تُعد الفنانة والمطربة المصرية شادية من الشخصيات التي يصعب عدم الوقوع في حبها، فهي واحدة من أهم أساطير السينما والموسيقى المصرية.
تزامناً مع شهر ميلادها، نحاول أن نرصد أهم المحطات في رحلتها الطويلة، ونقف على تأثير بصمتها الفريدة على شكل الأغنية المصرية والأعمال السينمائية الممتد حتى وقتنا هذا.
اسمها الحقيقي ونشأتها
وُلدت فاطمة أحمد كمال شاكر في الثامن من فبراير/شباط عام 1931، في منطقة الحلمية بحي عابدين، في العاصمة المصرية القاهرة.
كان والدها يعمل مهندساً زراعياً ومشرفاً على الأراضي الخاصة الملكية، وكان عمله آنذاك يستدعي وجوده في العاصمة على بُعد خطوات من قصر عابدين.
أما والدتها، فكما عرفها الكاتب ماهر زهدي في كتابه "شادية.. قمر لا يغيب": "هي خديجة، من أصل تركي، وُلدت وعاشت وتزوجت في تركيا، وأنجبت طفلتيها سعاد وعفاف، غير أن زوجها توفي وهو في ريعان الشباب، وكانت طفلتاه في أعوامهما الأولى".
فقررت خديجة السفر إلى مصر، فعاشت في القاهرة مع أسرة كمال الدين شاكر، الذي تزوجها وكتب طفلتيها باسمه، وأنجب منها محمد وطاهر، وأول فتاة لهما معاً التي سمّياها بـ"فتوش"، والتي تعني فاطمة بالتركية، قبل أن تصبح بعد الشُهرة معروفة باسم شادية.
نصيحة الست وعبادة الفن
كان الأب يخاف على طفلته الصغيرة ويرفض دخولها عالم الفن، لكن مع إصرارها وحبها وشغفها بالتمثيل والغناء، خاصة بعد أن سبقتها شقيقتها عفاف في عالم التمثيل، لكن سريعاً ما ابتعدت عنه.
لتدخل شادية عالم الفن بدايةً من دورها الصغير في فيلم "أزهار وأشواك". إلا أن البداية الحقيقية كانت مع محمد فوزي في فيلم "العقل في أجازة" 1947، حينما تبدأ مشوارها الفني في السينما والغناء.
وفي مفاجأة من والدها للتأكيد على محبته ودعمه لابنته ومشوارها الفني، حينما اصطحبها لصالون فيلا أم كلثوم، وهناك وجدت نفسها تجلس وجهاً لوجه مع كوكب الشرق، ولم تكن آنذاك سوى في بدايتها الفنية في نهاية الأربعينات.
وقد طلب والدها من أم كلثوم أن تقدم لها النصيحة والمشورة، فكانت جملة "الست" التي رافقت شادية طوال مسيرتها وحتى بعد اعتزالها: "إذا كنتِ تريدين الاستمرار في الفن فعليكِ أن تعبدي فنك بعد ربنا، وتحترمي شغلك وتحافظي على صحتك وصوتك".
موهبة غنائية فريدة
كانت موهبة شادية الغنائية والتمثيلية بمثابة اكتشاف محوري في عالم الفن المصري، ومع وجود نجاح سلامة ونور الهدى وصباح، كان على مصر أن تعلن عن نجمتها الجديدة، أو النجمة التي لا تسير في طريق الطرب الكلاسيكي خلف أم كلثوم وليلى مراد، لكنها تقدم صورة للفتاة المصرية البسيطة، التي تحب الغناء وهي تؤدي مهامها اليومية، في محاولة لتقديم الأغنية الخفيفة بكلمات وألحان بسيطة.
شادية ومحمد فوزي – ميتهيألي – من الفيلم النادر الروح والجسد
وبالفعل، مع بداية الخمسينات من القرن الماضي، كانت شادية تتربع على عرش الأفلام الغنائية، وتمتلك كل مقومات الممثلة الشاملة، فهي تجيد التمثيل، ولها جمال وحضور كاريزمي مميز على الشاشة، كما تمتعت بقدرة على الحركة وتقديم المونولوج الفكاهي بصحبة إسماعيل ياسين وشكوكو.
كل تلك النجاحات التي حققتها شادية في مطلع الخمسينات دفعت بشعبيتها بين الجميع من مختلف الأعمار، باعتبار أنها تمثل صورة الفتاة المصرية البسيطة. وقد ساعدها في ذلك بلا شك تزامن موهبتها مع الفترة الذهبية للسينما الغنائية، وتعاونها مع العديد من الشعراء والملحنين المهمين في ذلك الوقت.
يا سم يا دم – شادية وإسماعيل ياسين – من فيلم حظك هذا الأسبوع 1953
شادية في مصر الثورة
مع أحداث ثورة يوليو/تموز عام 1952، وجدت شادية أنها تنتمي لدولة جديدة وشابة بدورها، فاستمرت في العمل بشكل كبير في السينما، وتعاونت مع أغلب الملحنين، فقدمت أعمالاً مع رياض السنباطي في تلك الفترة، ليقدما معاً أغاني خفيفة ومميزة مثل: "تلت شهور ويومين اتنين"، و"أحب الوشوشة"، و"سبع سواقي" الذي تناول ثورة يوليو.
وبالرغم من أن أم كلثوم كانت بلا شك هي صوت الدولة الرسمي، كانت شادية هي صوت الشعب وصوت الفتاة المصرية بامتياز.
أغنية سبع سواقي للفنانة الشاملة شادية كلمات صالح جودت ولحن رياض السنباطى فيلم حظك هذا الاسبوع 1953
مهارة شاملة وعمل متنوع
من أهم ما ميّز تجربة شادية الفنية هو تطويرها لنفسها وتنوع اختياراتها بين الكوميديا والدراما والرومانسية، وبين الغناء الاستعراضي والغناء الفلكلوري وغير ذلك.
فتعاونت مع منير مراد وبليغ حمدي ومحمد عبد الوهاب ومحمد الموجي، واستطاعت بذلك تقديم ألحان خفيفة وفريدة خلقت حالة من البهجة والاستمتاع.
تزامناً مع ذلك أيضاً كانت تقدم أفلاماً شاملة غنية ومتنوعة، مثل "زقاق المدق" و"اللص والكلاب" و"الطريق" و"شيء من الخوف" و"ميرامار"، بجانب "عفريت مراتي" و"كرامة زوجتي" و"مراتي مدير عام" و"معبودة الجماهير".
ذلك التنوع المذهل في الأدوار والشخصيات وتطور مهاراتها عما كانت تقدمه في الخمسينات، يدل على أنها بلا شك كانت موهبة فذة تتمتع بذكاء ونضج كبير.
بسبوسة | شادية Basbousa | Shadia
حياتها العاطفية وعلاقاتها الزوجية
تزوجت شادية 4 مرات في حياتها؛ وكانت من زميلها الممثل عماد حمدي، والمهندس عزيز فتحي، وزميلها الممثل صلاح ذو الفقار، والكاتب والصحفي مصطفى أمين.
ورغم محاولاتها الكثيرة في الإنجاب، فإنها لم تحظَ أبداً بالأطفال، وكانت تلك النقطة من أكثر الأمور الصعبة والمؤثرة في حياتها، لذلك قدمت شادية أشهر الأغاني المصرية عن الأمومة، وهي "سيد الحبايب".
سيد الحبايب – شادية – الكلمات : فتحي قورة – الألحان : منير مراد – من فيلم المرأة المجهولة 1959
علاوة على غنائها للأمومة، كانت شادية صاحبة أغانٍ وطنية هامة كان أشهرها "يا حبيبتي يا مصر"، التي تمت استعادتها بشكل مكثف أثناء ثورة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011، فكانت هي الأغنية الأهم في ميدان التحرير.
أغاني وطنية – يا حبيبتي يا مصر – شادية
كذلك استطاعت موهبة شادية الفنية أن تترك بصمتها حتى وهي بعيدة عن الغناء الكلاسيكي الطربي، حيث كانت قادرة على تقديم الأغنية الفلكلورية، فقدمت على سبيل المثال لا الحصر أغنية "آه يا لموني" في الخمسينات، مع فتحي قورة ومحمود الشريف، وقدمت أيضاً أغنية "يا حبيبي عودلي تاني" على السلم الخماسي مع منير مراد وفتحي قورة أيضاً، قبل أن يقدم معها بليغ العديد من الأعمال الفلكلورية المعروفة.
Shadia – Ah Ya Lamouny – HQ | شادية – اه يا لاموني – استريو – عالي الجودة
ثم في مطلع الثمانينات، وبعد مشوار فني ناجح بامتياز امتد لأكثر من 30 عام، وقفت شادية للمرة الأولى والأخيرة على خشبة المسرح لتقدم مسرحية "ريا وسكينة" بصحبة الفنانين عبد المنعم مدبولي وسهير البابلي، وألحان بليغ حمدي، ليكن ذلك العمل بمثابة الختام لمسيرة ضخمة ومتنوعة وهامة في تاريخ مصر الفني.
شبكنا الحكومة – شادية وسهير وعبد المنعم مدبولي
الاعتزال والالتزام
كان لاعتزال شادية أسباب عديدة ومتباينة، منها عامل السن بالطبع، بجانب أسباب أخرى تحدث عنها الممثل الراحل سمير صبري ذات مرة، مثل تشخيص إصابتها بالخطأ بمرض سرطان الثدي، واكتشاف عدم صحة ذلك بعد إجرائها عملية استئصال الثدي، ما ترك فيها صدمة عميقة.
كذلك كان هناك عامل وفاة شقيقها بشكل مفاجئ أثناء عرضها مسرحية ريا وسكينة، ثم مقابلتها للشيخ الشعراوي وتأثيره عليها، لتعلن شادية اعتزالها الفن وارتداء الحجاب، وتقرر الاختفاء عن الأضواء تماماً.
لتعتزل الفنانة الشاملة دون أن تسيء إلى أعمالها الفنية أو تقلل من شأنها، فانسحبت في هدوء مثلما نجحت في هدوء ووصلت للقمة، واختفت عن الأنظار بشكل كامل حتى وفاتها بحلول عام 2017.
شادية – قطر الفراق – تسجيل استوديو – فيديو صوت استيريو – عالي الجودة | Shadia