عرف قدماء المصريين المسلة كرمزٍ معماريٍ مصنوعٍ من حجر الغرانيت يُحمل على قاعدةٍ مربعةٍ لتنتهي بقمةٍ هرميةٍ، بينما تزيّن جوانب المسلة الأربعة بمناظر ونصوص تتعلق بصاحبها الملك.
يعود تاريخ إنشاء المسلات إلى نحو 5 آلاف سنة، كرمزٍ دينيٍ وعنصرٍ جمالي يُوضع على يمين ويسار مدخل المعابد، ثم أصبحت رمزاً لفراعنة مصر القديمة، فكتب على أوجهها الأربعة اسم الملك، والسبب الذي دعا إلى إقامتها، وأهم إنجازاته وملامح الحياة في عصره.
"تخن" أم "مسلة"
أطلقت على المسلات في مصر الفرعونية اسم ""تخن"، أي إصبع الشعاع المضيء، ثم سميت بالرمح مع مجيء اليونانيين إلى مصر، أما العرب فأطلقوا عليها "إبر الفراعنة"، وأخيراً "مسلة".
من مدينة أسوان جنوب مصر خرجت كافة المسلات التي عانقت السماء في مدينة أون والفيوم ومعابد الأقصر والكرنك. يرجع ذلك إلى وجود حجر الغرانيت الوردي والأشهب المناسب لتشييد المسلات، لكن يوجد بعض المسلات التي شيدت من أحجار الكوارتز والبازلت.
28 مسلةً عالمية
ويوجد حالياً 28 مسلة في العالم فقط، 8 منها في مصر، و8 في روما، بالإضافة إلى 5 مسلات شيدها الرومان موزعة في مدن أخرى.
أما المسلات الأخرى فتتوزع في لندن، باريس، إسطنبول، نيويورك وغيرها.
مسلات مهاجرة
شهدت مصر هجرة المسلات منها مع احتلال الدول الأخرى لها، وبدأ ذلك في عهد آشور بانيب ملك آشور، الذي استولى بعد دخوله مصر سنة 665 قبل الميلاد، على مسلتين مكسوتين بالبرونز نقلهما من طيبة إلى نينوى، عاصمة المملكة الآشورية، وكذلك فعل مثله الرومان عندما قدموا إلى مصر، ومن أتى بعدهم.
لكن كيف ومتى انتشرت المسلات الفرعونية في ميادين روما؟
1- مسلة "اللاتيران"
توجد مسلة اللاتيران في ميدان سان جيوفاني إلى العاصمة الإيطالية، وتعود هذه المسلة إلى الملك تحتمس الثالث وتحتمس الرابع، اللذين يعودان للأسرة الـ 18، وهي مصنوعة من الغرانيت الوردي، ويصل ارتفاعها إلى 32.18 متر ويبلغ وزنها 230 طناً.
تم نقلها من معبد آمون بالكرنك إلى روما بأمر الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول (306-337)، لكنها وصلت إلى العاصمة الإيطالية في عهد قسطنطين الثاني، الذي استخدمها في سيرك "ماكسيموس"، وظلت هكذا حتى القرن الـ 16، وتحديداً في العام 1588، حيث تم وضعها في مكانها الحالي بأمر من البابا سيركو ماسيمو.
2- مسلة الفاتيكان
توجد في ساحة القديس بطرس، وتعود هذه المسلة إلى الملك أمنمحات الثاني الذي يعود إلى الأسرة الثانية عشرة، ويصل ارتفاعها إلى 25.37 متراً، أما وزنها فيقدر ما بين 320 إلى 331 طناً.
بدأت رحلتها إلى روما عندما نقلها الإمبراطور الروماني أغسطس من مدينة هليوبولس إلى مدينة الإسكندرية. وفي العام 37، نقلها الإمبراطور كاليجولا إلى روما، لكنها وُضعت في مكانها الحالي بأمر من البابا سيكستوس الخامس (1585-1590).
3- مسلة "فلامينيو"
توجد في ساحة ديل بوبولو في روما، وتعود إلى الملكين سيتي الأول وابنه رمسيس الثاني. يصل طولها إلى 24 متراً، بينما يصل وزنها إلى 253 طناً. وصُنعت من الغرانيت الوردي، وتعود نقوش 3 جوانب منها إلى سيتي الأول والجانب الرابع لرمسيس الثاني.
كانت المسلة سابقاً توجد في معبد "الشمس" بهليوبولس، عاصمة مصر القديمة في تلك الفترة، ونقلها إلى روما الإمبراطور أغسطس الأول مع مسلات أخرى، ووضعت في مكانها الحالي بأمر البابا سيكتوس الخامس.
4- مسلة "سولاري"
توجد في ساحة مونتيشيتوريو، وتعود إلى الملك بسامتيك الثاني، ويصل طول المسلة إلى 33.97 متراً، بينما يصل وزنها إلى 230 طناً، وهي مصنوعة أيضاً من الغرانيت الوردي.
ظلت المسلة في مدينة هليوبولس منذ تشييدها، حتى رآها الإمبراطور أغسطس الأول وأمر بنقلها إلى روما. وفي القرن الـ 18، شهدت المدينة خطة هامة لترميم المباني فيها بأمر من البابا بينديكت الـ 14، لكنها وضعت في مكانها الحالي بأمر من البابا بيوس السادس.
5- مسلة "ماتشوتيو"
توجد في ساحة روتوندا، وتعود إلى فرعون مصر رمسيس الثاني، وهو من حكام الأسرة الـ 19. يصل ارتفاعها إلى 6.34 متراً، وهي مصنوعة من الغرانيت الوردي. لها مسلة شبيهة، وشيدت الاثنتان لمعبد رع في هليوبولس.
نقلها البابا كليمنت الـ 11 إلى روما ووضعت إحداهما في مكانها الحالي وعلى قمتها النجمة والصليب، أما الأقصر طولاً فنقلت إلى معبد إيزيس قرب سانتا ماريا سوبرا مينرفا بإيطاليا.
6- مسلة "مينرفا"
توجد في ساحة ديلا مينرفا أمام كنيسة القديس سانتا ماريا سوبرا مينرفا، وتعود هذه المسلة إلى الملك ابريس، وهو من حكام الأسرة الـ 26. يبلغ ارتفاعها 5.47 متراً، ويصل إلى 12.69 متراً مع قاعدتها.
وهي واحدة من مسلتين متشابهتين مكانهما الأصلي في مدينة سييس، على الضفة الغربية لنهر النيل. عثر على هذه المسلة في العام 1665 في أحد الأديرة الدومينيكان، وقرر إعادة وضعها في هذا المكان البابا آلكسندر السابع.
7- مسلة "ماتيانو"
توجد هذه المسلة في فيلا كليمونتانيا وتعود إلى فرعون مصر رمسيس الثاني. يصل طولها إلى 2.68 متراً، وهي إحدى مسلتين كانتا في معبد الإله رع في هليوبولس شمال شرق القاهرة. أما المسلة الأخرى فتوجد في معبد "ايزيس" بروما.
ولا يُعرف على وجه التحديد كيف خرجت هذه المسلة من مصر، لكن وضعت في هذا المكان في العام 1820 ومازالت حتى يومنا هذا.
8- مسلة "دوغالي"
توجد في حمامات ديكولتيان، وهي واحدة من اثنين متشابهتين. أما المسلة الأخرى فتوجد في حديقة بوبولي الشهيرة في فلورنسا بإيطاليا، ونقلت إلى معبد "ايزيس" في روما، ويصل ارتفاعها مع القاعدة إلى 20.8 متراً، وهي تعود إلى الملك رمسيس الثاني.
أحضرها إلى روما الإمبراطور الروماني دوميتيان في أواخر القرن الأول الميلادي، ووضعت في موقعها الحالي في العام 1924، ونقش أسفل منها أسماء الجنود الذين لقوا حتفهم في معركة "جوندت" التي دارت في إثيوبيا.