توجه أكراد العراق صباح الإثنين 25 سبتمبر/أيلول 2017، إلى مراكز الاقتراع لإدراج ورقة تحمل على الأرجح "نعم" لاستقلال كردستان في استفتاء تاريخي، من أجل إنشاء دولة كافحوا من أجلها منذ قرن تقريباً.
وكان أكراد سوريا أعلنوا في 17 مارس/آذار 2016، إقامة نظام فيدرالي في مناطق سيطرتهم شمال البلاد خلال اجتماع عُقد في مدينة رميلان بمحافظة الحسكة، وسط معارضة دولية ومحلية.
وتأتي هذه الخطوات الأخيرة ضمن محاولات وجهود الأكراد التي استمرت على مرّ عقود لتحقيق حلم إقامة دولة كردية مستقلة، الحلم الذي نمت بذرته الأولى في عهد الدولة العباسية، بعدما حاولت القبائل الكردية التوحد النسبي للمرة الأولى بعد اعتناق الإسلام جماعياً بقيادة الإقطاعيين والأشراف وظهور عائلات حكام كردية مستقلة وشبه مستقلة الواحدة تلو الأخرى على مسرح التاريخ.
في تاريخنا المعاصر، بدأ الأكراد في التفكير بإنشاء دولة مستقلة باسم كردستان في مطلع القرن الـ 20، وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصوراً لدولة كردية في معاهدة "سيفر" في العام 1920، إلا أن هذه الآمال تحطّمت بعد ثلاث سنوات، إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية.
وانتهىت الحالة بالأكراد كأقليات في دول تركيا والعراق وسوريا وإيران وأرمينيا. وعلى مدار السنوات الـ 80 التي تلت، سُحقت أي محاولة كردية لتأسيس دولة مستقلة، إلا أنها استمرت حتى اليوم على مراحل متقطعة، وهنا نستعرض أبرز المحاولات الكردية لتأسيس دولتهم خلال القرن الماضي والحالي:
مملكة كوردستان 1922 – 1924
مملكة كردستان مملكة كردية أسسها شيخ محمود الحفيد زادة البرزنجي في شمال العراق ما بين أكتوبر/تشرين الأول 1922 ويونيو/حزيران 1924.
ولم تنل المملكة الاعتراف الدولي، فبعدما أعلن البرزنجي نفسه ملكاً على كردستان في نوفمبر/تشرين الثاني 1922، أرسلت بريطانيا إلى السليمانية حملة عسكرية لنزع سلطاته بعد بضعة شهور.
عقب ذلك سيرت الحكومة المركزية في بغداد حشداً عسكرياً للقضاء على حكم البرزنجي، وتمكن الجيش العراقي بالفعل من السيطرة السليمانية مركز نفوذ برزنجي في 19 يوليو/تموز 1924، بيد أن البرزنجي أجبره على التخلي عن المدينة فأعادت حكومة العراق الكرة مرة أخرى وبعثت إليه جيشاً استطاع هذه المرة أن يقضي على نفوذ البرزنجي في السليمانية فلجأ إلى الجبال ليقوم بشن حرب عصابات منها، وعلى المستوى السياسي عينت الحكومة العراقية أحد الكرد الموالين لها متصرفاً للواء السليمانية يتلقى أوامره من الحكومة المركزية في بغداد فاستتب له الأمن إلى حين.
استمر البرزنجي في عمله المسلح ضد الحكومة العراقية حتى أكتوبر/ تشرين الأول 1926 حينما عقد اتفاقاً معها يقضي بأن يغادر هو وأسرته العراق إلى إيران، وأن يمتنع عن التدخل في الشؤون السياسية مقابل ردّ أملاكه إليه.
ضياع حقوق الأكراد واحتجاجات 1925
بعد إعلان مصطفى كمال أتاتورك ولادة الجمهوريّة التركيّة في أكتوبر/تشرين الأول 1923 وتصالحه مع الغرب والقوى العظمى، بدأت مرحلة جديدة في حياة أكراد تركيا، إذ منع تدريس اللغة الكردية في المدارس والمعاهد، ومنع الأكراد من التحدث بها في الشوارع والمجالس، فضلاً عن تحريمها في المصالح الحكومية والمحاكم.
وكردّ فعل على السياسات الجديدة، اندلعت احتجاجات الشيخ سعيد بيران في العام 1925، وساندها الأرمن والشركس والعرب والآشوريون في مناطق جنوب شرقي تركيا.
وانتهت هذه الانتفاضة باعتقال الشيخ سعيد وإعدامه مع رفاقه في مايو/أيار 1925، ثم اندلعت احتجاجات جبل آغري، بقيادة الجنرال في الجيش العثماني إحسان نوري باشا في العام 1926 واستمرّت لغاية 1930، وتمّ القضاء عليها أيضاً.
جمهورية كردستان الحمراء 1922 – 1929
نتيجة الظروف الصعبة التي كان يعيش بها الأكراد المتواجدون في أذريبجان، قررت بعض الرموز الكردية تأسيس منطقة حكم ذاتي بدايةً من 7 يوليو/تموز 1923، بإيعاز من رئيس الاتحاد السوفييتي السابق فلاديمير لينين.
على إثر هذا، تشكلت المؤسسات الإدارية للدولة والنظام البرلماني في كردستان وانتخب كوسي حجييف وهو من سكان المنطقة كأول رئيس للبرلمان وكأول رئيس لكردستان السوفيتية، لكنها لم تستمر كثيراً بسبب معارضة بعض الرموز السوفيتية لأي تحرك كردي قد يؤدي إلى ضرر بكل من الجارة تركيا وإيران، وكانت نهايتها في 1929، بعد أن تم ترحيل الأكراد من هناك.
جمهورية آرارات الكردية 1927
ومع محاولات أكراد تركيا إنشاء دولتهم، أُعلنت جمهورية آرارات الكردية المستقلة في العام 1927 بالتزامن مع احتجاجات اندلعت في جنوب شرق تركيا في أكتوبر/تشرين الأول.
تم تحديد قرية حول آرارات بأنها العاصمة المؤقتة لمملكة كردستان، فيما أرسل الكرد في تركيا رسائل إلى الأكراد في كل من سوريا والعراق من أجل التعاون معهم.
إلا أنه تم القضاء على جمهورية آرارات في العام 1930 على يد الجيش التركي، نتيجة عدم وجود دعم عسكري أو مادي كافي.
جمهورية مهاباد 1946
أعلن الأكراد عن ولادة جمهورية مهاباد الشعبية الديمقراطية بواسطة زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران قاضي محمد في 22 يناير/كانون الثاني 1946 وعاصمتها مهاباد، وشملت مساحتها 30% من المساحة الإجمالية لكردستان الشرقية. لكنها انهارت بعد نحو 10 أشهر.
تجددت محاولات الأكراد لاسترداد حقوقهم في إيران في العام 1979 بعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في ذات العام، حيث سادت أجواء الغضب المناطق الكردية في إيران بسبب عدم إتاحة الفرصة لممثلين عن الأكراد للمشاركة في كتابة الدستور الإيراني الجديد، ما أشعل صراعاً مسلحاً بين الحكومة الإيرانية والأكراد، ولا يزال الأكراد يشعرون بالحرمان من تبوّء مناصب سياسية في إيران فرغم تنصيب أول محافظ كردي لمحافظة كردستان وهو عبد الله رمضان زاده، بعد وصول محمد خاتمي للحكم في العام 1997، فإن هذا الأمر لم يستمر في الحكومات المتعاقبة.
إقليم كوردستان العراق 1970
في العام 1970، قامت الحكومة العراقية والأحزاب الكردية بالتوافق على معاهدة سلام تمنح الاستقلال للأكراد، والمعاهدة تعترف بالكردية كلغة رسمية والدستور المؤقت يدخل نصاً يشير إلى أن الشعب العراقي "يتكون من قوميتين، القومية العربية والقومية الكردية".
وحمل إقليم كردستان العراق اسم منطقة الحكم الذاتي الكردية منذ العام 1979، تاريخ توقيع صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي حينذاك وممثلين لزعيم المتمردين الأكراد وقتها مصطفى البارزاني على اتفاقية أنهت سنوات من الحرب بين بغداد والأكراد.
وفي العام 2005، تحولت منطقة الحكم الذاتي الكردية إلى الاسم الحالي: إقليم كردستان العراق، الذي أصبح له علمٌ ودستور ونشيد قومي وحكومة وبرلمان، خاصة به.
جمهورية لاجين الكردية 1992
هي دولة نصبت نفسها في 20 مايو/أيار 1992 في لاجين بأذربيجان، بعد ما استولت القوات الأرمينية على لاجين، حيث تم نقل المثقفين والشباب الأكراد الموجودين في أرمينيا إلى لاجين بأذربيجان من خلال حافلات، وتم وضع رئيس لها اسمه وكيل مصطفايف والذي كان يوجهه رئيس مكتب الحزب من موسكو ماهر ولات.
إلا أن الدولة التي لم يكن لها أي تجسيد حقيقي على أرض الواقع لم تدم طويلاً حيث التجأ مصطفايف في نهاية المطاف إلى إيطاليا طالباً اللجوء السياسي.
إقليم روج آفا سوريا 2012
في خضم أحداث الثروة السورية، تصاعد نفوذ الأكراد مع اتساع رقعة النزاع في سوريا في العام 2012 مقابل تقلص سلطة النظام بالمناطق ذات الغالبية الكردية، وعلى إثر ذلك، أعلن الأكراد إقامة إدارة ذاتية مؤقتة بالمقاطعات الثلاث التي أطلق عليها "روج آفا" أي غرب كردستان.
وعانى الأكراد في سوريا من مشاكل تتعلق بالثقافة والهوية، ففي العام 1962، تم تجريد 20% من السكان الأكراد في سوريا من الجنسية السورية، ما أثار مخاوف بين جماعات حقوق الإنسان.
ووفقاً للحكومة السورية حينها، كان سبب هذا التشريع هو تسلل مجموعات من أكراد تركيا إلى محافظة الحسكة في العام 1945، كما لجأت السلطات السورية إلى تقييد استخدام اللغة الكردية، وحظرت النشر بها، وحظرت الاحتفال بالأعياد الكردية الأمر الذي تغير بعد اندلاع الثورة في العام 2011.
أما المنهج التعليمي الرسمي السوري لم يكن يضم أي مادة باللغة الكردية. لكن بعد بدء النزاع وبروز حجم المعارضة الضخم في مواجهة النظام السوري، حاولت السلطات استرضاء الأكراد، فأعلن رئيس النظام بشار الأسد منح الجنسية السورية لعشرات آلاف الأكراد "مكتومي القيد" في محافظة الحسكة. وفي كانون الثاني/يناير 2014، تم فتح فرع لتعلم الكردية داخل معهد اللغات التابع لجامعة دمشق.