نظرية حديثة في الفيزياء تتحدى كل المسلّمات التي نعرفها عن طبيعة الواقع وأنفسنا.. بناء على هذه النظرية فإن كل ما يحيط بنا من مادة وطاقة وزمان ومكان -بما في ذلك ذاتنا البشرية- ما هو إلا طيف مجسم (هيلوغرافي) لمعلومات مشفرة على سطح أو "لوح" ثنائي الأبعاد (الهولوغرام Hologram هو استخدام آلية تشتت الضوء لتبدو المعلومات ثنائية الأبعاد عند إسقاطها وكأنها مجسم ثلاثي الأبعاد).
بداية هذه الفكرة أو النظرية كانت عدم اقتناع الفيزيائي الأميركي ليونارد سَسكند بطروحات الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ حول ضياع المعلومات المتعلقة بأي مادة تسقط في ثقب أسود، فبالنسبة له فإن الحفاظ على المعلومات هو من أهم مبادئ الفيزياء مثله مثل مبدأ الحفاظ على المادة والطاقة، وبالتالي كان لا بد من وجود طريقة لحفظ هذه المعلومات بشكل أو بآخر (ويعني مفهوم حفظ المعلومات في هذا السياق إمكانية استرجاع جميع الخصائص الفيزيائية الأساسية للمكونات الأولية لكل مادة سقطت في الثقب الأسود)، لكن سسكند اضطر للانتظار سنوات عديدة حتى يتم فهم عمل الثقوب السوداء قبل أن يقدم نظريته في هذا المجال.
التطور الكبير في فهم آليات عمل الثقوب السوداء جاء بعد ذلك، وقد شارك فيه كل من ستيفن هوكينغ وجاكوب بيركشتاين؛ حيث تبين صحة اعتراض سسكند على فكرة ضياع معلومات المادة الساقطة في الثقب الأسود، وأثبتت معادلات هوكينغ وبيركشتاين أن كافة المعلومات المتعلقة بأي مادة يبتلعها الثقب الأسود تبقى محفوظة في سطح أفق حدثه Event Horizon، ويعرّف "أفق حدث الثقب الأسود" بالمساحة السطحية التي تحيط الثقب الأسود، والتي إذا تجاوزها جسم ما فإنه لا محالة سوف تبتلعه جاذبية الثقب الأسود (أو ما يسمى بحدود عدم العودة).
أضف لما سبق تكشف هذه المعادلات علاقة غريبة بين طبيعة المعلومات المخزنة وآلية تخزينها، فهذه المعلومات المتعلقة بجسيمات ثلاثية الأبعاد وتشمل كافة خصائص المادة الساقطة في الثقب يتم تخزينها على سطح أفق الحدث ثنائي الأبعاد وتتناسب مساحة هذا السطح طردياً مع حجم المعلومات المخزنة، أما سعة التخزين السطحية فتقاس بوحدة "بلانك" المتناهي في الصغر!!
بناء على الطرح السابق كان يمكن تطبيق نفس المعادلات إضافة لمفهوم أفق الحدث لوصف العلاقة بين الأجزاء المتباعدة من الكون، والتي تجاوزت سرعة التوسع فيها سرعة الضوء وشكلت أفق حدث خاص بها (حيث إن ما هو مشترك في الحالتين هو فقدان إمكانية الاتصال بين جانبي أفق الحدث حيث لا يمكن أن تتجاوز سرعة التواصل سرعة الضوء بناء على نسبية أينشتاين).
تابع عدد من الفيزيائيين، ومن ضمنهم جيرارد هوفت وليونارد سسكند، هذه التطورات في توصيف الثقوب السوداء وتم تعميمها بحيث تشمل الفضاء العادي خارج إطار الثقوب السوداء، وخرجوا بنتيجة أن الكون المعروف ما هو إلا هيلوغرام أو إسقاط طيفي لمعلومات مخزنة على سطح ثنائي الأبعاد على حافة الكون.
وللتثبت من صحة هذه النظرية التي تجعل من الكون أشبه بعرض سينمائي ثلاثي الأبعاد يقوم مختبر فيرمي في الولايات المتحدة والمعروف بمسارعه النووي بتجربة تمت تسميتها الهولوميتر، الغاية منها الكشف عن وجود حدود "بنيوية" للفضاء وفي حالة تحري وجودها تتأكد نظرية الطيف الهيلوغرافي بشكل عملي.
ومن الجدير ذكره أن هذه النظرية التي تجرد الواقع المنظور من ملاءته المادية المحسوسة وتجعله نوعاً من الوهم أو الإسقاط ليست إلا حلقة أخرى من سلسلة من النظريات العلمية التي ابتدأت في بداية القرن الماضي بمبدأ عدم اليقين Uncertainty Principle الذي تقوم عليه ميكانيكا الكم، والذي كان من أهم طروحاته أن الواقع المادي ليس إلا موجة احتمالات (أثيرية) لا يتجسد في شكل مادة في موقع وزمن وخصائص محددة إلا عند رصده، وعلى الرغم من غرابة هذا الطرح تشكل نظرية الكم أحد أهم أعمدة الفيزياء الحديثة وأساساً لكثير من الاختراعات والتطورات التقنية في عالمنا المعاصر بل وتعتبر إحدى أنجح النظريات في العلم الحديث.
وأخيرا فإن مثل هذا النموذج الذي يصور ماهية الواقع بأنه إسقاط لمعلومات مختزنة في نوع من السجلات ليس غريباً عن تاريخ الفكر الإنساني فقد تحدث عنه بعض الصوفيين من أمثال ابن عربي والذين قالوا إن "اللوح المحفوظ" هو مصدر كل تفاصيل الكون والخليقة وكل ما هو كائن أو سيكون وما الواقع الذي نحيا فيه إلا انعكاس لما سجل في ذلك اللوح، وفي أدبيات "الثيوصوفيين" يجري الحديث عن "السجلات الأكاشية" (Akashic Records) الموجودة في بعد مجهول؛ حيث الأحداث والعواطف والعلاقات الخاصة بكل إنسان مدونة منذ بدء الخليقة.
أنا شخصياً أحالتني هذه نظرية الهيلوغرافي لـ"كهف أفلاطون"؛ حيث مجموعة من الأشخاص محبوسون في كهف وهم مقيدون، وخلفهم نار متقدة، وكل ما يستطيعون رؤيته هو ظلهم المنعكس بفعل النار على الحائط المقابل، وكل ما يمكن أن يعرفوه عن أنفسهم أنهم هم الظل (ثنائي الأبعاد) الماثل أمامهم على الحائط.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.