يرتبط الحج بأنواعه في مختلف الديانات بقدسية المكان، واستعادة التصرفات والأفعال التي قام بها الأولون تقرباً من ذاك النموذج المقدس الذي أكسب المكان قدسيته هذه.
إلا أن "الحج" كعبادة أو كطقس يحاكي المقدس للتقرب منه أو التوحد معه لا يقتصر على الظاهرة الدينيّة، بل ينسحب إلى الشؤون الأدبية، وكما الحج الديني، يتطلب الحج الأدبي ترحالاً خاصاً به، فالحج الأدبي هو فعل يتجاوز قراءة أعمال الكاتب بأكملها والتعرف على عوالمه الأدبية، أو الاطلاع على مذكراته أو انطباعاته الشخصية عن الأماكن، بل يتضمن تتبع سيرة حياته ومعاينة أماكن تواجده بصورة شخصيّة أو الأماكن التي تحدث عنها في كتبه.
وفي الحج الأدبي، تتجاوز تجربة القراءة النص والتخييّل المرتبط به، لتنتقل إلى الواقع، حيث تتكون علاقة جديدة مع الكاتب أو الكتاب تستند إلى الخبرة حسيّة، ما يجعل المتخيل أقرب وأشد حضوراً.
"هافيغتون بوست عربي" تقدم قائمةً بأشهر الأماكن المرتبطة بعالم الأدب والكتّاب والتي اشتهرت بكونها محطات للحج الأدبي:
1- حديقة لوكسمبورغ (باريس – فرنسا):
تشتهر حديقة لوكسمبورغ في باريس بمساحاتها الواسعة الخضراء، وكثرة روّادها التي الذين يقضون الساعات في القراءة هناك أو اكتشاف تماثيل نبلاء فرنسا، المثير في لوكسمبورغ أنها كانت مسرحاً لأهم الأحداث الأخيرة رواية التشيكي ميلان كونديرا، فزيارتها تسمح للقاء الغارق في عوالم كونديرا أن يتتبع التماثيل والهلوسات التي أصابت الشخصيات بسببها، وخصوصاً تمثال الملكة ماري دوميديسي الذي كسرته إحدى الشخصيات.
2- كنيسة نوتردام (باريس – فرنسا):
الكنيسة القوطية في فرنسا إلى جانب عظمتها وأبهتها المعمارية، اكتسبت شهرة أكثر، بسب رواية الفرنسي فيكتور هوغو "أحدب نوتردام"، فزيارة الكنيسة الآن تعتبر متعة دينيّة وأدبيّة، وخصوصاً حين نتأمل السقوف والقناطر والأجراس الهائلة التي كان يتأرجح عليها كوازيمودو، كذلك سكون ساحة الكنيسة حيث رقصت مرة بصخب الغجرية أزميرالدا ووقع الأحدب في غرامها.
3-فندق رامبو (عدن – اليمن):
يعتبر فندق رامبو في اليمن من أهم وأكثر الأماكن الأدبية شهرة، فالشاعر الفرنسي الشاب آرثر رامبو قد نزل فيه فيه بين 1880-1885، ومنه كان يكتب مراسلاته إلى صديقه الشاعر فاليري.
الفندق الآن بحالة جيدة، لكن تم تحويله بصورة مشينة إلى فندق بخمسة نجوم على الطراز الهوليودي ووضعت صورة ممثل مفتول العضلات عوضاً عن رامبو الشاعر، الفندق مازال يستقبل الفضوليين لاكتشاف عوالم رامبو اللانهائية ومحاولة مقاربة الإلهام الذي نزل عليه، بل و يعرض بسعر خاص إمكانية المبيت لليلة في غرفة الشاعر الفرنسي.
4-شارع نيفسكي (سانت بيترسبورغ – روسيا):
تعتبر مدينة سانت بيترسبورغ في روسيا مسرحاً لأحداث الروائع الأدبيّة في البلاد، ويشتهر فيها شارع نيفسكي الذي أصبح الآن تجارياً، نراه حاضراً في قصائد بوشكين وروايات ديستويفسكي، لكن الأشهر هو القصة التي كتبها نيكولاي غوغل بعنوان شارع نيفكسي، حيث تدور مغامرات وقصص غرامية، الشارع لا بد من زيارته حال كنت في روسيا وكنت من عشاق الأدب الروسي.
5-فندق بارون (حلب – سوريا):
بالرغم من الدمار الذي تتعرض له مدينة حلب، والتاريخ العريق الذي تخزنه، إلا أنها أيضاً تحوي أحد أيقونات الحج الأدبي، ففندق بارون الموجود في شارع بارون كان محطاً لأهم الشخصيات السياسية والأدبية، وأشهرها في عالم الأدب الكاتبة أغاثا كريستي صاحبة روايات المغامرات البوليسية والتي كان فندق بارون المكان الذي كتبت فيه روايتها "قطار الشرق السريع"، الفندق مازال على حاله حتى هذه اللحظة، لكن لا يمكن الجزم بالمستقبل.
6- طريق الوردة (باريس – فرنسا):
تحولت رواية شيفرة دافنشي للكاتب الأميركي دان براون إلى ظاهرة أدبية في العالم حال صدورها، وكان لأحداثها التي تدور في باريس في سبيل البحث عن طريق الوردة أو الكأس المقدسة أثراً كبيراً في حياة عشاق الأدب، إذ دفعت القراء إلى تتبع هذا الطريق الذي يبدأ من كنيسة سان سوبليس في باريس، ثم زيارة الأماكن المرتبطة به والتي تحدثت عنها الرواية، إلى جانب متابعة خيوط الجريمة التي تتمركز في متحف اللوفر وتمتد في كنائس باريس وشوارعها لتنتهي أيضاً في متحف اللوفر.
7- مدينة وهران (الجزائر):
المدينة الجزائرية وهران بشواطئها وعمرانها الحميمي كانت مسرحاً للأحداث الغريبة لرواية "الطاعون" للكاتب الفرنسي البير كامو، فالمدينة الخلابة الآن، تحولت في رواية كامو إلى مدينة معزولة تغص بالجرذان وجثث المصابين بالطاعون إلى جانب المآمرات بين الأحياء لإنقاذ المدينة، تعتبر وهران محطة هامة في الحج الأدبي ولابد من زيارتها والتعرف على خباياها وسحرها.
8- مدينة فوركس (واشنطن – الولايات المتحدة):
الظاهرة التي اكتسحت العالم الأدبي وعالم السينما المتمثلة بسلسلة توايلايت للكتابة الأميركية ستيفين ماير تحكي قصة مصاص الدماء الذي وقع في حب فتاة مراهقة وتورطا في صراعات بين عوالم مصاصي الدماء وعوالم المستذئبين، تدور أحداث السلسلة في مدينة فوركس في واشنطون، وقد تحولت لمزار للفضولين وعشاق السلسلة الروائية لاكتشاف موطن كل من مصاص الدماء وحبيبته.
9-مسرح الغلوب (لندن – المملكة المتحدة):
يعتبر مسرح الغلوب في ضواحي لندن، من أشهر المسارح في العالم، لماذا؟ لأنه ببساطة مسرح شيكسبير الشخصي، و مازال إلى الآن قائماً، فهذا المسرح الذي كان حلبة للمصارعة وصراع الدببة، أيضاً شهد مسرحيات شيكسبير، وهو محطّ الزوار من أجل استكشاف أشباح هاملت وماكبث، وحقيقة ما حدث مع يوليوس قيصر وقصة غرام روميو وجولييت .
10- طروادة (تركيا):
لأجل عينيها أبحرت سفن الإغريق واختلفت الآلهة فيما بينها، نعم هي هيلين التي دارت من أجلها أشهر الحروب التي عرفتها البشرية، هي حرب طروادة، و بالرغم من أن المدينة لم يعد لها أثر بل و يشكك بحقيقة الحرب كلها، إلا أن بعض الدراسات تشير إلى أنها تقع على السواحل التركيّة في أقصى الغرب، ما جعل المكان محطاً للزوار، للوقوف على أطلال هيكتور وباريس وأطياف الحصان الخشبي الذي كان سبب سقوط المدينة.