ما زال الرومي قادراً على إدهاش قرائه بعد أكثر من سبعة قرون على رحيله.
رجل الدين الصوفي وشاعر القرن الثالث عشر: جلال الدين محمد الرومي، يحقق أحد أعلى مبيعات الشعر في أميركا، تُقرأ أعماله في حفلات الزفاف، ويؤديها الفنانون والموسيقيون وتُقتبس كتاباته دوماً على الشبكات الاجتماعية.
لكن قليلاً من الناس يعرفون شيئاً عن الرجل بخلاف أبيات الشعر الخالدة، في كتابه، Rumi's Secret: The Life of the Sufi Poet of Love، يسعى المؤلف براد جوتش إلى أن يعطي لمحة عصرية للقراء عن حياة الرومي، عبر دراسة أسفاره وتكوينه الروحاني.
وقال جوتش للنسخة الأميركية لـ"هافينغتون بوست" إنه كان مثله مثل الكثيرين، مذهولاً بالجمال والشاعرية في كتابات الرومي.
وهذه مجموعة من الأشياء التي قد لا يعرفها كثيرون عن حياة الشاعر الشهير.
1.وُلد الرومي في وسط آسيا، على الأغلب في طاجيكستان بالقرب من حدود أفغانستان
تأثر الرومي نتيجة البيئة التي نشأ فيها بعد ديانات، فتلك المنطقة كانت يوماً ما جزءاً من إمبراطورية فارس الكبرى، ولذا تأثر بالديانة الزرادشتية.
وفي بدايات منتصف القرن السابع، بدأت القبائل العربية في السيطرة على تلك المنطقة، فأضافت الدين الإسلامي إلى تنوع الأديان التي تمارس في المنطقة، وفقاً لجوتش، فعندما وُلد الرومي في قرية واخش في الثلاثين من سبتمبر/ أيلول عام 1207، كانت التأثيرات البوذية لا تزال موجودة في المنطقة.
قال جوتش "كان هناك صراع حضارات ورغم ذلك نجد تآزراً بينها في تلك المنطقة التي يعتبر فهمها مهماً للغاية.
2. كان والده وجده وُعّاظا وقضاة، وكان متوقعاً منه أن يسير على نفس الطريق
ينحدر الرومي من أسرة من رجال الدين، كان والده، بهاء الدين يلقي بعض الدروس في المسجد وكان قاضياً شرعياً سنياً، وكان صارماً بشأن تطبيق القواعد والأسس الدينية، ورغم ذلك تأثر بالصوفية، والتي كانت تعد فرعاً غامضاً من الإسلام.
3. قضى الرومي قسماً من حياته لاجئاً ومهاجراً
عزم بهاء الدين على الرحيل بأسرته من واخش بين عامي 1210 و1212. وفقاً لجوتش، في ذاك الوقت كان جنكيز خان يجهز جيوشه لغزو طاجيكستان، وربما يكون والده قد دُفع لمغادرة البلاد بسبب المشاكل السياسية الداخلية، أو لرغبته في أن يرى مكة.
وأياً ما كان دافعه، فإنه بمجرد مغادرة الأسرة، اجتاح المغول البلاد ودمروا المدن العظيمة التي نشأت بها العائلة، قال جوتش "لم يرَ الرومي مسقط رأسه ثانيةً، ولم يعد إليه أبداً، لقد أصبحوا مهاجرين ولاجئين".
4. خارطة حياة الرومي امتدت على رقعة 2500 ميل، إذ استمر ترحال عائلته على مدى عقدين من الزمان
سافرت أسرة الرومي من واخش إلى سمرقند فى أوزباكستان ثم إلى إيران، وسوريا، والسعودية، وأخيراً إلى تركيا حيث قضى الرومي ما لا يقل عن 50 عاماً من حياته.
إن تجربة الترحال عرضت الرومي لعدة لغات وممارسات دينية، يقول جوتش "كان مهاجراً بالمعنى الحقيقي للكلمة لما مر بكل هذه الأماكن، وترى ظاهرة عدم الثبات هذه متضافرة في شعر الرومي".
5. درس الدين في مدرسة بحلب التي تشهد هذا الدمار المأساوي اليوم
بعد وفاة والده، تولى مؤدبه (معلم طفولته) مسؤولية تعليمه الديني، تشجع الرومي على الدراسة في دمشق وحلب كي يستطيع تدعيم مكانته كمعلِّم ديني وقائد لجماعة والده، وكان التعليم الذي تلقاه في حلب دينياً، إذ كان أساسه دراسة القرآن، وتعلم كذلك الشعر العربي.
كان تعلُّم محاكاة المعلم وتلقي أفكار بعينها عنه، جزءاً هاماً من التعليم إبان ذلك الوقت.
وقال جوتش "كانت الثقافة العلمية، والأكاديمية متطورة للغاية، خاصة في بغداد، ودمشق، وحلب وكان هذا مدعاة للفخر وله مكانة مرموقة" مضيفاً أن فكرة الشهرة ورفع ذكرك كانت شديدة الأهمية فى هذه الدوائر العلمية.
6. لم ينادَ عليه بلقب الرومي في حياته قط
كلمة الرومي تعني أنه من روما، نسبة إلى الإمبراطورية الرومانية البيزنطية، الإمبراطورية التي ضمت ما يعرف اليوم بتركيا، حيث عاش الرومي أغلب حياته. اسمه عند الميلاد محمد، كان الناس ينادونه بكنيته، سماه والده أيضاً جلال الدين، وهو يعني درة الإيمان، ولاحقاً عرف بلقب مولانا أو الأستاذ أو سيدنا.
من المرجح أنه لم يُعرف أبداً بلقب الرومي الذي يعتبر شهرته حول العالم الآن.
7. قابل الرومي معلمه ورفيقه شمس التبريزي وهو في أواخر الثلاثينيات، بينما كان شمس فى الستينيات
كان الرومي في هذا الوقت معروفاً في قونية لكونه قاضياً موقراً، وعالم دين، وواعظاً، لكنه لم يكن راضياً ويشعر بالقلق حيال ما يفعله، أطلق جوتش على ذلك "أزمة منتصف العمر".
كان شمس الدين أو شمس التبريزي باحثاً عن الدين وغامضاً، ويصف جوتش شخصيته بأنه كان بغيضاً وسريع الغضب، وصعباً ومثيراً للاهتمام ولا يرضى أبداً، وفي نفس الوقت، كان غائصاً حتى الثمالة في التعلم والصلاة والتأمل.
التقى الاثنان في شارع بقونية واشتبكا في حديث فلسفي على الفور، وعرفا في بعضهما أنسباء في الأرواح، قضى الرومي الأشهر الثلاثة التالية في خلوة مع شمس، الذي حاول أن يجذب الرومي نحو رؤية الموسيقى والشعر على أنها ممارسات روحية.
وفقاً لجوتش، فقد كسرت طبيعة هذه العلاقة الأنماط الاجتماعية السائدة، وضغطت أيضاً على عائلة الرومي وجماعته.
قال جوتش "في النهاية إمَّا غادر التبريزي عمداً أو قتل، فلا أحد يعرف الحقيقة، لكن الحادث زج بالرومي في مرحلة بدت كالجنون".
8. لم يبدأ الرومي في كتابة الشعر جدياً قبل صدمة اختفاء التبريزي من حياته
أخل اختفاء شمس بكيان الرومي، ولكنه مع هذا ساعده في أن يتطور روحياً.
يقول جوتش "حاول الرومي أن يتعامل مع المعاناة التي مر بها بعد رحيل شمس، ثم أدرك أن الحب الذي يسعى إليه موجود بداخله. أي أن شمس، بطريقةٍ أو بأخرى، موجود بداخله".
كتب الرومي ما يزيد عن ثلاثة آلاف قصيدة غزل ومقاطع غنائية، في غالبها قصائد مقفاة عن الحب، وما يزيد عن ألفي رباعية (أربعة أبيات موحدة القافية). كما كتب ملحمة روحية في ستة مجلدات عنوانها "المثنوي".
9. تشييع جنازة الرومي لم يسبق لها مثيل في عصره
مات الرومي في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول، كان مسلماً ملتزماً طيلة حياته، يصلي الصلوات الخمس ويصوم الفرائض، ولكنه في نهاية حياته كتب عن "دين الحب" الذي يتجاوز كل حواجز الطائفية التقليدية، في المثنوي، كتب "يتجاوز دين الحب كل الأديان، الدين الوحيد للمحبين هو الله".
أعطى الرومي لأتباعه تعليمات خاصة باعتبار ليلة وفاته كما لو أنها احتفال زواج بهيج، إذ خطّط جنازته بالكامل، بحضور المغنين والموسيقيين، والراقصين، وقارئي القرآن والأئمة. كان حضور المغنين والراقصين يعني للرومي علامةً على أن الراحل كان مسلماً ومحباً.
لكن جنازته تضمنت حاخامات يتلون المزامير، وقساوسة يتلون الأناجيل، ما أذهل أتباعه المسلمين، هم، فقط، لم يدركوا كيف أن الرومي أصبح رمزاً موقراً لدى العديد من الجماعات الدينية.
يقول جوتش "كان الرومي يفكر خارج الصندوق حين وجد فى الصوفية أصول كل الأديان".
لا تزال ذكرى رحيل الرومي يُحتفل بها في قونية بتركيا كل عام، مثل احتفال الزواج، يتضمن المهرجان رقصة الدراويش الاحتفالية (المولوية)، وهي طقس تأملي حركي يُعتقد أنه يساعد المتعبدين به أن يتصلوا بالله.
كتب الصوفي في المثنوي "حين تكتشف مصدر الشمس.. أيما اتجاه تذهب فيه سوف يكون الشرق".
هذا التقرير مترجم بتصرف من النسخة الأميركية لـ"هافينغتون بوست"، للاطلاع عليه اضغط هنا.