بدأ المصور الشاب الشيخ علي (18 عاما) حكايته مع العدسة والتصوير بالصدفة حين التقط بكاميرا هاتفه المحمول مشهدا طبيعيا في إحدى مناطق موريتانيا النائية، ووضعه كخلفية لشاشة الهاتف فنالت صورته تلك إعجابا كبيرا من أصدقائه وعائلته.
انطلق بعدها علي في رحلة بحث متواصلة عن فسيفساء غنية ومتنوعة من المناظر والوجوه والفضاءات المختلفة التي ظل يتنقل بينها متفننا في رصد معالمها الدقيقة بحثا عن شيء جديد وعفوي ومؤثر، فجاذبية المشهد عادة ما تتصادف مع إتقان اللقطة حسب ما يقول لـ "عربي بوست".
من الهواية إلى الغواية
كان التصوير بالنسبة للشيخ علي مجرد هواية جانبية يمارسها خلال موسم العطلة الدراسية، للتخلص من الملل. اقتنى أول كاميراته من نوع كوداك 2000 (7ميجا بيكسل) وبدأ التصوير بها عام 2012. كان يستخدم كاميرا الهاتف المحمول ليسجل بعض اللقطات والمشاهد التي تثير اهتمامه، وكانت أغلب هذه الصور تثير إعجاب من يشاهدونها.
في أكتوبر 2014 حضر الشيخ مهرجانا سينمائيا في نواكشوط كمتفرج، فشاهد إعلانا عن تنظيم دورة تكوينية في التصوير الفوتوغرافي على هامش المهرجان، وقرر المشاركة فيها. كان المشرف على ورشات التصوير المخرج المصري سمير فرج، الذي يقول الشيخ علي إنه تعلم منه مهارات أساسية لم يكن له إلمام بها في السابق.
ويتابع: "ازداد اهتمامي بالتصوير الفوتوغرافي، فتعمقت معارفي واقتنيت كاميرات جديدة وبعض المعدات اللازمة للتصوير لأطبّق من خلالها ما تعلمته في الدورة التكوينية".
بانوراما موريتانية
سريعا، نمى حبّ التصوير داخل الشيخ واكتشف في هذا المجال متعته الشخصية، فقرر أن يقوم بجولة في أنحاء موريتانيا ليكتشف حياة الناس في المدن والبوادي وتضاريس المناطق، ونمط العمران والتنوع الثقافي والعرقي الذي تزخر به موريتانيا.
ورغم معارضة والده بشدّة لفكرة الرحلة، إلا أنه اقتنع بها في نهاية المطاف، أما والدة المصور الصغير فلم تتردد في تقديم التشجيع المعنوي والدعم المالي له. وهكذا يأخذنا الشيخ إلى اتساع صحراء موريتانيا الشاسعة متنقلا بين حواضر الشمال ومدنه العتيقة التي تشكّل عصب السياحة في البلاد.
استغرقت الرحلة عدة أيام، وانطلقت في أغسطس 2015 من نواكشوط غربا حتى مدينة شنقيط التاريخية في الشمال الشرقي، مرورا بمدن آطار وأكجوجت و وادن وغيرها من المناطق، حيث عاد المصور بباقة من 670 صورة تعكس رؤية متكاملة عن الحياة في مختلف هذه المدن الأثرية، وعن معالمها السياحية والطبيعية.
أما الرحلة الثانية فكانت نحو الجنوب حيث الطريق الممتد من العاصمة نواكشوط وحتى ضفاف نهر السينغال، إلى الحدود الجنوبية لموريتانيا.
وعلاوة على رحلات تصويرية داخل مدينة نواكشوط، صوّر الشيخ مشاهد من المحافظات الشرقية التي قضى فيها مواسم العطل والأعياد. ولعل جمالية الصور والمشاهد التي التقطها خلال هذه الرحلات تمكن في تسليط الضوء على الجانب الإنساني من الحكاية، فهذا العجوز السبعيني مثلا، هو متسولُ توفي جميع أفراد عائلته، ووجد نفسه وحيدا على أعتاب عقده الثامن. وهذان الطفلان يأخذان استراحة من عملهما في جمع القمامة، لينجزا فروضهما المدرسية على ظهر عربة يجرّها حمار.
رحلة داخل الرحلة
يعتبر التصوير الفوتوغرافي رحلة خارجية بين الفضاءات والأماكن والمشاهد المختلفة، ولكنه أيضا بالنسبة للشيخ علي رحلة داخلية يتعرف الإنسان من خلالها على ذاته وشخصيته ومشاعره وموقفه من العالم فـ "نتعرف على أنفسنا من خلال طريقة تصويرنا التي تعكس بالضرورة جوانب من شخصيتنا ورؤيتنا الخاصة. "
وفي هذا السياق يوضح أن التصوير الفوتوغرافي عمل ذهني وعقلي معقّد، وينطوي على تفاصيل لا حصر لها، وليس مجرد عملية التقاط سطحية لصور ومشاهد، بل هو في الواقع رواية بصرية متكاملة. فالمصور الفوتوغرافي هو قاصّ أو حكواتي من نوع خاص، فكل صورة تحمل في داخلها الكثير من الحكايات والمعاني التي قد يختلف الناس في فهمها وتفسيرها.
مشاريع في الانتظار
يرى علي الشيخ أن نمط حياته وتفكيره ورحلاته واهتماماته أصبحت كلها تدور حول التصوير الفوتوغرافي، الذي أضحى يستحوذ عليه بشكل كامل ويشّده حتى عن مقاعد الدراسة. يحضّر حاليا لمسابقة الباكلوريا (الثانوية العامة) وبموازاة ذلك يضع اللمسات الأخيرة رفقة مصوّرين آخرين على مشروع الأكاديمية الموريتانية للتصوير الفوتوغرافي، كما يُحضّر لرحلة حول عدد من بلدان العالم مع مجموعة من المصورين العرب الشباب، استنادا إلى قناعته بأن الأماكن تمتلك ذاكرة تحتفظ بالزمن الذي مرّ عليها ومهمة المصور الفوتوغرافي هي حراسة هذه الذاكرة من الموت والاندثار. لكن إنجاز هذه المشاريع يبقى مرهونا بنجاح الشيخ علي في الدراسة وحصوله على شهادة الباكلوريا، وهو يتمنى الآن من كل أعماقه، أن لا يضطر يوما للاختيار بين العدسة والمدرسة.