شريط لاصق

ليتنا أبطال حكايات لا بشر، فلا يلزم كسورنا إلا عدة شرائط لاصقة، أن تكون إنساناً يعني أنك قابل للكسر، قد يكسرنا رحيل عزيز، وربما انكسار حلم، وربما، وربما.. الاحتمالات لا نهائية، والحياة تكسرنا بشتى الطرق.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/12 الساعة 02:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/12 الساعة 02:44 بتوقيت غرينتش

يقول الكاتب الأميركي الحائز على جائزة نوبل للأدب أرنست همنغواي: "كلنا مكسورون، هكذا ينفذ الضوء إلى أعماقنا"، تستوقفني مقولته وتذكرني بقصة قصيرة كتبتها رضوى عاشور في كتابها "تقارير السيدة راء".

قرأت تقارير السيدة منذ أعوام وأحببتها كلها، إلا أن تقريرها الثاني له في قلبي مَعزَّة خاصة، وكثيراً ما يمر بخاطري فأبحث عن الكتاب وأعاود قراءته حتى كدت أحفظه عن ظهر قلب.

التقرير بعنوان "تقرير السيدة راء عن الشهر الأخير في السنة"، يحكي التقرير عن حادثة وقعت في ليلة 16 ديسمبر/كانون الأول 1998 وبطلة الحادثة هي السيدة راء التي كانت تشاهد نشرة الأخبار مع صديقتها السيدة لام، وما إن سمعت الخبر الأول حتى اتجهت إلى الشرفة، وألقت بنفسها منها.

تفاجأت السيدة لام بما فعلته صديقتها، فهبّت إلى نجدتها بشراء شرائط لحام لاصقة ضمدت بها كل كسورها.

مرت الحادثة بسلام بفضل الصديقة، ولكن لم تمضِ أيام حتى وقعت السيدة راء في ورطة أخرى، فقد تحللت الشرائط اللاصقة المحيطة بخصرها، وهي تستحم، ولم تستطِع أن تحرك جسدها المنفصل إلى جزأين.

تنهي رضوى عاشور التقرير بدرس مستفاد:
كيف خرجت راء من مأزقها؟ من أتى لها بشريط لاصق؟ كم من الوقت قضت في الحمام تنتظر الفرج؟ لا داعي للخوض في هذه التفاصيل ما دامت العبرة بالنهايات.

المهم أن راء خرجت من المأزق بسلام، بل وغنمت درساً مستفاداً استقر في رأسها، ويمكننا تلخيص هذا الدرس في ضرورة الحرص على اقتناء مخزون كافٍ من الأشرطة اللاصقة، فما أن يتحلل شريط منها حتى يستبدل به سواه.

اكتسبت راء خبرة في تثبيت الأجزاء المفككة من جسدها، تثبتها بدقة ومهارة، تخرج إلى الشارع، تذهب إلى الوظيفة، تخالط الناس، يبدو كل شيء على ما يرام.

ليتنا أبطال حكايات لا بشر، فلا يلزم كسورنا إلا عدة شرائط لاصقة، أن تكون إنساناً يعني أنك قابل للكسر، قد يكسرنا رحيل عزيز، وربما انكسار حلم، وربما، وربما.. الاحتمالات لا نهائية، والحياة تكسرنا بشتى الطرق.

غير أن للحياة وجهين؛ أحدهما قاسٍ، والآخر رحيم، تكسرنا بقسوتها، ثم تكافئنا برحمتها، وتمنحنا ذلك الضوء في أعماقنا، قد يصبح ضوؤك رحمة بقلبك، أو فهماً بعقلك، أو نضجاً بشخصك.. وربما سيزيدك ذلك الضوء إنسانية، فتزداد مع إنسانيتك احتمالات كسرك مجدداً، وهكذا نحيا نحن البشر بين وجهَي الحياة، نأمل أن تذيقنا رحمتها، وتجنبنا قسوتها.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد