـ270 كيلومتراً- تظاهر المئات من المثقفين في الـ29 من يوليو/تموز 2017؛ احتجاجاً على منع نشاط ثقافي لـ"جمعية آزادي" ومقهاها الثقافي.
المثقفون لم يرفعوا لافتات تندد بالمنع الأمني، ولكنهم حملوا كتاباً؛ للتعبير عن احتجاجهم، الذي تضامن معه الكثيرون في الجزائر.
كتاب في اليد
اختار المثقفون والأدباء والشعراء المشاركون في مسيرة كبرى جابت شوارع أوقاس، "كتاباً في اليد" عنواناً لحركتهم الاحتجاجية. وقال فاتح بوحميلة، من جمعية "آزادي" الثقافية، صاحب فكرة المسيرة، إن "عنوان (كتاب في اليد) جاء ليفند جميع الأقاويل التي يريد بها البعض إفشال مسار العلم والأدب والثقافة".
وأضاف في تصريح لـ"عربي بوست": "نحن هنا مناضلون من أجل استمرار التظاهرات الثقافية والفكرية والندوات التي ننظمها، وقررنا الوقوف أمام أعداء الفكر من المسؤولين والمسيّرين".
2000 مشارك وأكثر
تجاوز العدد الإجمالي للمشاركين في مسيرة "كتاب في اليد" 2000 مشارك، قدموا من مختلف الولايات في الجزائر، خاصة الوسطى والشرقية، أغلبهم من الأدباء والشعراء والمثقفين، بالإضافة إلى الطلبة والباحثين.
أوضح عمارة عبد الرحمن، رئيس جمعية "آزادي" لـ"عربي بوست"، أن "العدد كان مرشحاً للارتفاع، لو انتظرنا حتى بداية الشهر الجاري (أغسطس/آب) 2017، فجميع من بلغه خبر تنظيم المسيرة أبدى استعداده للمشاركة".
وحتى الذين لم تسعفهم الظروف للمشاركة في المسيرة الأصلية -كما يشير فاتح بوحميلة- اجتهدوا في تنظيم وقفات مساندة، كما حدث في ولايتي وهران أقصى الغرب الجزائري، وكذا عاصمة الشرق قسنطينة.
وأضاف المتحدث: "تعدت المساندة والدعم حدود الجزائر، حيث نظم عشرات الأصدقاء والداعمين من أبناء الجالية الجزائرية بكندا في 30 يوليو/تموز 2017، وقفة أمام قنصلية الجزائر في مونتريال، ضد تجميد الأنشطة الفكرية والثقافية".
الكتاب في مواجهة العصا
وكانت الصفحة الرسمية لقناة "دزاير نيوز" الجزائرية الخاصة، نشرت تقريراً يُظهر رجال أمن جزائريين يصدون مسيرة "كتاب في اليد" التي دعا إليها مثقفون وأدباء أوقاس ببجاية، وقد لقي الفيديو تفاعلاً كبيراً من طرف المتصفحين.
واعتبر فاتح بوحميلة أن السلطات هناك تعاملت معهم وكأنهم "أعداء الأمة، وإلا لما سخرت أعوان الأمن لمنع أي نشاط، ولإفشال مسيرة (كتاب في اليد)"، مضيفاً أن هذه ليست المرة الأولى التي يواجهون فيها رجال الأمن.
وقال بوحميلة، "في 22 يوليو/تموز 2017، كنا بصدد تنظيم نشاط أدبي، لكن السلطات منعتنا، وسخّرت رجال الأمن الذين انهالوا علينا ضرباً. لكننا رغم ذلك مستعدون لمواصلة النضال حتى تتحرر الكلمة والقلم والفكر؛ إذ نخطط لنشاط مماثل بعد غدٍ (السبت)، وسنكمل المسيرة".
بسبب المقهى الأدبي
تجميد نشاط المقهى الأدبي، الذي يعكف على تنظيمه بشكل دوري أعضاء جمعية آزادي، ويستقبل قامات في الأدب والشعر، خاصة في شقه الأمازيغي- هو السبب المباشر الذي دفع المثقفين بأوقاس وبعض الولايات للخروج إلى الشارع.
وللمرة الثامنة، يقول بوحميلة، "يتم منع المقهى الأدبي، لأسباب نجهلها تماماً، وبأمر من السلطات المحلية في الدائرة. فمنذ يناير/كانون الثاني 2017 ونحن نحاول تنظيم فعاليات المقهى، لكن بلا فائدة؛ الأمر الذي جعلنا نقوم بتنظيم المقهى الأدبي أحياناً في الشارع، وأحياناً أخرى في المقاهي الشعبية العادية، ويشارك فيها أدباء ومثقفون من داخل الوطن وخارجه".
رئيس جمعية آزادي عمارة عبد الرحمن، قال إن الجمعية تنشط منذ 20 عاماً، ولم تعترضها أية عراقيل كالتي واجهتها مؤخراً، "رغم أننا نحترم القوانين، ونقوم بتقديم طلبات لتنظيم الأنشطة، نبين فيها طبيعة النشاط، ومنفذيه والعدد المتوقع للحضور، لكن الإدارة ترفض في الغالب الرد علينا"، يضيف المتحدث.
قرر أعضاء الجمعية تنظيم المقهى الأدبي، تحت لواء تكتل جمعوي يضم العديد من الجمعيات الثقافية؛ للتصدي لمثل هذه التصرفات، يوضح فاتح بوحميلة.
ونشر موقع جريدة "المحور" الجزائرية، بالتفصيل، برنامج الندوات الفكرية المندرجة ضمن المقهى الأدبي بأوقاس والتي تم الغاؤها.
حركة "الماك" على الخط
الشق السياسي للتضييق الأمني لم يكن غائباً؛ فعندما قررت جمعية آزادي الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، في يناير/كانون الثاني 2017، بتنظيم ندوة فكرية للكاتب والأستاذ الجامعي العربي يحياوي، اعترض الأمن ومن هناك بدأت الأزمة.
وقال بوحميلة موضحاً: "اتُّهمنا بأننا ننشط لصالح حركة الماك، التي تدعو لانفصال منطقة القبائل، باستضافتنا هذه الشخصية، رغم أننا لا نعرف هذه الحركة ولا علاقة لنا بها، و نحن ننشط ثقافياً منذ 20 عاماً".
ويضيف: "العربي يحياوي كاتب أمازيغي، وأستاذ جامعي جزائري، يعمل لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية، والحكومة أدرى منا بسيرته، لو كان حقاً ضمن حركة الماك".
الكاتب والشاعر الجزائري عادل صياد، اعتبر، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "حركة الماك في هذه النقطة بالذات ما هي إلا ذريعة تخفي وراءها الأيادي المعادية لكل ما هو فكري وثقافي؛ من أجل إجهاض نشاطات المقهى الأدبي في أوقاس".
وتعتمد وزارة الداخلية والجماعات المحلية في الجزائر مؤخراً، على وثيقة إثبات تنظيم نشاط، تقدَّم كطلب للإدارة المحلية، تتضمن كل معلومات الجمعيات والهيٍئات وطبيعة النشاط ومنفذيه والمشاركين فيه، مع توثيق معلومات الهوية؛ وذلك تجنباً للاجتماعات والنشاطات المشبوهة، التي تهدد أمن البلد.
وهو ما تفعله جمعية آزادي، كما أوضح فاتح بوحميلة أن جمعيتهم الثقافية تقوم بكل هذه الإجراءات وفق القوانين، لكن دون تلقي الردود!
مؤيدون
المثقفون الداعمون للنشاط الفكري والثقافي، التفوا حول جمعية آزادي؛ لمناصرة المبادئ التي تسعى لتكريسها في سبيل تحرير الكلمة والفكر والثقافة.
الكاتب الجزائري مجيد مرداسي، ابن مدينة الجسور المعلقة قسنطينة، كان سعيداً لعنوان المسيرة واعتبره متميزاً ونادراً، فـ"كتاب في اليد" -كما قال لـ"عربي بوست"- "عنوان راقٍ لشعب متحضر، يريد قبل غذاء البطن غذاء العقل والروح؛ لذا أحيي كل المشاركين في المسيرة، ونحن معهم قلباً وقالباً".
أما الإعلامي والشاعر عادل صياد، فرأى في المسيرة عنواناً للنخوة الفكرية، وحركة احتجاجية حضارية راقية للغاية. وقال صياد لـ"عربي بوست": "منذ استقلال الجزائر سنة 1662، لم نر مسيرة تُرفع فيها الكتب، باستثناء مسيرات التسعينات التي رُفع فيها كتاب الله".
واعتبر الكاتب والأديب الجزائري مجيد مرداسي، ما قامت به أوقاس مفخرة على جبين كل مثقف جزائري، ليس فقط على مثقفي أوقاس وبجاية. وقال لـ"عربي بوست": "أن تجد المثقف حاملاً كتاباً ويجوب الشوارع مطالِباً بتحرير ملتقيات العلم والمعرفة، فذلك من شيم الكبار، وسيكتب التاريخ كل من ساهم في هذه المسيرة، بأحرف من ذهب".