بدأت الحكاية مع المهندس السوري همام بيطار المتخصص بالهندسة النووية، بأن قرر أن يسخّر شغفه بعلوم الفضاء والفيزياء في خلق مساحة علمية افتراضية تجمع المهتمين بعلم الفلك وأسراره تحت قبة واحدة، علها تصبح يوماً منطلقا لصرح علمي أكاديمي يعيد أمجاد الماضي.
في العام 2013 كانت البداية بسيطةً جداً، إذ أنشأ بيطار صفحة على فيسبوك باسم "ناسا بالعربي"، وبدأ بترجمة مقالات وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" وعدد من المرجعيات العلمية الأخرى إلى اللغة العربية ونشرها تباعاً على الصفحة. لم يمض وقتٌ طويل حتى لفتت هذه الطروحات المهتمين من الشباب السوريين والعرب، ليتطوع العديد منهم للمساهمة فيها.
في العام 2014، تحولت "ناسا بالعربي" من صفحة علمية على وسائل التواصل الاجتماعي إلى مبادرة علمية متكاملة، وفي مايو/آيار 2015 أطلقت موقعها الإلكتروني الخاص. ويعد هذا الموقع اليوم من أبرز المرجعيات العلمية الإكترونية في علوم الفيزياء والفلك بالنسبة للمتكلمين بالعربية.
يساهم في المبادرة حالياً نحو 208 مشاركاً، 80 منهم فاعلون جداً. تتعدد تخصصاتهم بين الهندسة والفيزياء والطب والترجمة الفورية، كما يتابع العديد منهم دراساته العليا في جامعات عربية وعالمية.
تدرس ريم أبو عجيب هندسة الحاسبات والتحكم الآلي في سوريا، وهي متطوعة منذ سنة ونصف في ترجمة المقالات للمشروع، رغم أن عمرها لم يتجاوز الـ 19 عاماً بعد.
تؤمن ريم أن تشرُّب العلم لا يكون في المدارس والجامعات فقط، وتقول "لم أرغب بإضاعة الوقت، ذهبت مباشرة لعمل ما أؤمن به، لهذا أنا في الفريق. أؤمن أيضاً أن الأطفال من سينهض بالعلم في مجتمعنا مستقبلاً، لهذا نخطط لمشروعٍ خاصٍ بالأطفال ضمن المبادرة".
بدورها، ترى العراقية سارة الراوي (25 عاماً) أن انخفاض مستوى الثقافة في المجتمع يؤدي لسوء الاختيارات، وهو ما يسبب انتشار النزاعات والوصول إلى ما نحن عليه. من هذا المنطلق قرّرت سارة المساهمة في كسر هذه السلسلة، "علّ الوطن الذي تحيا فيه اليوم يصل إلى النهضة والأمان يوماً ما".
تقول سارة، "مشروع ناسا كان بوابتي لعمل ما أريد. أدير اليوم نشر المقالات على الموقع ووسائل التواصل الاجتماعي. درست علوم الحاسوب في العراق، عانيت خلال دراستي من ضعف وندرة المصادر العلمية العربية، لذا يتوجب علينا إغناؤها".
تحيا المبادرة اليوم بعطاء شبابها دون أي تمويل أو ربح، ويصف بيطار "الديناميكا" الداخلية لها بأنها قوية ومليئة بالنشاط اليومي، ويضيف "المبادرة قائمة على العنصر البشري، وما زلنا بحاجة له، نسعى دائماً لتوسيع المبادرة بجهود الشباب من جميع الاختصاصات، ونرحب بكل متخصص يرغب بالانضمام لنا".
عملياً لا ترتبط المبادرة بوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" بشكل مباشر، رغم أنها تأخذ منها اسمها ورمزيته، ويوضح بيطار "نترجم كل مقالاتها تقريباً، لكنّ مصادرنا متعددة، أهمها الجمعية الملكية لعلوم الفلك، ودورية مجلة الفيزياء، ومجلة الفيزياء الفلكية، بالإضافةً إلى وكالة الفضاء الأوروبية، والمرصد الأوروبي الجنوبي، ومجلة نيتشر وغيرها".
ووفقاً لترتيب المواقع الالكترونية العالمي "أليكسا"، يوجد موقع "ناسا بالعربي"، بعد نحو 4 شهور فقط على إطلاقه، ضمن أول 300 ألف موقع على مستوى العالم. يعد معظم زوراه من مصر والمغرب والولايات المتحدة، وهو ما يعتبره شباب المبادرة أمراً جيداً جداً بالنسبة لموقع علمي، ومؤشراً يعكس اهتماماً شبابياً عربياً بالاكتشافات الحديثة في هذا المجال.
ويتنوع المحتوى الذي تقدمه المبادرة بين المقالات العلمية المترجمة، وهي في المتوسط 320 مقالاً شهرياً، والصور الفلكية بدلالاتها وشروحها العربية، والإنفوغراف. وتبعاً لعدد القراءات تحظى كل من المقالات التي تُعنى بميكانيك الكم وعلوم الفلك كالثقوب السوداء، والمقالات التي تربط بين فلسفة العلم والفيزياء بالاهتمام الأكبر من قبل القراء العرب، مع هذا تحرص المبادرة على تقديم المقالات والأبحاث عالية التخصص. يقول بيطار "نهتم بتزويد من يواصلون دراساتهم العليا بمراجع تساعدهم على بلورة توجهاتهم العلمية ومعرفة أين يُمكنهم المتابعة".
متابعو "ناسا بالعربي" كما تقدر إدارتها، هم من الأكاديميين أو الشغوفين بالمعرفة، خاصةً أن هذا المحتوى لم يكن متاحاً باللغة العربية سابقاً على الإنترنت. يشير بيطار إلى أن "المهتمين بعلوم الفضاء في عالمنا العربي لا يجدون طريقهم الأكاديمي إليها"، ويضيف "هذه العلوم ليست كمالية، وتطورها مصاحب لتطور أي دولة".
ويستطرد قائلاً: "على أصحاب القرار في بلادنا أن يدركوا هذا. العديد من الشخصيات العربية وصلت لمراكز مهمة في هذا المجال حين أتيح لها دراسته في جامعات الدول المتقدمة، أبرزهم البروفسور اللبناني الأصل شارل العشي، وهو مدير مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا".
"نبدأ بترجمة العلم لننتهي بصناعته" هو الشعار الذي يرفعه شباب المبادرة ويعملون يومياً على تحقيقه، فهل يصل الشباب العربي لصناعة العلم؟