تعد حلب إحدى أكثر المحافظات السورية سكاناً بنحو 5 ملايين نسمة، كما يعتبرها السوريون عاصمة بلادهم الاقتصادية. تقع في أقصى الشمال السوري على مقربة من الحدود التركية، وتبعد عن العاصمة دمشق حوالي 355 كيلومتراً.
تنقسم محافظة حلب بحسب التقسيم الإداري إلى 8 مناطق، وتعد أهم مركز صناعي في سوريا، إضافة إلى أهميتها التجارية والزراعية، وهي من أقدم وأشهر مدن العالم.
التسمية والتاريخ
تصنّف حلب على أنها من بين أقدم المدن المأهولة في التاريخ البشري، إذ يعود تاريخها إلى نحو 7 آلاف عام قبل الميلاد، ويعود أصل تسمية المدينة، وفقاً للأسطورة الموجودة في الكتاب المقدس، إلى النبي إبراهيم، الذي كان عنده ماعز، وفي روايات أخرى أغنام أو بقر، كان يربيها على التلة ويحلبها، فصار يقال "حَلَبَ إبراهيم"، ذلك لأن الفقراء كانوا ينتظرون الحليب الذي يوزعه إبراهيم عليهم.
تظهر هذه القصة الأهمية الكبيرة لمدينة حلب في تاريخ البشرية، أما قلعتها الشهيرة فقد بنيت في القرن الـ 12 للتصدي للحملات الصليبية.
وفي العهد المسيحي، أصبحت حلب أبرشية، وأقيمت فيها كاتدرائية ما زالت قائمةً حتى اليوم، ثم فتحها المسلمون في العام 636 للميلاد (16 للهجرة) على يد الصحابيين الجليلين أبي عبيدة عامر بن الجراح وخالد بن الوليد، وازدهرت في العهد الإسلامي، وكانت من أهم المدن في الفترة الأموية.
وبلغت ذروة ازدهارها في فترة الدولة الحمدانية، حيث كانت عاصمةً لها وقبلة لعلمائها وشعرائها، وشهدت المدينة حينئذ ازدهاراً كبيراً في مجالات العلم والطب والأدب.
ومنها أيضاً قاد سيف الدولة معاركه الكثيرة ضد الروم، وقد خلد تلك الفترة وما حفلت به من مآثر وأمجاد عدد من أبرز شعراء العرب، وعلى رأسهم أبو الطيب المتنبي وأبو فراس الحمداني.
وتعود أهمية "الشهباء" الاستراتيجية لكونها نقطة وصل رئيسة بين الشرق والغرب، كما ظلت طيلة عهودها الغابرة مركزاً سياسياً واقتصادياً ودينياً وحيوياً مهما بسبب توسطها بين العالمين الشرقي والغربي ومرور طريق الحرير فيها.
أهم معالم حلب
لأهميتها التاريخية الكبيرة، صنفتها منظمة اليونسكو ضمن المدن التاريخية لاحتوائها على أكثر من 150 من عيون الآثار التاريخية لمختلف الحضارات الإنسانية التي عاشت في المدينة وتعاقبت على حكمها حتى اليوم.
وقد اشتهرت مدينة حلب بأسواقها المتنوعة التي سميت بأسماء الحِرف والصناعات، مثل سوق العطارين وسوق الحدادين وسوق النحاسين، كما عرفت أيضاً بمساجدها وكنائسها، ومن أهم مساجدها وجوامعها الجامع الكبير الذي بني في العهد الأموي.
كما تعرف المدينة السورية أيضاً بأسوارها وأبوابها وقلاعها العظيمة، وتعد قلعة حلب من أهم معالمها التاريخية، ومن أهم القلاع في العالم، وتقع وسط المدينة على ارتفاع عشرات الأمتار عن مستوى بقية المدينة، واحتفظت القلعة طيلة الفترات التاريخية بأهمية عسكرية وإستراتيجية كبيرة، علماً بأن قوات رئيس النظام بشار الأسد تستخدمها حتى اليوم في معاركها مع المعارضة المسلحة.
والهندسة المعمارية هي انعكاس لتاريخ حلب متعدد الثقافات، والتي تتميز بمزيج عرقي يضم العرب والشركس والأرمن والتركمان والأكراد، وبمزيج ديني من المسلمين والمسيحيين واليهود، لكن معظم اليهود غادروا البلاد بعد العام 1948.
المدينة القديمة الضاربة في جذور التاريخ اجتذبت في السنوات الأخيرة، قبل بدء الثورة ضد الأسد، السياح من كافة أرجاء العالم.
أبزر المعارك التي خاضتها المدينة
في عصور ما قبل التاريخ، كانت حلب عاصمة مملكة مستقلة هي مملكة أرمان، قام الأكاديون بتدميرها في القرن الـ 23 قبل الميلاد.
وظهرت تسمية "حلبا" لأول مرة في فترة الدولة البابلية القديمة وكانت وقتها عاصمةً لسلالة العموريين لمملكة يمحاض (حوالي 1800-1600 قبل الميلاد) التي دمرت على أيدي الحثيين.
استقرت حلب لاحقاً في أيدي الآراميين كعاصمة لمملكة تل رفعت، وفي نهاية القرن الـ 9 قبل الميلاد أصبحت تابعة للآشوريين. ثم سقطت بيد البابليين. وسيطر عليها الفرس في نهاية العصر الحديدي. ثم فتحها اليونانيون على يد الإسكندر المقدوني في القرن الثالث قبل الميلاد.
وصارت منذ منتصف القرن الأول قبل الميلاد وحتى القرن السادس الميلادي تحت حكم الرومان، وإن ظلت اليونانية لغتها المحكية. وفي بداية القرن الـ 7 غزاها الساسانيون لفترة وجيزة. ثم فتحها القائد المسلم خالد بن الوليد.
الفتح الإسلامي ومقاومة الحملات الصليبية
فتحت مدينة حلب بقيادة خالد بن الوليد في العام 637 ميلادي، لتشكل جزءاً من عصر الخلافة الراشدة، ثم الدولة الأموية ومن بعدها العباسية.
في العام 944، غدت عاصمة الدولة الحمدانية تحت حكم سيف الدولة الحمداني، عاشت المدينة عصراً ذهبياً أيام الأمير سيف الدولة وكانت أحد الثغور الهامة للدفاع عن العالم الإسلامي في وجه المد البيزنطي.
احتلت المدينة لفترة قصيرة بين عامي 974 و 987، أثناء الصراع البيزنطي – السلجوقي، وتمت محاصرة حلب أيضاً مرتين أثناء الحروب الصليبية عامي 1098 و1124 إلا أن الجيوش الصليبية لم تتمكن من احتلالها لمناعة تحصينها.
العهد الأيوبي والمغولي
انضوت حلب تحت حكم صلاح الدين في عهد الدولة الأيوبية منذ عام 1183. وفي 24 ديسمبر/كانون الثاني من العام 1260، تم احتلال المدينة من قبل المغول تحت قيادة هولاكو بالتعاون مع حاكم أنطاكية بوهيموند السادس.
دافعت عن المدينة حامية متواضعة من قبل الملك الأيوبي غياث الدين طوران شاه، وسقطت بعد 6 أيامٍ من القصف المستمر بالمجانيق، وسقطت القلعة بعدها بـ 4 أسابيع.
استعاد المملوكيون زمام المبادرة بعد انتصارهم في موقعة عين جالوت في 3 سبتمبر/أيلول من العام 1260 بقيادة الملك المظفر سيف الدين قطز، وقُتل القائد النسطوري كتبغا الموالي لهولاكو، ولتتم استعادة دمشق بعدها بـ 5 أيام وحلب بعدها بشهر.
حلب في العهد العثماني
أضحت حلب جزءاً من الدولة العثمانية في العام 1516، وكان تعداد السكان في العام 1516 حوالي 50 ألف نسمة، وكانت مركز ولاية حلب وعاصمة سوريا.
نظراً لموقعها الاستراتيجي القريب من الأناضول، لعبت حلب دوراً محورياً في الدولة العثمانية، وكانت المدينة الثانية بعد القسطنطينية، والمدينة الرئيسية للتجارة بين بلاد الشرق والغرب.
وابتداءً من القرن الـ 18 بشكل خاص بدأ القناصل والتجار الأوروبيون يقبلون على السكن في "الشهباء" مع عائلاتهم مؤسسين بذلك سلالات راسخة، لكن الاقتصاد في المدينة تأثر بشدة بعد افتتاح قناة السويس في العام 1869، لتنتعش دمشق اقتصادياً ولتعود لها أهميتها الحيوية كمركز العاصمة السورية مرة أخرى بعد أفول نجمها كما في أيام العباسيين والأيوبيين.
من الشواهد على ذيوع صيت حلب في تلك الفترة ذكرها مرتين في قصص السير ويليم شكسبير في العام 1606 في مسرحية "ماكبث"، استشهاد آخر نراه في مسرحية "عطيل".
عهد الاستقلال
بعد الثورة العربية وخروج العثمانيين من بلاد الشام نهاية العام 1918، أعلن عن قيام المملكة السورية العربية بحدود ضمت ما يماثل اليوم سورية ولبنان وفلسطين والأردن، وشمل ذلك لواء اسكندرون وأنطاكية وأراضي الأقاليم السورية الشمالية في الأناضول.
إلا أنه، ونتيجة الرفض التركي للاتفاقيات (سايكس-بيكو وسيفر) بالإضافة لمعارك الاستقلال التي خاضها القائد التركي مصطفى كمال آتاتورك، فقد عقدت اتفاقية جديدة في العام 1923 عرفت باسم "معاهدة لوزان" لتعديل الحدود، تم بموجبه التنازل عن الأقاليم السورية الشمالية لتركيا.
شاركت حلب بقوة في الحياة السياسية ما بعد الاستقلال، فكان أول رئيس حكومة وطنية من حلب وهو سعد الله الجابري، وبعد فترة تبعه ناظم القدسي، ومعروف الدواليبي وأخر رئيس حكومة من مدينة حلب كان محمد ناجي عطري.
عاصمة سوريا الاقتصادية
تعد حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا وفيها أكبر مدينة صناعية. عرفت واشتهرت بصناعاتها العريقة المعروفة منذ القدم كصناعات النسيج وحلج القطن وصناعة صابون الغار وصناعات زيت الزيتون والصناعات الغذائية، كما تشتهر بأنواع كثيرة من المنتجات والصناعات التقليدية إضافة إلى الصناعات الحديثة المتطورة بكل أنواعها.
وتطورت هذه الصناعات في العصر الحديث لتشمل الأجهزة الكهربائية بأنواعها، والمعدات والآلات الصناعية، وصناعة هياكل السيارات وقطع الغيار، والسيراميك، والملابس الجاهزة، والبلاستيك، والصناعات الكيميائية، والمشغولات الذهبية.
حلب شرقية.. وأخرى غربية
قبل 5 سنوات، كانت هذه المدينة الوادعة من أكثر مدن سوريا أماناً، وكانت رائحة الزعتر وصابون الغار الحلبي ذو السمعة الشهيرة تفوح من شوارعها ومحالها التجارية وأسواقها القديمة.
المدينة مهددة الآن بالدمار الكامل بعد أن تهدّمت اجزاء واسعة منها بفعل القصف العنيف عليها والمعارك المحتدمة منذ 5 أعوام. وتخشى منظمة اليونسكو أن تتعرض مواقع التراث العالمي في هذه المدينة لأضرار لايمكن إصلاحها أو ترميمها. وتجسد تلك المواقع التراثية، على نحو خاص، التنوع الديني والعرقي في سوريا.
للمدينة أبواب 9 قديمة شهيرة ما يزال معظمها صامداً حتى اليوم. تعرّض محيط باب الحديد أو "بنقوسا" للقصف بالقذائف الصاروخية والبراميل المتفجرة، كونهُ يقع حاليا ضمن سيطرة المعارضة في حلب، لكنهُ مايزالُ واقفاً على بُعد مئات الأمتار من الباب الأثري الآخر "باب النصر" الذي تعرّض لأذية أكبر نظراً لوقوعه على خطوط التماس.
تتوزع بقية أبواب حلب "باب انطاكية" و"باب قنسرين" و "باب المقام" و"باب النيرب" و "باب الأحمر" و "باب الجنان"، بين شطري حلب، بعد أن أمست المدينة مقسمة إلى نصفين "شرقية و غربيّة".
تحوي حلب العدد الأكبر من المساجد في سوريا، ومع ذلك فقد تم إلغاء صلاة الجمعة فيها لأول مرة منذ دخولها الإسلام يوم الجمعة 29 أبريل/نيسان 2016، نتيجة استمرار المجازر من طيران الأسد و الطيران الروسي اللذان يتناوبان على قصف المدينة.