عيدٌ بطعم الغربة

هذا العام أصبحتُ أعي تماماً أن واجبي كأمٍ في الغربة يحتم عليّ أن أصنع لأولادي وبيتي طقوساً خاصةً تشبه ما تربيت عليه من فطور العيد الاستثنائي، والعيدية التي كنت أنتظرها بفارغ الجيب من والديّ، إضافة إلى زيارات أقاربنا والتباهي بملابسنا الجديدة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/08 الساعة 06:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/08 الساعة 06:07 بتوقيت غرينتش

بعدما بدأت حياتي بعيداً عن منزل والديّ في دمشق، أدركتُ أن العيد بطقوسه وعاداته قد انتهى عندي، وأصبح العُرف السائد فيه من الذكريات، فلا بد أن تسير الحياة باتجاهات مختلفة كل حينٍ من الزمن، ليصبح عندها الواقع ماضياً جميلاً، والحاضر غصة في القلب.

لكن هذا العيد شيء ما أيقظ تفكيري، وجعلني أعيد حساباتي مجدداً، خاصة بعدما وقعت عيناي على الآية التي تقول: "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب"، فكان لزاماً على نفسي الثناء على الله سبحانه – كما لا أحصي ثناءً عليه – والاحتفال بما وهبنا من مكرُمةٍ بعد شهر كريم، وإن كان في القلب فراغٌ لا يملؤه إلا وجود العائلة وضجيج ضحكاتها.

فإن كان الله خصني هذا العيد بعطاءٍ كريم وهبةٍ غمرت حياتي بالحب والدفء ووهبني طفلتي الحبيبة، كيف لي أن أجحد نعمه وألا أحاول صُنع السعادة بأشياء بسيطة تشعرني بأن الدنيا لن تتوقف في الغربة، ولن تستطيع الحرب أن تسطو على ما بقي لديّ من أمل، لذلك قررت أن أشتري ملابس جديدةٍ لمحبوبتي الصغيرة حتى وإن لم تدرك بحواسها الناشئة ماذا تعني لوالديها تلك الفرحة، وقمت بصنع بعضٍ من الحلويات وأنا أعلم مسبقاً أن بابي لن يُقرعه الضيوف والأقرباء، فكانت السُّكريات من نصيب ساكني بيتنا فحسب.

هذا العام أصبحتُ أعي تماماً أن واجبي كأمٍ في الغربة يحتم عليّ أن أصنع لأولادي وبيتي طقوساً خاصةً تشبه ما تربيت عليه من فطور العيد الاستثنائي، والعيدية التي كنت أنتظرها بفارغ الجيب من والديّ، إضافة إلى زيارات أقاربنا والتباهي بملابسنا الجديدة.

ربما لن أستطيع أن أخلق ظروفاً كالتي أتمنى أن يعيشها أبنائي، وليس بمقدوري أن أُلبس المناسبة ثوب الحميمية والفرح الذي تستحق، لكن القدر كتب لي أن يكون العيد صورة أمي وأبي وإخوتي على "سكايب"، ومحادثةٌ مهما طالت مدتها لن تعادل لحظةً في قربهم، وأنا راضيةٌ بالقضاء والقدر خيره وشره، قُربه وبُعده.

إلى أن يأتي يومٌ تُنصف فيه الأشواق، وتأخذ الدموع ثأرها من الظالمين، سأبذل جهدي في تذكر النعم وحمد خالقها والاحتفال بما أمرنا الله ورسوله أن نحتفل به، في انتظار أن أعيش الفرح الحقيقي وما يختصره من عائلةٍ وولدٍ وعيدٍ ووطن.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد