نعم.. لماذا الرقَّة توُاجه المصير الآن؟
لماذا تُواجه آلة التدمير والخراب، وهي المدينة الأكثر أماناً ودفئاً؟
هكذا كانت مدينة الرقَّة، وظلّت لفترة، مبعدة.. يعيشُ أهلها في أمان واستقرار وتواصل وتوادٍّ وتعاطف، بعيداً عن الحرمان، والعطش الذي أصاب أهلها في مقتل، ناهيك بانقطاع التيار الكهربائي المستمر، حتى وصل في فترات إلى ساعات طويلة خانقة، ولحقها أياماً في ظل شتاء قاسٍ، وهطول أمطار تُبشر بحياة أكثر دفئاً، وبموسم زراعي نأمل أن يكون طموحاً، وينعكس إيجاباً على إخوتنا الفلاحين الذين عاشوا مرارة الواقع، وتحمّلوا على مضض جرعات الاحتقان التي أصابتهم في الصميم!
ناهيك بإضافة أخرى حاولوا أن يخضعوهم لها، وهم لا حول ولا قوة لهم، بقطع الاتصالات الجوالة، وإيقاف كل ما يتعلّق بشبكات التواصل الاجتماعية، وتراخيص المحال القائمة المشروطة، بقوالب خشبية قاسية، وهي آخر حلم كان يربطهم بأبنائهم المهجَّرين الذين فروا من فزعهم، وإرهابهم، ومعاملتهم الخشنة، وفرض الاشتراطات العقيمة، التي إن دلت على شيء فإنما تدل على الحيّز الضيّق الذي يفكرون به، والمنطق غير العادي الذي يتحلّون به، والجهل الأعمى الذي يراعونه، ويتشبثون به، وهم فوق ذلك، يحاولون إلصاقهم بالبقاء بمدينتهم، مغلقين أمامهم كل الطرق المؤدية إلى الهرب، مجبرين بالبقاء على الرغم من الفقر المدقع الذي حلّ بأبنائها، وغياب العمل، والحاجة إلى المادة، والكثير من متطلبات الحياة العامة. إنهم صاروا مقيّدين برغباتهم التي لم يعد أبناؤها قادرين على تحمّلها أياً كان من رجالها الذين هم أكبر من كل التحديات، فكيف بالشباب؟ الجيل الناشئة، الذي فوجئ بكل هذه الصور المؤسية البغيضة التي أخرجتهم من غفوتهم، ما اضطرهم الواقع إلى الهروب لاجئين إلى أي طريق يمكن أن يحتضنهم، مهما كانت وحشته، وصعوبته، ودفع الغالي والنفيس في الوصول إليه.
المطر، البرد، والخوف من الحاضر، ثلاثية عاشها ابن الرقّة.
ابن الرقّة، الإنسان البسيط، المتواضع، الطيّب في مقامه، وفي ترحاله، واللطيف في معشره، والكريم في بيته، والرحيم في خلقه، والشهم في إقدامه، والمتشبث بأصالته.
الرقّة، وابنها سيّان، تربطهما علاقة واحدة، ومن غير المُجدِي أن نقارن بينهما، لأنهما يعودان لأصل واحد، وروح واحدة، ومبدأ واحد، لايمكن أن يتغيّر.
الرقّة، وتاريخها، وما تحفظه كنوزها الأثرية من روائع خالدة، ستظل شامخة، راسخة في جذور أرضها الطيبة المعطاءة.
وابنها الذي ما زال يحمل طبائع البداوة، نصف الحضرية، كما يشير ذلك، كاتبها ومخلّدها في أعماله، الدكتور عبد السلام العجيلي، طيّب الله ثراه، في إحدى مقالاته، كما ويختلف بطبعه، وعاداته، وحتى بلهجته العامية، عن بقية أهله في سوريا!
فالرقّة، وأهلها لم يحملا يوماً ضغينة، أو حقداً على أحد، بل كانا دائماً محبين للخير، والوفاء، والعطاء لكل من يمد لها يده!
وما أحداث الرقّة الأخيرة، إلاّ وَخَزات أُرِيدَ لها أن تلبس ثوب الحزن على أبنائها، وتناجي القدر بأن يَلطف بها وبعباده.. وأن تعيد النفوس مطمئنة إلى بارئها بعد أن أعياها اليأس، والقنوط، وآلمها صور الضحايا، وفتح في خاصرتها جرحاً عميقاً من الصعب أن يندمل، وإن تعافت منه يوماً، لن ينسى أهلها ما أصابهم!
فالإصابة كانت قاصمة، وحطمت الأفئدة، وأدمعت العيون، ما اضطر ابنها إلى أن استل خنجرا، وعصا، وبارودة، وأراد أن يحمي نفسه من هذا البركان الهائج، الذي بدت حِممه تنذر بالمزيد من الدمار، واللوعة، والتشرد والفقر!
فلماذا الرقّة الآن.. إذن ما دام أنها المدينة المسالمة الضحية؟
فالرقّة اليوم، صارت ضحية لمن أراد أن يكون شيخاً، وسلطاناً، على رؤوس أهلها الأشهاد، الذين لا حول لهم ولا قوّة!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.