عندما يُذكر اسمه في المغرب يتم ربطه مباشرة بالنكات والضحك، عُرف بتلك الشخصية الساذجة الغبية في الموروث المغربي، إلا أنه في الواقع كان شخصية قيادية بامتياز، سعيد الجماني الصحراوي، الذي بايع الملك ولم يُستقبل أحد مثله في التاريخ.
من باب الصحراء إلى القيادة
سنة 1915، وبالقرب من مدينة كلميم، وُلد سعيد الجماني في منطقة تُدعى "لخصاص" بالقرب من تزنيت، وسط عائلة تعيش حياة الترحال، خلال طفولته. حفظ سعيد القرأن والفقه كما جال الأراضي الصحراوية إلى أن وصل إلى الحدود الموريتانية.
ولأن سعيد كان ينتمي إلى قبيلة الركيبات، إحدى القبائل الصحراوية الكبرى، ارتبط كثيراً بالتعلم الديني والتصوف، كما اعتاد زيارة إحدى الزوايا الدينية في المنطقة، والتي ستصبح فيما بعد من أهم الأماكن لمحاربة الاستعمار.
في ظل هذا المناخ القبلي المحافظ، نشأ سعيد الجماني، وقبل أن يشتد عوده توفي والده وهو على مشارف العقد الثاني من عمره، حينها أصبح وصياً على العائلة، بل إن أفراد القبيلة بايعوه شيخاً عليها في فترة زمنية كانت المشيخة لا تُمنح إلا لكبار القبيلة، ليرفضها في البداية، قبل أن يقبلها بعد إصرار أفراد القبيلة.
في تلك الفترة كان المغرب تحت الاستعمار الفرنسي والإسباني، فيما بدأ الصحراويون بالشعور بأن هناك قوة استعمارية تحتل أراضيهم، لينضموا بعدها إلى قوات جيش التحرير، الذي كان في ذلك الوقت يحاول استرجاع الأراضي الصحراوية من الاستعمار الإسباني.
سعيد الجماني وطلب اللجوء للإسبان
لعب خطري وغيره من الصحراويين دوراً كبيراً في تأسيس جيش التحرير بعد لقاء تاريخي مع قيادات الحركة الوطنية بالشمال. وفي مدينة كلميم تم وضع اللبنة الأولى لهذا التنظيم الذي اختار المقاومة المسلحة لطرد القوات الاستعمارية.
كما بين أبناء المنطقة عن بسالة وإقدام في كثير من المواجهات التي وضعتهم في رحى المعارك، أبرزها موقعة الدشيرة سنة 1956، والتي دامت أسبوعاً كاملاً تكبّد فيها الإسبان خسائر مادية وبشرية جسيمة.
وبعد استقلال المغرب من الاحتلال الفرنسي بدأ جيش التحرير في التراجع، ليقوم سعيد الجماني بمواصلة التحفيز على طرد المستعمر الإسباني الذي كان لا يزال يحتل الأراضي الجنوبية، حسب موقع "akhbarona" المغربي وصف سعيد الجماني الأسد الجريح الذي أنقذ الصحراء مرتين .
كان سعيد الجماني عضوا في جيش التحرير سنة 1957، وحدث أن وقعت خلافات داخل قيادة الجيش وكان الجماني مهدداً حينها والاغتيال والاختطاف من طرف قيادة جيش التحرير فيما تعرض العديد من الصحراويين للاختطاف.
بسبب ذلك قرر الجماني ارتداء ملابس نسائية واللجوء إلى المنطقة التي كانت تحت وطأة الإسبان، وطلب اللجوء السياسي من الحكومة الإسبانية، فكان أن تبنته هذه الأخيرة ووفرت له الحماية، وبذلك أنقذ نفسه من موت محقق في كَلميم.
بعد هذه الخطوة أصبح من أكثر القادة المغاربة ذوي الصلة الجيدة مع الاحتلال الذي توقع دعم الجماني لجمهورية الصحراء الإسبانية، فيما استغله الجماني لضمان استقلال المغرب، عكس ما كان متوقعاً.
المناطق الصحراوية وبيعة الملكية
التقى سعيد الجماني بالملك محمد الخامس سنة 1956 مع مجموعة من الصحراويين، وذلك لتقديم البيعة له بعد عودته من المنفى. بدأت الحكاية من سوق للإبل في كلميم حين علم الصحراويون بعودة الملك حاملاً تباشير الاستقلال.
تم الاتفاق على أن يتوجه ممثلون عن كل قبيلة إلى الرباط لتهنئة السلطان، كان سوق مدينة كلميم الأسبوعي ملتقى للقبائل الصحراوية ونقطة تجمع كبرى، وضع خلالها خطري باعتباره شيخاً لوجستية التحرك صوب العاصمة، كما تم توزيع الأدوار بين المنظمين لضمان نجاح ما يسمى بالبيعة الأولى.
لقيت المبادرة ترحيباً كبيراً من طرف القصر الملكي، كما وقف الملك محمد الخامس لتحية ممثلي الصحراء، بل إنه استضافهم في الرباط لمدة 5 أيام، قبل أن يعود موكب ممثلي القبائل الصحراوية وسط مراقبة المستعمر الإسباني الذي كان يعلم أن هذه الخطوة ستزيد من حماس الصحراويين ودخولهم في حزب التحرير تحت قيادة محمد بنحمو.
مع مرور الأيام استقطبت الحركة النضالية عدداً كبيراً من شباب القبائل، وأصبح لجيش التحرير امتدادات في كل قبائل الصحراء من محاميد الغزلان إلى أقصى تخوم الصحراء بالجنوب.
حسب موقع "le360" المغربي تأسس بعد ذلك الحزب المسلم الذي كان يسعى إلى التعبير عن مطامح أبناء الصحراء بعد الحماس الذي أعقب تحرر شمال المغرب، واستند في بدايته على أفكار خطري ولد سيدي سعيد الجماني المعادية للوجود الاستعماري.
كان الجماني ينادي بتحرير الصحراء من الوجود الإسباني والانضمام إلى الجزء المحرر من المغرب، بل إن الجماني نظم اكتتاباً وسعى إلى دعم الحزب ومواجهة الإدارة الاستعمارية التي كانت تجمع السكان وتؤثر بهم حفلاتها.
كان من نتائج هذه الحرب الباردة نزاعات ومناوشات، أبرزها حادثة مقتل أحد السكان في 17 يونيو 1970 بمسدس شرطي إسباني، نتج عنها تصادم دامٍ، وإعلان أول حظر للتجول في مدينة العيون إثر مقتل عشرات الصحراويين.
بعد ذلك اعتقلت السلطات الإسبانية أزيد من 2000 مواطن مغربي، من بينهم الزعيمان سعيد الجماني، وبا الشيخ بن محمد مولود.
المسيرة الخضراء واستقلال الصحراء
غير المستعمر سياسته ومحاولة السيطرة على الوضع، إذ تمكن الاستعمار الإسباني من شق طريق داخل الحزب وفرض الحماية المؤقتة أو ما عُرف ببرلمان الصحراء، ليقوم الاحتلال الإسباني بدعوة 40 قائداًصحراوياً من بينهم سعيد الجماني.
إلا أنه بعد بضعة أيام فقط انسحب الحزب المسلم لتعود القبيلة إلى ريادتها السياسية بزعامة الجماني، بعدها رتب محمد فيضول الدرهم، أحد أبرز الشخصيات المغربية، والتي لعبت دوراً في استقلال الصحراء تاريخاً لالتقاء الجماني بالملك المغربي الراحل الحسن الثاني، قبل أيام قليلة من انطلاق المسيرة الخضراء.
خلال هذا اللقاء أقسم كل من الدرهم وشقيقه برفقة سعيد الجماني على القرآن بالولاء للبلاد، ثم انطلقوا إلى لاس بالماس الذي كان للدرهم منزلاً بها، ثم توجها إلى إسبانيا ليستقبلهم السفير المغربي بها ويسلمهم جوازات سفر مغربية بأسماء مستعارة من أجل العودة إلى مدينة أكادير.
بعد توجه الجماني إلى إسبانيا سلم بعض الوثائق المهمة التي تخص الصحراء إلى المبعوث الملكي أحمد بن سودة، وقال له "الموت والحياة بيد الله، فإن وافتني المنية لا أريد أن يقال عني إنني تخليت عن وطني وغدرت ملكي، لذا عليك أن تسلم هذا الكتاب إلى جلالة الملك".
لم تكن علاقة سعيد الجماني بأحمد بن سودة جيدة؛ إذ سبق لهذا الأخير أن أرسل رسالة له مفادها "يا خطري أتدري من أنت؟ إنك ركيبي وشريف النسب، وتنحدر من صلب مولاي عبد السلام بن مشيش.. وتلتقيان أنت والملك الحسن الثاني في مولاي إدريس، ولا يمكن أن تستمر في الوقوف في صف أعدائه.. فأنت خرجت في سنة 1953 على رأس مظاهرة للتنديد بنفي محمد الخامس.. وقدمت له البيعة سنة 1956 بالرباط" إلا أن حكمة الدرهم جرت بوقف الصراع بين الاثنين.
عاد الجماني إلى الوطن في 3 نوفمبر 1975، أي قبل 3 أيام فقط من اختراق متطوعي المسيرة الخضراء الحدود الوهمية.
وبعد نجاحه استقبله الملك الراحل الحسن الثاني، وحضر هذا الاستقبال جمع غفير من المسؤولين الكبار والدبلوماسيين والصحفيين، تجاوز عددهم 500 جاؤوا من مختلف أنحاء العالم، وقدم البيعة للملك والولاء للوطن.
في ذلك اليوم أشاد الملك الراحل الحسن الثاني بوطنية خطري ولد سعيد الجماني، وألبسه سلهامه، وقال له العبارة الشهيرة: "لم يسبق لي أن استقبلت مغربياً كما استقبلتك".