أن تكون شاباً خفيف الظل متوهج الروح تمتلك وعياً ثورياً متمرداً وريشةً تستطيع أن تترجم كل تلك الملامح برسمه مضحكة، فهذا يعني أنك رسام كاريكاتير شاب!
ببساطة تلك هي خلطة مدرسة الكاريكاتير الجديدة في مصر، أربع وجوه باسمة لأربعة من أشهر رسامي الكاريكاتير الشباب في مصر. هذه المدرسة التي ولدت من رحم الثورة وحققت لها الشعبية وسائل التواصل الاجتماعي، فأجبرت الصحافة الورقية على احتضانها.
2 مليون متابع يحبون "الورقة"
إسلام جاويش، أشهر وأصغر أبناء جيله وأكثرهم مشاغبةً، يتابع صفحته على فيسبوك ما يقارب الـ 2 مليون. درس علم الاجتماع وكان يحلم بالعمل في مجال حقوق الإنسان، ليتحول فجأة لأحد أشهر رسامي الكاريكاتير في مصر خلال السنوات الثلاث الماضية.
بدأ جاويش يعبر عن أفكاره على مدونته الخاصة، "أدركت أن التعبير عما أريده أسهل كثيراً عن طريق الرسم الذي كنت موهوباً فيه منذ طفولتي، وعندما حلت ثورة يناير لم تعد هناك محظورات سياسية أخشى منها كما كان سابقاً، لدرجة أني لم أكن اكتب اسمي في بعض المواقع الصغيرة التي عملت بها قبل الثورة. واذكر أنني حاولت الالتحاق بالعمل في إحدى المؤسسات الصحافية الكبرى، لكني أدركت أن العمل بحرية يجب ألا يتقيد بمؤسسة أو وظيفة، فتحولت للنشر الالكتروني، سواء على صفحتي الخاصة أو بعض المواقع التي ترحب بالنشر بلا حساسيات أو قيود مسبقة".
ورغم روح جاويش المنطلقة ورغبته في كسر قيود الرقابة إلا أنه وكما يقول، "لدي طبعاً قيودي الشخصية خاصة فيما يتعلق بالدين والجنس، لأني لا أريد أن أصدم المجتمع، فأنا جزء من جيل الثورة الذي يسعي أن تنتشر أفكاره بين الناس، ولو اصطدمت بتلك القيود سأخسر قاعدة شعبية".
ويرى جاويش أن "الورقة" التي اشتهر بها عبر فيسبوك هي مشروعه الشخصي؛ "عندما ابتكرت فكرة الورقة اعتبرتها مقالاً صحافياً أتعامل فيه يومياً مع قضية ما، وهو أمر صعب كثيراً، وأحياناً ما الجأ لزملاء في كتابة الفكرة والحوار، وهي خلطة تجدد أفكار الورقة كل يوم بينما مهمتي الصعبة والتي أحبها كثيراً هي كيف أعبر في أقل عدد من الخطوط عن أكبر عدد ممكن من التعبيرات حتى لو بدون تعليق".
اختبئ من السياسة في الفن
من إسلام جاويش، الذي تعرض للاعتقال ثم الإفراج بعد أقل من 48 ساعة إثر ضغط شديد من نشطاء الانترنت، إلى فاطمة حسن التي انتقلت بفضل الثورة من فنانة تشكيلية إلى رسامة كاريكاتير تحاول كسر خطوط الرقابة في المؤسسة الصحافية القومية "الأخبار".
تقول فاطمة، "تخرجت من الفنون التشكيلية عام 2006، ولم أكن أتخيل أني سأعمل في مجال الكاريكاتير. ولأن بدايتي كانت في مجلة (صباح الخير) كرسامة، أُتيح لي الاحتكاك برسامي كاريكاتير الكبار ومنهم جمعة فرحات الذي شجعني كثيراً. وبالفعل كانت لي صفحة خاصة أسبوعية وفي نفس الوقت تم تعييني في جريدة (الأخبار)، ثم أصبحت لي مساحة ثابتة في صفحة الحوادث".
حياة فاطمة الهادئة تغيرت كثيراً بعد الثورة، "أصبح لدي الجرأة لانتقد وإن كنت لا أميل للسياسة بشكلها المباشر، أفضل دائماً الكاريكاتير الذي يحمل رسائل غير مباشرة. وبحكم عملي فإن أغلب ما أرسم له علاقة بمشاكل اجتماعية، خاصة ما يتعلق بأخلاق الناس ونوعية الجريمة وأحياناً ممارسات رجال الشرطة. يؤثر عملي في جريدة قومية أحياناً على مساحة الحرية المتاحة، فألجأ للطريقة غير المباشرة لتوجيه النقد".
مدرسة صحافية
أما هجرس، ورغم انه تخرج من كلية العلوم ولم يكن الرسم بالنسبة له سوى هواية، إلا انه أصبح ومنذ العام 2012 أحد أكثر رسامي الكاريكاتير تميزاً.
يحكي عن بداياته فيقول، "حول اقترابي من عالم الصحافة هوايتي للرسم والكاريكاتير لعمل حقيقي. بدأت كمتدرب في جريدة (الدستور) قبل الثورة بسنوات ونشرت في عدد من الصحف الصغيرة، ولكن بيع جريدة (الدستور) والتي كانت بدايتي فيها شيء مميز، أضاع بعض الوقت قبل أن أنتقل العام 2013 لجريدة (الشروق)".
أفكار هجرس وكما يقول تميل للسخرية اللاذعة من تفاصيل أو أحداث بسيطة يمكن أن نختبرها يومياً، "نحن نعبر بأسلوب مختلف عن الأجيال السابقة. وما نفعله ليس مجرد رسم كاريكاتيري ساخر، نحن مدرسة صحافية لها وجودها وأساليبها المختلفة. أصبحت السخرية جزءاً أساسياً من روح المجتمع. كما أن السوشيال ميديا وتعامل الناس معها جعلتنا نجد مساحة واسعة للنشر بحرية وبلا قيود. لكل منا صفحته الخاصة على فيسبوك، ولنا متابعين يتفاعلون ويساهمون بشكل أساسي في عملية النشر بعيدا عن قيود العمل الوظيفي".
استعدنا روح الكاريكاتير
مخلوف، الذي درس التجارة وتخرج من الجامعة قبل 10 سنوات ليكون محاسباً، تمرد على دراسته كجزء من روح التمرد التي تبدو في رسوماته، والتي يسخر فيها من الجميع وعلى رأسهم مخلوف نفسه.
يتحفظ مخلوف على فكرة أن جيله صنع مدرسة جديدة للكاريكاتير ويري أن جيله نجح بجدارة في استعادة روح الكاريكاتير الساخرة الطريفة، بعد أن ظلت لسنوات تعاني الركود في الأفكار وافتقاد خفة الظل المعتادة للفنانين الكبار أمثال حجازي وصلاح جاهين.
ويرصد أيضاً جانباً آخر من الحالة الكاريكاتيرية فيقول، "نجحنا أيضاً في إعادة المساحة التي يستحقها بعد أن هجران المطبوعات، فلم تكن هناك سوى مجلة (صباح الخير) الأسبوعية التي تهتم بهذا الفن الصحافي. وفيما عدا الدستور التي جاءت بنفس الروح في سنوات ما قبل الثورة لاندثر تماماً".
يبحث مخلوف كل صباح عن خبر مثير أو حدث يبدو صالحاً للسخرية من الواقع الذي يعيشه، بينما يبحث في نهاية اليوم عن عدد المعجبين بـ "رسمة اليوم"، لأنها وقوده للاستمرار واستكمال الطريق ومعياره الحقيقي لمدى قدرة قلمه على التعبير وإيصال رسالته بشكل صحيح.