لسنوات، كان المهاجرون العرب يعتبرون "لندن" هي مربط أفراسهم، فهي المحطة الأسهل للقاء والاجتماع، واليوم تحتل إسطنبول تلك المكانة بملايين العرب الذين حلوا على تركيا للإقامة خلال السنوات الأخيرة وبدأوا رويداً رويداً في نقل ثقافتهم إليها، وصولاً إلى إقامة أول معرض للكتاب العربي بإقبال عربي وتركي جيد.
في مبنى تراثي قرب منطقة "السلطان أحمد" كان يضم "اتحاد الناشرين الأتراك" تتزاحم الكتب العربية من أكثر من 50 دار نشر عربية ودولية من لبنان وقطر والسعودية ومصر والأردن وتركيا وبريطانيا، تشكل الدور اللبنانية الأغلبية بواقع 23 داراً وتحتل "الشبكة العربية للأبحاث والنشر" موقع الصدارة في عدد العناوين التي أتاحتها (173) عنواناً، وباعتبارها الدار التي تولت الدور الأكبر في تنظيم المعرض وتولت استيراد معظم دور النشر الأخرى.
الكتب الثقافية احتلت نصيب الأسد على أرفف المعرض فيما تراجعت كتب أخرى تجذب عادة قطاعات واسعة من المشترين مثل الكتب التي تتعلق بالشأن الأسري أو الكتب الأدبية أو كتب الأطفال والكتب الدراسية والتعليمية رغم أن الحضور الذي يهتم بتلك النوعيات من الكتب كان واسعاً.
المعرض بدا أنه مصمم ليناسب احتياجات وتساؤلات الجمهور العربي الذي انتهى به الحال مقيماً في تركيا، فالكتب تناقش قضايا كبرى في أغلبها، بعضها ركز على الجوانب الحضارية تحاول استلهام الدروس من ماضي العالمين العربي والإسلامي والتعامل مع واقعهما، وبعضها دينية تتناول قضايا غير تقليدية كالفكر المقاصدي للشريعة الإسلامية والتقارب المذهبيّ الشيعيّ- السنيّ وتقييم أداء حركات إسلامية، وبعضها فلسفيّ يتناول الفلسفات الغربية من مناظير نقدية، وبعضها في الفكر السياسي تركز على الواقع العربي وسبل تطويره والخروج من مشكلاته، وبعضها يقدم إنتاجات مراكز بحث علمي عربية وتركية وغربية بل وإسرائيلية.
باختصار تميز المعرض بالكتاب الثقافي وطرح أكبر عدد ممكن من الأطروحات الثقافية المترجمة إلى كتب تناولت الوعي الحضاري بقسميه الماضي والحاضر، ونبذ العنف في المجتمعات العربية الإسلامية، ومحاولة النهوض بها، والتجديد الديني بوجه عام، والفقهي بوجه خاص، مع التركيز على دراسات الحوار والاختلاف والتعايش، والتجارب النهضوية في اليابان، تركيا، ألمانيا، البرازيل، الهند، وغيرها من الدول، ولم يغفل الكتبَ المترجمة .
وفيما غابت أسماء لكتاب محببين للشباب أمثال الدكتور مصطفى محمود، فإن عناوين رصينة لكتاب في ثقل مالك بن نبي، وسلمان العودة، وعلي شريعتي كانت حاضرة.
على هامش المعرض أيضاً، كانت هناك سلسلة فعاليات ثقافية لاقت نجاحاً واسعاً وزادت من حجم الإقبال.. الأسماء ضمت أكاديميين كالدكتور برهان غليون من سوريا وهبة رؤوف عزت والدكتور سيف عبد الفتاح إضافة إلى السياسي أيمن نور من مصر، والشيخ سلمان العودة وجمال خاشقجي من السعودية، ومحمد المختار الشنقيطي من موريتانيا وآخرين من الكويت واليمن وسوريا وغيرها من الدول العربية.
الملفت أنه كان هناك حضور لافت لأتراك مهتمين بالشأن العربي ومثل لهم المعرض فرصة نادرة في بلد عاش لسنوات طويلة عزلة ثقافية عن جيرانه العرب، وقد حرص المنظمون أن يتواكب توقيته مع توقيت معرض إسطنبول الدولي للكتاب الذي انتقد خلال السنوات الماضية بسبب غياب العناوين العربية في بلد أصبح يعيش فيه نحو 3 ملايين عربي.
ويعيش الأتراك والعرب حالة من القطيعة الثقافية منذ مطلع القرن الواحد والعشرين بسبب حاجز اللغة.
أحد زوار المعرض المتخصصين، وهو ناشر غير مشارك، قال لنا إن الفكرة مناسبة وتأتي في وقتها تماما مع زيادة العرب المقيمين هنا، وهو سبق يحسب لمنظميه سدّ نقص شديد نحتاج إليه لنقل ثقافتنا العربية إلى تركيا.. ولكن الأمر يحتاج مزيداً من الجهد ليتضمن المعرض في نسخه التالية كتباً تركية مترجمة إلى العربية، وكتباً تعليمية للأطفال، وهي كثرة تعيش في هذا البلد، وكتباً من التي يحتاجها الناس دائماً مثل كتب الطبخ وغيرها.