"لا علم عندي، ولا إحاطة.. ولا قدرة لدي، ولا طاقة..
ولكن عنايتك يا إلهي، هي التي أنارت وجهتي..
ومن هذا الضياء تتنـزل الأشعة النورانية..
لكل كلمة في الأرض أو في السماء..
ويونس المسكين ليس له حظ من علم القراءة والكتابة"
أبيات شعرية كثيراً ما يرددها محبو التصوف بشكل عام، والأتراك بشكل خاص، كلماتها وردت على لسان شاعر عاش في القرون الوسطى وعرف بكونه أمياً، لكنه تجسد كـ "أسطورة" لدى محبيه برغم مرور أكثر من 7 قرون على وفاته، إلا أنه ظل باقياً بأشعاره وكلماته وحتى اسمه "يونس إمره"، الاسم الذي حمله المركز الثقافي التركي منذ تأسيسه كوقف قبل عشر سنوات عام 2007، ليصبح رمزاً للثقافة التركية.
مولد ونشأة "يونس إمره"
"يونس إمره" والذي ينطق أحيانا بـ "إمري" Yunus Emre، لم يسجل التاريخ كل تفاصيل حياته ولكن يرجح أن يكون مولده في عام 638 هـ / 1240 م بحسب أغلب تقديرات الباحثين، الذين ذكروا نشأته وحياته ووفاته في قرية تسمى "صارِي كُويْ"، وهي تقع في المنطقة الممتدة فيما بين إقليم "بورصوق" و"سقاريا"، إلا أن الحكومة التركية شيدت نصباً تذكارياً ليونس إمره في قرية "إسكي شهير" حيث يعتقد أنه توفي ودفن فيها عام 720 هـ / 1320م.
لم يكن يونس تلميذاً نجيباً بالمدرسة، الأمر الذي دفع والده إلى منعه من الذهاب إلى المدرسة، والاستعانة به في بعض أعماله، في الوقت الذي اشتغل فيه يونس إمره بالفلاحة لتأمين معيشته، بالإضافة لمساعدته لوالده.
ظهور موهبة يونس إمره وإلقاؤه للشعر
انعكس الطابع الصوفي والتدين على أشعار يونس إمره لارتباطه بالمتصوف الشهير "حاجي بكتاش ولي"، الذي تأثر به كثيراً، وساهم في تكوين شخصية يونس إمره التي عاصرت نهاية الدولة السلجوقية، وبداية العصر العثماني، وانتمت للفكر الصوفي الذي أحبه الأتراك خلال تلك الفترة.
واشتهر شعر "يونس إمره" ببساطة كلماته الأدبية التركية، ووضوح عباراته، وسهولة أسلوبه الذي جعله سهل الحفظ لكل الناطقين بالتركية، كما مزج بين الذوق التركي وثقافة الزهد الإسلامية التي عرف بها المتصوفون، وارتبط بالعمق الديني وحب الخالق الذي برز في كلماته وأشعاره.
واكتسب الشاعر الصوفي بكلماته حب وتأييد الأتراك، لانتشار أشعاره وقصائده بالعديد من المناطق التي تعرضت للغزو المغولي، مثل مقاطعة الأناضول وسوريا وأذربيجان، واعتبره محبوه أحد الدراويش الصالحين، وتنازعوا في إقامة أضرحة كثيرة له وادعاء دفنه بأكثر من منطقة.
وبرغم وفاة يونس إمره استمر الاحتفاء بأشعاره من قبل أتباع الطرق الصوفية في المناسبات الدينية، ورددها محبوه في المحافل الشعرية كافة تخليداً لذكراه، واقتبس المسؤولون الأتراك من كلماته مقتطفات يرددونها في المناسبات والأحداث العامة، ليبقى يونس إمره رمزاً للثقافة والأدب التركي الشعبي.
نشأة وقف يونس إمره
أُسس وقف يونس أمرة بتاريخ 05/05/2007م كمؤسسة وقف عمومية وفقاً للقانون رقم 5653 بغرض التعريف باللغة والثقافة التركية، وانبثق منه معهد يونس إمره الذي بدأ نشاطاته عام 2009 م، ولديه أكثر من 50 مركزاً ثقافياً في 40 دولة خارج تركيا، ويتبنى المعهد نشر الثقافة التركية وجعل اللغة التركية واحدة من لغات العالم الرائدة، بحسب ما قاله صلاح الدين إمره شلبي مدير المعهد الثقافي التركي بالقاهرة.
أنشطة فروع المعهد بمصر
أفاد مدير المعهد بالقاهرة في مقابلة مع "عربي بوست"، أنه درس اللغة التركية أكثر من 7500 طالب مصري منذ افتتاح فرع المعهد بالقاهرة رسمياً في مارس 2010 من قبل رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان، وتخرج العام الماضي خلال حفل أقيم بمقر السفارة بالقاهرة أول دفعة أتمت تعلم اللغة التركية، مشيراً إلى تقدم أكثر من 300 دارس لكل دورة، والاكتفاء بـ 50 فقط لضعف الطاقة الاستيعابية للمعهد، وهو ما يؤكد إقبال المصريين على تعلم اللغة التركية.
مع حلول شهر رمضان ينظم المعهد دورة لكرة القدم الرمضانية للطلاب، ورحلات "مدرسة اللغة التركية الصيفية" لطلاب الجامعات المتعاقد معها والتي تستمر لمدة 45 يوماً، لتعريف الطلاب بالثقافة التركية، بالإضافة إلى اللقاءات التي ينظمها المعهد بشكل دوري بين طلاب المعهد والشخصيات العامة التركية المتواجدة في القاهرة (سواء رجال أعمال أو مسؤولين في المؤسسات التركية العاملة بالقاهرة، أو دبلوماسيين من السفارة التركية) تحت عنوان "Kahire'Bir Türk" أو "شخصية تركية في القاهرة"
أشار "إمره" إلى إعلان المعهد عن المنح التركية الدراسية المقدمة من قبل وزارة التعليم التركية سواء لطلاب (الليسانس والبكالوريوس) أو طلاب الدراسات العليا (الدكتوراه والماجيستير)، وتدشين منصة إلكترونية لتعليم اللغة التركية بشكل مجاني من خلال الرابط التالي ل Turkce.yee.org.tr تنظيم العديد من الفعاليات مثل الحفلات الموسيقية والمعارض، وورش الأعمال والعروض المسرحية وعروض الأفلام، والاجتماعات العلمية واللقاءات مع المثقفين، بهدف نشر مخزون تركيا الثقافي في مجالات الموسيقى والأشغال اليدوية القديمة والحديثة والمسرح والسينما والصور والأدب والمطبخ التركي، حيث لم يقتصر على تعليم اللغة فقط بل كانت تلك الفعاليات ضمن أنشطة المعهد التي أشار إليها مصطفى أيدودو، مدير فرع المعهد الذي بدأ عمله عام 2013 بمدينة الإسكندرية شمالي مصر.
نوه "أيدودو" عن تدريس اللغة التركية حتى الآن لما يقرب من 2500 طالب بفرع الإسكندرية، وتنظيم عدة ندوات عن مرور 100 عام على السينما التركية، والوجه الحديث في الأدب العربي، وملحمة جنق قلعة (تشناكالي) في قلب مصري، والذكرى الأربعين لوفاة المطربة المصرية أم كلثوم، والمشاركة بمعارض الإسكندرية الدولي للكتاب، والمجلات السينمائية باللغة العثمانية، ووجوه من نهر النيل إلى البوسفور، الإسكندرية بالوثائق العثمانية، والاحتفالات بمشاركة الفرقة الصوفية المصرية.