سوقُ الحِكم

لو رحمنا الطير القاطع لأميال من أجل إشباع جوعه عبر رحمة إطعامه دون خوفٍ أو ترهيب، ألا بذلك يرحمنا رب السماوات والأرض؟.. لو سوّق باعة سوق المشير بضاعتهم بالحلال، ودون استغلال ولا احتكار، ألا بذلك يربح الجميع؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/12 الساعة 04:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/12 الساعة 04:13 بتوقيت غرينتش

في مدينتي، سوق قديمة عتيقة تُعرف باسم "سوق المُشير"، تقع في منطقة تاريخية شهدت حقبات متعددة على مدى تاريخ مدينة طرابلس الغرب، وكأن المكان يوحي لزائريه بأنه يضم بين جدران محلاته أُناساً تعلموا من الحياة كثيراً، وليكتب لي القدر الحوار مع صائغ ذهب، ستيني العُمر، عاش ثلاثة عهود من تاريخ بلادي الحديث.

لا أدري كيف خُضنا في الحديث، إلا أنه حرص على أن يشاركني خلاصة تجارب حياته في بضع دقائق، بدأ ينصحني وأنا متمعن في تجاعيد وجه البشوش: الحياة بضعة أيام تجري دون أن ندري لنجد أنفسنا يوماً ما أن "القطار فاتنا" على رأي علي عبدالله صالح، ولذلك احرص ابني على أن تقوم كل يوم من فراشك ولديك على الأقل هدف واحد تصب كل قواك من أجل تحقيقه.

وأضاف قائلاً: أنتَ الآن في عز شبابك، لا تقل سأنتظر ريثما أجهز!…. توكل على الله من الآن… اعمل حتى تُستنفد غددك العرقية عرقاً، واجتهد حتى لا تعُد تستشعر التعب، وثابر حتى تزيل "المستحيل" من قاموسك!

محدثني عن حياته، قال: كنت يا ابني في مثل عمرك آخذ إجازة من عملي لأذهب لعمل آخر أشتغل فيه، كنتُ أعود للبيت ليلاً ولا أجد الطاقة لرفع الملعقة إلى فمي، كنتُ أحرص على ردم أي حفرة فراغ في وقتي.

قال وهو يحذرني: "إياك، إياك والمال الحرام.. الدينار الحلال يبارك لك فيه ربك ويكفيك حتى تشبع، والدنانير الحرام تلعنك ولن تكفيك مهما كثُرت!"… جملة أثرت فيّ كثيراً.

والداك يا بني تاج على رأسك، لن تستشعر بما قدماه إلا بعد ما تكون أباً يوماً ما، الكلمة الطيبة مهما صغُرت تعني لهما الكثير، أحدثك من واقع خبرة!
زُر أهلك، أصدقاءك، أحبابك… وكُن دائماً أنت أول السائلين عنهم، شاركهم أفراحهم، وواسِهم في أحزانهم، واحفظ أسرارهم.
عندما تتزوج يوماً ما، ضَعْ في اعتبارك أنها لن تكون زوجة لك فحسب، ولكن أم لأولادك أيضاً.. اختَر من تضمن أنها ستقبلك بعيوبك قبل ميزاتك، من ستقف معكَ في ضرائك قبل سرائك، من تستعد أن تعيش معك على رغيف خبز شرط أن تظل رفقتك.

لو قلتُ لك إن 50% من مشاكلي في الدنيا وجدتُ لها حلاً عبر فعل واحد وكلمتين، فماذا تقول؟.. قلتُ: زودني!… قال: الابتسامة، وشكراً وآسف…. قال: أقول آسف، حتى وإن لم أخطئ، وأقول شكراً حتى وإن لم يُقدم لي شيئاً، وابتسم في جميع الأحوال! وفي قرارة نفسي أقول: صدقتْ أيها الحاج الستيني، صدقتْ.

نظرتُ حولي لألتمس كلام الحاج عبدالرزاق، لو وقف سائق السيارة للعجوز بضعة ثوانٍ، سيكسب هو ومن وراءه من السائقين أجراً لكان قد حظي بدعوة صادقة من العجوز، لو احترمنا شرطي المرور وقواعد المرور، ألا بذلك نأخذ حقنا بالقسط، ولا نظلم غيرنا بأخذ حقه؟

لو رحمنا الطير القاطع لأميال من أجل إشباع جوعه عبر رحمة إطعامه دون خوفٍ أو ترهيب، ألا بذلك يرحمنا رب السماوات والأرض؟.. لو سوّق باعة سوق المشير بضاعتهم بالحلال، ودون استغلال ولا احتكار، ألا بذلك يربح الجميع؟

الحياة جميلة عندما تكون بسيطة، وأجمل عندما نُطبق حِكم الحاج عبدالرزاق فيها!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد