إليف شافاك كاتبة تركية، ولدت عام 1971 في ستراسبورغ، أمضت طفولتها بين مدريد وعمان وكولونيا، ثم عادت إلى تركيا، وهاجرت بعدها إلى الولايات المتحدة الأميركية، وتعمل أستاذة محاضرة في جامعة أريزونا، وقد أثرت كثرة تنقلاتها في كتابتها، فعندما تكتب إليف فإنها لا تكتب عن فئة بعينها، أو عن مكان واحد، لكنها تكتب عن الإنسان.
تقول إليف عن نفسها إنها نشأت في عائلة لا تحكمها القوانين الذكورية، وتستخدم الكاتبة اسمها الأول "إليف"، واسم أمها "شافاك" اسماً أدبياً توقع به أعمالها. كتبت روايتها "شرف"، وترجمت إلى العربية عن دار الآداب للنشر ببيروت عام 2013 وصدرت في جزئين.
تستهلّ إليف روايتها بلمحة قصيرة من طفولتها وإهداء صادم: "عندما كُنت في السابعة من عمري كنا نقطن في بيت أخضر، وكان أحد جيراننا وهو خياط ماهر، اعتاد ضرب زوجته، وكنا نستمع في الأماسي إلى الصياح والبكاء والسباب، وفي الصباحات كنا نواصل حياتنا كالمعتاد، وكان الحيُّ بأكمله يتظاهر بأنه لم يسمع شيئاً ولم ير شيئاً، إن هذه الرواية مهداة إلى أولئك الذين يسمعون والذين يرون" فتثير فيك الشغف لقراءة الرواية فى جلسة واحدة، راجياً أن تكون من "الذين يسمعون والذين يرون".
ومثلما عوَّدتنا إليف في روايتها، فإن شخصياتها مرسومة بعناية، تتداخل الحكايات وتتشابك في سلاسة فائقة، تبدأ الرواية في العام 1992، ثم تنتقل بعدها للماضي حتى عام 1945، ومنه تعبر لـ1953 حتى 1967 ثم 1969، ونراها انتقلت لـ1977 ومنه للعام 1990، باحثةً في الماضي القريب عن دوافع الشخصيات، وكيف أصبحوا على ما هم عليه اليوم؟
وفي الرواية، وعلى مدار ثلاثة أجيال متعاقبة، تضعنا إليف شافاك في مواجهة الضغوط والعادات والموروثات الظالمة، التي تئِنّ تحت وطأتها المرأة في الشرق، عبر سردها لحكاية تلك العائلة الكردية الفقيرة، التي تعيش على ضفاف نهر الفرات.
فتجد "نازي" تنجب التوأمين "جميلة وبمبي"، فينتابها الحزن الشديد، وتلتزم الصمت التام لأربعين يوماً، بعد أن أنجبت ست بنات قبلهما، وكانت تتوق لإنجاب الولد، تَحمل "نازي" مرة أخرى، وتموت خلال محاولتها لإنجاب "الولد".
يُحب آدم جميلة ويرغب في الزواج بها، إلا أن بعض الشائعات -غير الصحيحة- تتناثر حول عذريتها، فيتزوج من أختها بمبي، تقبل بمبي الزواج منه، مع أنها لا تُحبه؛ لكنها ترى فيه طريقها الوحيد للخروج من قريتها الفقيرة، فتُكمل جميلة حياتها بدون زواج، تعمل قابِلة، وتعيش وحيدة على أطراف قريتها.
تُنجب بمبي ابنها الأكبر إسكندر، وتهاجر مع زوجها آدم إلى لندن، حيث يتعرف زوجها المقامر على راقصة سيئة السمعة، روكسانا، ويركض وراءها، منفقاً أمواله عليها، هاجِراً زوجته بمبي وأولاده، ولا يُحدثه أحدهم عن غسل العار، أو فقدان الشرف، لا أحد يهتم، وكأن ما فعله شيء معتاد. يحب ابنها إسكندر كاتي، ويقيم معها علاقة غير شرعية، ويلجأ لعمه طارق؛ حتى يقترض منه أموالاً لإجهاضها، فيعطيه المال اللازم.
بعد أن هجر آدم زوجته بمبي، يتقاطع طريقها مع إلياس، فتنشأ بينهما علاقة حب، تشوبها مشاعر مختلطة من الذنب، تسافر جميلة لأختها بمبي في لندن، تخططان لطلب بمبي الطلاق من آدم، حتى تتزوج إلياس، لكن القدر لم يمهلهما؛ فتتناثر الأقوال حول بمبي، والعار الذي جلبته، وضرورة تأديبها، فيقوم إسكندر، بصفته الابن الأكبر، والمسؤول عن أسرته بقتل خالته جميلة، ظناً منه أنها والدته.
يُحكم على إسكندر بالسجن، وتعود بمبي إلى تركيا، بطريق غير شرعي، وتُكمل حياتها في قريتها، وتموت هناك.
بالرواية العديد من الحكايات الفرعية، التي تستحق الذكر والتأمل، وتُلقي الضوء على الأسباب التي دفعت بإسكندر لارتكاب جريمة "الشرف".
فعلى سبيل المثال، عندما وصلت ابنة بمبى، أسماء، سن البلوغ، أخذت في تحذيرها من أن تقع في علاقة مع شاب؛ حتى لا تجلب لهم العار. في الوقت نفسه، تترك إسكندر يفعل ما يحلو له، فهو ولد، وليفعل ما يشاء فكانت بمبي تدعوه "سلطاني، وأسدي، وملاذي" .
فلربما كانت بمبي شاركت بشكل ما في ترسيخ تلك القيم والعادات الخاطئة، فمفهوم "الشرف" عند الرجل الشرقي لا يتجاوز أمه وأخته وابنته، وكأن الكاتبة توحي إلينا بأن الشرف للنساء دون الرجال.