دعني أطرح عليك سؤالاً أنت.. نعم أنت: هل ساورك الحنين يوماً إلى بيت المقدس، فتاقت نفسك إلى زيارته ورؤيته والصلاة في مسجده الأقصى المبارك؟
إذا كانت الإجابة بنعم، وإذا كان الحنين قد بلغ منك منتهاه، فإن لك في واحة المعرفة العزاء كل العزاء.
فبالمعرفة تُختصر الأزمان، وتُطوى المسافات
فما هو بيت المقدس؟
هل هو قبة الصخرة؟ أم الجامع القبلي؟
أم أن المقصود به هو المسجد الأقصى المبارك بكل ما تحتويه أسواره من قبة الصخرة والجامع القبلي وقبة السلسلة والقباب والمحاريب والمصاطب والبوائك والسبل والآبار؟
أم أن المعنى يتسع ليشمل مدينة بيت المقدس – القدس – بأكملها؟
حقيقة الأمر أن مصطلح بيت المقدس يتسع ليضم ويشمل كل ما سبق وأكثر، فهو إقليم كامل، وهذا ما أثبته الدكتور خالد العويسي، عندما أعاد اكتشاف ورسم حدود بيت المقدس في بحثه القيم باللغة الإنكليزية تحت عنوان "Mapping Islamicjerusalem"، وخلص فيه إلى أن بيت المقدس هو إقليم يشمل ويضم عدة قرى ومدن كبيرة وصغيرة، ويقع في القلب منها المسجد الأقصى المبارك، وحدوده ثابتة منذ بداية الخليقة مثل حدود حرمَي مكة والمدينة.
كما يقدم لنا الأستاذ الدكتور عبد الفتاح العويسي المقدسي، أستاذ العلاقات الدولية ومؤسس المشروع المعرفي لبيت المقدس، تعريفاً وافياً لبيت المقدس، فيقول إن بيت المقدس هو:
إقليم فريد غني بخلفية تاريخية خصبة، وبأهميات دينية، وارتباطات ثقافية، وبادعاءات سياسية ودينية تنافسية، وباهتمامات دولية، تؤثر في بقية العالم في الإطار التاريخي، والمعاصر، والمستقبلي، ولبيت المقدس إطار مرجعي مركزي، وطبيعة حيوية ذات ثلاثة عناصر أساسية مترابطة: موقعها الجغرافي (الأرض والحدود)، وشعبها (السكان)، ورؤيتها الفريدة والخلاقة والشاملة لإدارة أرضها وشعبها بوصفه نموذجاً للتعددية الدينية والثقافية، والتواصل الحضاري، والأمان.
ولكن لماذا علينا إعادة استخدام مصطلح بيت المقدس؟
1- إحياء للمصطلح الذي استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا المصطلح لم يخترعه حاكم أو زعيم أو فيلسوف، وإنما استخدمه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أكثر كلامه وأحاديثه عن هذا الإقليم المقدس، ومن ذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن ذي الأصابع رضي الله عنه، أنه قال: "يا رسول الله، إن ابتُلينا بالبقاء بعدك فما تأمُرُنا؟ فقال: عليك ببيت المقدس لعل الله أن يرزقك ذُرية تغدو إليه وتروح".
وكذلك الحديث الذي رواه الطبراني عن شداد بن أوس رضي الله عنه: "أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجودُ بنفسه، فقال: ما لكَ يا شداد؟ قال: ضاقت بيَ الدنيا، فقال: ليس عليك، إنَ الشامَ يُفتح، ويُفتح بيتُ المقدس، فتكونُ أنتَ وولدُك أئمة فيه إن شاء الله".
وكذا حديث أبي أُمامة الباهلي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزال طائفة من أُمتي ظاهرين على الحق، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله -عز وجل- وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس".
والأحاديث في ذلك كثيرة، ونكتفي هنا بما تمت الإشارة إليه.
2- شمولية وجدية المصطلح وقوته لا سيما حدوده الثابتة.
3- يعيد القضية إلى بعدها الإسلامي الصحيح ويبرزه.
4- يساهم في وضوح البوصلة واتجاهها، ويضع لبنة أساسية في بناء الأمة المعرفي وهي في طريق الإعداد للتحرير القادم لبيت المقدس.
5- يمنحنا خلفيات ومنطلقات معرفية وركائز جديدة للاستدلال والاستنباط والفهم والإدراك.
لكل ما سبق أرى أنه علينا أن نعيد استخدام وإحياء مصطلح بيت المقدس الذي يمثل ثورة المصطلح، والتي هي جزء من الثورة المعرفية المنشودة لإسقاط النكبة المعرفية التي تعاني منها أمَّتنا، ويأتي كل ذلك كخطوة هامة على طريق التحرير القادم لبيت المقدس.
وللحديث بقية في طريقنا إلى بيت المقدس إن شاء الله تعالى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.