السرقات العلمية في الجزائر: رسائل ماجستير تناقش أكثر من مرَّة.. والمحسوبية تعطِّل العقاب

تنتاب أحمد خالد أستاذ القانون بجامعة "برج بوعرريج" حالة من الحزن والأسى، كلما تذكر ما عاشه نهاية السنة الجامعية الماضية، عندما قدم له أحد الطلبة الذي كان يشرف عليه، مذكرة تخرج لنيل شهادة ليسانس، هي نسخة طبق الأصل لرسالة ماجيستر، نوقشت في إحدى الجامعات الجزائرية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/21 الساعة 14:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/21 الساعة 14:28 بتوقيت غرينتش

تنتاب أحمد خالد أستاذ القانون بجامعة "برج بوعرريج" حالة من الحزن والأسى، كلما تذكر ما عاشه نهاية السنة الجامعية الماضية، عندما قدم له أحد الطلبة الذي كان يشرف عليه، مذكرة تخرج لنيل شهادة ليسانس، هي نسخة طبق الأصل لرسالة ماجيستر، نوقشت في إحدى الجامعات الجزائرية.

في هذا التحقيق، تكشف شبكة "زدني"، عن أشكال السرقات العلمية في الجزائر، مستعينة بأساتذة وأكاديميين من مختلف الجامعات الجزائرية، بالإضافة إلى الكشف عن أسباب التسيب في معاقبة ما أسماهم بعضهم "لصوص العلم".

صدمة


عبر أستاذ القانون صدمته بأن يكون أحد طلابه من ملوثي قطاع التعليم العالي في الجزائر، ويحاول في كل مرة إيجاد إجابة مقنعة حول الأسباب التي تدفع الطلبة لتحصيل العلم بالطرق السهلة والغش وسرقة مجهود الآخرين.

وبحسب من تكلمت معهم "شبكة زدني" من طلبة وأساتذة، فإنه أينما وليت وجهك داخل الجامعة الجزائرية، تصطدم بواقع مرير يترجم حجم التخبط الذي آلت إليه الجامعة في مجال البحث العلمي.

وأضحت الفضائح تلاحق مختلف المراكز الجامعية بالجزائر في السنوات الأخيرة، بعد أن ثبت قيام أساتذة وطلبة بسرقة بحوث علمية من داخل الجزائر أو جامعات عربية ودولية، وإدراج أجزاء منها في أعمالهم البحثية كأطروحات الدكتوراه ورسائل الماجيستر وبحوث الأعمال التطبيقية، على أساس أنها عمل جديد، وفقاً لزدني.

وقال الأستاذ أحمد خالد لشبكة زدني، إن تواطؤ بعض المجالس العلمية ومديري الجامعات مع لصوص العلم ساهم في انتشار هذه الظاهرة، حيث طلب منه مدير الجامعة التساهل مع طالبة وعدم التبليغ عنه في إحدى المرات، لأنه منتمٍ إلى إحدى فروع التنظيمات الطلابية.

لكن لما رفض خالد، أصدر مدير الجامعة قراراً بالتخلي عن إشرافه على هذه المذكرة، وإسنادها إلى أستاذ آخر.

من السارق؟ مسؤولون وطلبة في قفص الاتهام


جامعة محمد بو ضياف


"تعددت الطرق والهدف واحد"، بهذه العبارة استقبل الدكتور بجامعة الجزائر 3 أحمد عظيمي تحقيق شبكة "زدني" حول ظاهرة السرقات العلمية، ويقول إنه "في المجال العلمي، يعتبر السارق كل من يقتبس فقرة أو فكرة أو رأياً من أية وثيقة أو كتاب أو من أية وسيلة إعلامية ونسبها لنفسه دون ذكر المصدر"، مضيفاً أن "كل من يستولي على الإنتاج الفكري لغيره كطلبته أو معارفه حتى ولو كان غير منشور يعتبر سارقاً أيضاً".

من جانبه، أكد الدكتور أحمد عظيمي ضابط سابق بالجيش الجزائري والناشط السياسي، لزدني أن "السرقة قد تكون لصالح المعني مباشرة أو لشخص آخر، حيث يلجأ بعض الطلبة أو حتى المسؤولون لغيرهم، كي يحرروا لهم بحوثاً وينسبوها لأنفسهم".

وبحسب التحقيق، فإن ظاهرة السرقة العلمية امتدت في السنوات الأخيرة لتشمل مختلف جامعات المدن الداخلية للجزائر، وفي هذا الصدد يقول، الأستاذ المحاضر فوزي لجلط، بكلية الحقوق بجامعة محمد بوضياف بولاية المسيلة، "السرقة العلمية لا تستثني الطلبة المقبلين على اجتياز مختلف الشهادات، فالأمر على حد تعبيره امتد إلى إحدى الحلقات الأساسية في التعليم وهمزة الوصل بين الطالب والعلم ألا وهو الأستاذ، ما اعتبره بالكارثة الحقيقية على المنبر والحرم الجامعي".

فيما ذهب رضوان جدي، أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة المسيلة، أن "الظاهرة قد تكون امتداداً للسرقات الموجودة في مختلف المجالات".

كيف تتم السرقة العلمية؟


يجمع كل من الطلبة وأساتذة بجامعة المسيلة لشبكة "زدني"، إلى أن النقل الحرفي دون التقيد بتقنيات التهميش والإسناد العلمي، يعد شكلاً آخر من أشكال الاستيلاء على جهود الباحثين والمؤلفين.

ويضيف الدكتور أحمد عظيمي أن السرقة العلمية للشبكة، "تتم بطرق عديدة، منها النقل المباشر من المراجع و الترجمة الحرفية من مصادر أجنبية".

ويشير إلى عظيمي إلى أن تكليف أناس معينين لإنجاز أبحاث معينة يعتبر سرقة، بما أن الأستاذ يستولي على العمل فيما بعد، كما يؤكد أن تكليف الطلبة بإنجاز بحوث ونسخها من وثائق معينة دون حرج صورة أخرى للسرقة العلمية التي تعتبر شبكة الإنترنت تربتها الخصبة".

آليات السرقة العلمية


يقول الدكتور أحمد عظيمي، "آليات السرقة العلمية واضحة، فقد تكون مباشرة كالسطو على وثيقة كاملة، أو جزء منها أو اقتباس فقرات من أكثر من وثيقة أو اللجوء إلى الترجمة، إن استغلال منتوج الآخرين كاستغلال الأستاذ لبعض الطلبة أو مسؤولين لمرؤوسيهم هي السرقة بعينها".

فيما يرى أستاذ الحقوق بجامعة المسيلة فواز لجلط، أن آليات السرقة التي تأتي نتيجة غياب البحث العلمي الجاد، تكون من الكتب مباشرة وشبكة الإنترنت.

اعتراف رسمي بوجود سرقة علمية في الجامعة الجزائرية


جامعة سعد دحلب


بحسب شبكة "زدني"، فإنه رغم الإجراءات الردعية التي تنتهجها الجهات المختصة لمعاقبة المتورطين في السرقة العلمية، بداية من تشكيل لجنة تحقيق ثم إحالة المعني على المجلس التأديبي للجامعة، وتسليط عقوبة قد تصل إلى تنزيل الدرجة أو الفصل من المنصب، إلا أن ذلك يعتبر قرار ذر للرماد في العيون عند الأساتذة الذين تواصلت معهم الشبكة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، المعني بسرقة أجزاء من كتاب وزير الخارجية المغربي تحصل بعدها على درجة الدكتوراه في الشريعة، وتمت ترقيته إلى مدير لمعهد الحقوق بجامعة غليزان قبل أن يعين في منصب أعلى بالمحاباة لتغطية القضية.

اعترف وزير التعليم العالي والبحث العلمي الجزائري الطاهر حجار بوجود سرقات علمية، ودعا في ندوة صحفية من جامعة "سعد دحلب" بولاية بسكرة خلال افتتاح السنة الجامعية 2017/2016 إلى وأد الظاهرة في مهدها عن طريق تفعيل آليات الرقابة والوقاية وتسليط العقاب إن استدعت الضرورة، مشيراً إلى أن السرقات العلمية قليلة بالجزائر وتم اكتشافها قبل مناقشة رسائل الماجيستر أو أطروحات الدكتوراه.

ويضيف وزير التعليم الجزائري أن قطاعه سارع إلى وضع عدة إجراءات تنظيمية متكاملة للتصدي لهذه الظاهرة، وفي مقدمتها الأحكام الواردة في القانون الأساسي للباحث، وتنصيب مجلس أخلاقيات المهنة الجامعية وخلايا تابعة لهذا المجلس على مستوى كل جامعة مؤخراً، إلى جانب ميثاق الأطروحة الذي تم إصداره العام الماضي ليحدد واجبات وحقوق الطلبة المسجلين في الدكتوراه واقتناء برامج معلوماتية كاشفة لهذه الحالات.

وكانت الصحافة الجزائرية تناولت مؤخراً إحدى الفضائح العلمية، إذ أماطت اللثام عن قضية تتعلق بأستاذ من جامعة "الشلف"، قام بسرقة أغلب ما ورد في كتاب "تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة"، لصاحبه وزير الخارجية المغربي السابق سعد الدين العثماني الذي استنكر هذا الفعل اللاأخلاقي، ما استدعى جامعة الجزائر إلى تقديم اعتذار رسمي مكتوب لصاحب المؤلف.

بنك خاص وشبكة داخلية لكشف تقارير التربص والمذكرات السابقة


يطرح الدكتور في علم النفس خالد عبد السلام، بجامعة "فرحات عباس بسطيف"، عبر أحد المواقع الإخبارية الجزائرية، اقتراحات للحد أو التقليص من السرقة العلمية، التي لا تستثني حتى بحوث الأعمال التطبيقية على حد تعبيره.

ويردف الدكتور خالد عبد السلام الذي اختار عنوان "لنحمي جامعاتنا من اللصوص" في مقاله، إلى أن تأسيس كل جامعة بنك للمذكرات والرسائل العلمية الأكاديمية والبحوث الميدانية الجزائرية والدولية في كل اختصاص، يمكّن من الحد من الظاهرة، شريطة تكوين هيئة مستقلة على شاكلة خلايا الجودة لتقوم بمهمة المراقبة القبلية والبعدية لكل الأعمال البحثية المبرمجة والمنجزة.

ومن أسس الاستراتيجية التي قدمها الدكتور خالد عبد السلام إلى كل المدافعين عن مصداقية التكوين والبحث العلمي الجامعي في الجزائر، توفير شبكة تواصل إلكترونية داخلية بين الجامعات الجزائرية لتقديم المعلومات الضرورية في الموضوعات المطلوبة في كل تخصص ومجال تكويني أو بحثي.

تراجع ميزانية البحث العلمي بسبب سياسة التقشف


وزارة التعليم العالي الجزائري


خصص قانون المالية لسنة 2016 حوالي 20 مليار دينار جزائري، كميزانية للبحث العلمي وهي ما اعتبرها وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الطاهر حجار بالكافية، حيث أكد مراتٍ عدة، أنه لا مجال للحديث عن التقشف في مجال التعليم العالي والبحث العلمي وأن سياسة التقشف لن تطال مِنَح الأساتذة أو الطلبة.

كما كشف بالكافية، عن جملة من التدابير والإجراءات الهادفة إلى تيسير مناقشة طلبة الدكتوراه أطروحاتهم في الآجال المعقولة، غير أن المتمعن في قانون المالية لسنة 2017، يجد أن قطاع التعليم العالي سار على نفس الوتيرة التنازلية لمعظم القطاعات حيث تراجعت ميزانيته من 312 مليار د.ج. إلى 310 مليار د. ج.، ما يعني أوتوماتيكياً تراجع ميزانية البحث العلمي.

استنثناء


كانت جامعة "أبو بكر بلقايد"، بتلمسان غربي الجزائر، الاستثناء هذا العام، باحتلالها للمرتبة 801 من أصل 980 جامعة صنفها المعهد العالي العالمي للدراسات العليا World University Rankings كأفضل الجامعات في العالم لسنة 2016/2017.

وتعد هذه المرة الأولى التي تخرج فيها جامعة جزائرية من ذيل أسوأ الجامعات في العالم منذ سنوات، ليوضع بذلك اسمها في قوائم الجامعات الأميركية والبريطانية التي تسيطر على المراتب الأولى عالمياً، بحسب شبكة "زدني".

علامات:
تحميل المزيد