سبحان من أسرى بِكَاتِبِ المهم والأهم من غياهب السياسة إلى سدرة قرطاج

يبدو لي من المهم أن تكون للدول شخصيات وأعلام مرجعية، تفتخر بها و بإنجازاتها، و من المهم أن تحيي الدول ذكرى هؤلاء وأن تخلدها من خلال التعريف بهم وإدراجهم في مناهج الدراسة و زيارة قبورهم خاصة فترة الحملات الانتخابية

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/30 الساعة 03:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/30 الساعة 03:11 بتوقيت غرينتش

عادة ما تختلف أولويات الدول المتحضرة حسب أسباب موضوعية تأخذ بعين الاعتبار رهانات مرحلة معينة، و مدى جدوى الانطلاق في مشروع ما، و مدى استجابته لمتطلبات شعوبها و نفعه لهم.

و عادة ما تحدد هذه الأولويات في الدول المتخلفة ( كما هو الشأن في تونس) خيارات لا تخلو من بعد شخصي، حيث أن رغبات حكامها و نزواتهم غالبًا ما تكون مؤثرة فيها إن لم تكن المحدد لها.

و لمعرفة أولويات بلادي، أقارن بين ما عرفه تشييد ممرين علويين فوق طريق المرسى، تقرر الانطلاق فيهما بعد أن حصدت السيارات المارة به عشرات الأرواح، من بُطٍّء و تراخٍ و بين السرعة التي انطلقت بها أشغال إعادة تمثال أول من ناله شرف رئاسة الجمهورية التونسية ( المرحوم بورقيبة ) إلى شارع ظل يحمل اسمه حتى بعد الانقلاب عليه و عزله من السلطة.

فالدولة و رغم العدد الكبير للضحايا الذين عرفوا الموت في طريق المرسي، لم تقرر إقامة الممرين على أهمية دورهما في حفظ أرواح البشر، إلَّا إثر حادث فظيع، ذهب ضحيته شاب في السادسة عشرة كان يساعد سيدة عجوز على عبور الطريق، لقيت هي الأخرى حتفها. حادث سارعت أثره السلطات إلى غرس علامات مرورية على جنبات الطريق تعترضك ذهابا و إيابا، من و إلى المرسى، تنبهك الأولى إلى وجود حظيرة، و تخبرك الثانية بانطلاق الأشغال، و تطلب منك الثالثة و الرابعة تخفيض السرعة إلى 50 ثم إلى 30 كم تباعًا، و تبشرك خامسة بانتهاء أشغال لم تنطلق أصلا، رغم أن علامة من تلك التي تحتوي على جميع بيانات الإنجاز، أقرت انطلاق الأشغال بداية من أكتوبر 2015 ، و حددت مدة الأشغال بإحدى عشرة شهرًا، مرت منها خمس عجاف.

وخلافًا لهذا البُطء، شهدت أشغال إعادة تمثال بورقيبة إلى شارع بورقيبة سرعة قياسية رصدت فيها الاعتمادات، وأنجزت فيها الدراسات و انطلقت فيها الأشغال و كأن الإعادة تستجيب لطلب شعبي ملح، أو كأنها ستساهم في حفظ أرواح المواطنين وتحقيق نفع لهم، فكيف ترتب أولويات هذا البلد وما هو المهم و ما هو الأهم؟

يبدو لي من المهم أن تكون للدول شخصيات وأعلام مرجعية، تفتخر بها و بإنجازاتها، و من المهم أن تحيي الدول ذكرى هؤلاء وأن تخلدها من خلال التعريف بهم وإدراجهم في مناهج الدراسة و زيارة قبورهم خاصة فترة الحملات الانتخابية، و من خلال إقامة التماثيل و النصب التذكارية لهم، لكن يبدو من الأهم أن ينصب الجهد الأكبر من أولويات الدول على تلبية احتياجات الأحياء من مواطنيها، وإن كانت صفة الحياة لا تنطبق على الكثير منهم، وهنا يدعوني ترتيب الأولويات في بلادي إلى التساؤل عن دور العناية الإلهية و مبعوثها في تحديدها.

فسبحان من أسرى بِكَاتِبِ المهم و الأهم من غياهب السياسة إلى سدرة قرطاج.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد