حين سمح والد "ليني باسو" لابنته بجمع التبرعات في محطة الوقود التي تملكها العائلة، كان يظن أن تلك الحملة ربما تستمر لأسبوعين كحد أقصى، وربما تجمع بضعة دولارات لا أكثر. لكنه لم يكن يدري، أن لقبها سيصبح "جِنيّة موقف السيارات".
وأن تلك الحملة ستستمر لسنوات، وتكلف هيئة حكومية في المدينة عشرات الآلاف من الدولارات، وتتحول لحركة مجتمعية أجبرت المسؤولين في الحكومة على تغيير القوانين، وإطلاق اسم ابنته على بناية مشهورة، تكريماً لها.
غرامة غير عادلة أثارت غضب ليني باسو
ولدت "ليني باسو" في أمريكا عام 1959، وعاشت مع عائلتها في مدينة اسمها "أنكوريج" في ولاية ألاسكا، وهناك عملت مع عائلتها في إدارة محطة وقود يمتلكونها، لكن شهرة ليني لم تأتِ من محطة وقود العائلة، ولكن بسبب غرامة بسيطة ستغير حياتها وتغير المدينة للأبد.
عام 1994، كانت ليني باسو قد اشترت للتو شاحنة جديدة، وبحسب القانون هناك، يجب أن يوجد ملصق صغير على لوحات السيارات، يُثبت أن سائق السيارة قد أكمل عملية تسجيل السيارة، ودفع الرسوم اللازمة.
وكانت سيارة ليني تحمل ملصقاً، لكنه مثبت على الجهة الخطأ من لوحة السيارة، ركنت ليني سيارتها في الشارع، وعندما عادت وجدت تذكرة على زجاج سيارتها، بغرامة قيمتها 75 دولاراً، والسبب بحسب التذكرة أن لوحة سيارتها لا تحمل ملصقاً. الجهة المسؤولة عن التذكرة كانت "هيئة وقوف السيارات"، وهي وكالة حكومية، مسؤولة عن تنظيم وقوف السيارات في الشارع.
اشتعلت ليني باسو غضباً، وقدمت طلباً لإلغاء الغرامة، لأن الملصق كان موجوداً بالفعل، وأن الخطأ سببه موظف "هيئة وقوف السيارات"، لأنه لم ينتبه للملصق، وبعد أخذ ورد وجدل طويل، لم يتم إلغاء الغرامة ولكن تم تخفيضها إلى 25 دولاراً فقط.
فقررت ليني باسو أن تنتقم من "هيئة وقوف السيارات" وتحرمها من مصدر تمويلها الرئيسي، وتلقنها درساً لن تنساه أبداً.
تعتمد تلك الهيئة على جباية الأموال من عدادات موقف السيارات، المثبتة على أعمدة معدنية على الرصيف، فإذا كنت ترغب بركن سيارتك بالشارع لوقت معين، فعليك في ذلك الوقت وضع ربع دولار داخل ذلك العداد.
أما المصدر الذي يحقق لهم القسم الأكبر من المال، فكان الغرامات التي يفرضها موظفوها، والذين يجوبون الشوارع بحثاً عن السيارات التي يتأخر أصحابها قليلاً عن المدة المحددة للوقوف، وفي كثير من تلك الحالات تكون لظروف طارئة، وحين يعودون للسيارة يجدون غرامة مالية بانتظارهم.
وضعت "ليني باسو" خطتها، وقررت التجول في شوارع المدينة، لوضع المال في أي عداد وقوف على وشك انتهاء مدته، وبالتالي لن تستطع "هيئة وقوف السيارات" من فرض أية غرامات، لكن كان عليها أولاً الحصول على التمويل، وإقناع الناس بالمساهمة في حملتها.
تمويل "جِنيّة موقف السيارات" وخطة "ليني باسو" تتحول لحملة
وضعت ليني باسو وعاءً زجاجياً على منضدة الحساب في محطة وقود عائلتها، لجمع التبرعات لتمويل حملتها، خلال أسبوع جمعت ليني حوالي 100 دولار، فارتدت وشقيقتها سوزان، تنورات قصيرة لامعة وأجنحة الجنيات، وانطلقاا لتنفيذ مهمتهما.
سارت ليني باسو، في شوارع المدينة وهي ترتدي زي "جِنيّة" بحثاً عن عدادات وقوف منتهية الوقت أو على وشك الانتهاء، وكانت تضع أرباع الدولارات في عداد تلو الآخر، كان سكان المدينة سعداء للغاية ويقابلونها بالابتسامة، عندما شاهدوا ما كانت تقوم به، لأنها كانت شخصية مرحة وبمنظر طريف.
كما أنها كانت توفر عليهم دفع غرامات بعشرات الدولارات أحياناً، سمح والد ليني باسو لها بهذه المغامرة، وترك العمل ليوم أو يومين، لأنه اعتقد أنه بعد انتهاء الـ100 دولار التي جمعتها، ستكون أثبتت وجهة نظرها وسينتهي تمويلها. وتنتهي هذه الحملة.
لكن سكان المدينة أعجبتهم أعمال "جِنيّة موقف السيارات"، وقرروا تمويل حملتها بمبالغ أكبر، ومع حصولها على تغطية إعلامية، من صحف ووسائل إعلام محلية، حصلت على أكثر مما كانت تتخيل أو كانت تخطط له.
استمرت التبرعات في التدفق، وكان الناس يتوافدون على المحطة للتبرع لـ"جِنيّة موقف السيارات".
واستمرت هي بما تقوم به، وخلال عام جمعت حوالي 100 ألف دولار من التبرعات، لتتفرغ لهذا العمل بشكل كامل.
اشترت "ليني باسو" مركبة صغيرة من 3 عجلات حتى تغطي مساحة أكبر في المدينة، ومع أنها كانت تدفع مبالغ التبرعات لـ"هيئة وقوف السيارات"، لكنها كلفتهم مبالغ ضخمة من الغرامات، وحرمتهم من مصدر كبير من الغرامات.
حتى إن مدير الهيئة قدم استقالته لاحقاً، وحاول بعض المسؤولين في الهيئة مقاضاة "جِنيّة موقف السيارات" وشقيقتها، لكن لم يجدوا أي أساس قانوني لذلك، فهما لم تفعلا ما يخالف القانون.
"جِنيّة موقف السيارات" تُغيّر قوانين المدينة وتحصل على تكريم
واصلت ليني وشقيقتها القيام بعملهما، وأيضاً قاما بحملات خيرية لملء العدادات وجمع التبرعات للأطفال المشردين. كما ساعدت أصحاب الدخل المحدود، والذين كانت سياراتهم بحاجة للتصليح.
وأخيراً بعد حملة ضغط كبيرة قام بها محبو "جِنيّة موقف السيارات" عام 1998، تم تغيير القوانين في المدينة، ولم يعد فرض الغرامات ضمن سلطة "هيئة وقوف السيارات"، وإنما من سلطة الشرطة فقط.
تقاعدت بعدها "جِنيّة موقف السيارات" وشقيقتها، وأحرقا أجنحتهما في احتفال خارج قاعة البلدية. وقدم ممثل الولاية هدية إلى "ليني باسو" و"سوزان" مقابل أعمالهما الخيرية.في عام 2006 توفيت "جِنيّة موقف السيارات"، عن عمر يناهز 47 عاماً بسبب المرض، لكن أسطورتها بقيت حية، وتم تسمية مرآب سيارات من عدة طوابق لوقوف السيارات باسمها، كتذكير يومي لسكان المدينة، بواحدة من أكثر حوادث الاحتجاج طرافة على الإطلاق.