ليس عمر الخيام شاعراً وفيلسوفاً وحسب، بل هو أحد أكبر علماء الرياضيات في عصره، واشتهر بالجبر وعلوم الفلك. وقد عمل على تحديد التقويم السنوي الهجري وفق النظام الشمسي، والذي يُعرف اليوم بالتقويم الفارسي.
يُعتبر الخيام من الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي؛ ففي حين يراه البعض رجلاً متصوفاً وعالماً متأملاً، اتهمه آخرون بالإلحاد والزندقة، بسبب الفَهْم الخاطئ لفلسفته.
أُحرقت كتبه، ولم يصلنا منها سوى الرباعيات. غير أن الخيام كان عالِماً مُلمّاً ومُبدعاً، أكثر بكثير من كونه شاعراً. وضياع كتبه في الرياضيات والفلسفة حَرَمَ الإنسانية من الاطّلاع على ما قاله في الفلسفة ووضعه في علوم الجبر.
اسمه الكامل غياث الدين أبو الفتوح عمر بن إبراهيم الخيام. كان والده صانع خيام، فاشتُقَّ اسمه من حرفته.
اختلف المؤرخون حول تاريخ ومكان ميلاد عمر الخيام؛ لكن وفقاً لموقع "مفكرون"، فإن البعض يقول إنه وُلد منتصف القرن الخامس الهجري في قرية شمسباد، التابعة لمدينة بلخ.
بينما يذكر آخرون أنه نيسابوري الأصل، ووُلد في نيسابور (التابعة لإيران حالياً) عاصمة خراسان عام 1040م، في عهد أرطغرل، أول ملوك السلاجقة. ويُرجح أن يكون ذلك أقرب إلى المنطق، لأنه عاش وتعلّم في مدارس نيسابور ومعاهدها، وتتلمذ على يد كبار علمائها.
كان صديقاً لوزير السلطان
كانت نيسابور في ذلك العصر مصدراً للمعرفة في مختلف المجالات العلمية، وفيها مدرسة مشهورة باسمها (مدرسة نيسابور)، حيث درس الخيام الرياضيات والهندسة والفقه وعلوم الحديث واللغة.
تتلمذ على يد الحكيم أبي الحسن الأنباري، وهو عالم في الهندسة والفقه، وعلى يد الحكيم ناصر الدين محمد منصور الذي علّمه المنطق والفلك والرياضيات.
وأشار موقع "أستروبيا" إلى أن الأساتذة الأوائل لعمر الخيام، بعدما لاحظوا وتأكدوا من مواهبه المتعددة، أرسلوه للدراسة لدى أعظم معلّم في منطقة خراسان: الإمام موفّق نيسابوري، الذي كان يُدرّس أولاد النبلاء.
بعد استكمال دارسته في نيسابور، سافر عمر الخيام إلى مدينة بخارى في العام 1068، حيث كان يتردّد على "مكتبة الفلك" العريقة؛ ثم انتقل سنة 1070 إلى مدينة سمرقند في أوزبكستان، حيث كان يعمل "أبو طاهر"، حاكم ورئيس القضاة في المدينة.
وقد كتب الخيّام في السنة ذاتها أعماله الجبريّة الأكثر شهرة، وأطروحته "رسالة في براهين الجبر والمقابلة" التي كانت مكرّسة لمعلّمه القاضي أبو طاهر.
وفي عام 1073، انتقل عمر الخيّام للعيش بمدينة أصفهان، بدعوة من صديقه الحميم الوزير نظام الملك، الذي أراد أن تستفيد مراكز التعليم والمكتبات من علمه. كما أصبح فيما بعد مستشاراً للسلطان ملك شاه الأوّل في علم الفلك، الذي سمح له بإنشاء مرصدٍ في أصفهان والعمل فيه.
ولكن بعد وفاة ملك شاه الأوّل وتولي ابنه سنجار الحكم، رحل عمر الخيام إلى مدينة ماري في تركمانستان -التي جعلها سنجار عاصمة دولة السلاجقة- وأنشأ فيها مركزاً للتعليم الإسلامي والدنيوي. فازدهرت، بتلك المدينة، مساهمات عمر الخيام في مجال الرياضيات.
أول من استخدم كلمة x للدلالة على العدد المجهول
برع الخيام كثيراً في الرياضيات، فهو أوّل من اخترع طريقة حساب المثلثات ومعادلات جبرية من الدرجة الثالثة بواسطة قطع المخروط.
ويمكن القول إنه أول من استخدم كلمة "شيء"، للدلالة على الكلمة التي رُسّخت لاحقاً في الكتب العلمية بـ(Xay)، وما لبث أن استبدلت تدريجياً بالحرف الأول منها "X" الذي أصبح رمزاً عالمياً للعدد المجهول.
كما كان عمر الخيام ممن حققوا في المسلّمة الموازية لإقليدس، ومن هنا جاء بفكرة الشكل الرباعي ذي الجانبين المتطابقين والمتعامدين مع القاعدة؛ مُدركاً أنه في حال إمكانية إظهار أنّ الزاويتين المتبقيتين كانتا زاويتين قائمتين، يُمكنه إثبات الفرضية الموازية. فأصبح سؤاله حول الشكل الرباعي هو الطريقة القياسية لمناقشة الفرضية الموازية.
ويعتبر بعض المؤرخين أن عمر الخيام رائد في اختراع الهندسة التحليلية، قبل الفرنسي رينيه ديكارت بنحو خمسة قرون، بالنظر إلى مقاربته الهندسية من أجل حلحلة معادلات جبرية.
مؤسّس التقويم الفارسي الأكثر دقة من التقويم الميلادي
أسّس عمر الخيام التقويم الفارسي الشهير، الذي تعتمده إيران حتى اليوم، بعدما طلب منه السلطان ملك شاه إنشاء مرصدٍ فلكي كبير في أصفهان لمراقبة السماء، وموّله، وفرز له نخبة من المختصين في علم الفلك اختارهم الخيام بنفسه.
والتقويم الفارسي، ويُسمّى أيضاً التقويم الجلالي (نسبةً إلى جلال الدولة ملك شاه سلطان السلاجقة)، هو تقويم هجري شمسي مداره الأبراج الفلكية التي تمرّ فيها الشمس. ولكل برج فلكي 30 درجة قوسیة على مسار الشمس، فيما تمرّ الشمس ببرجٍ واحدٍ في كل شهرٍ شمسي.
وتبدأ السنة بالتقويم الفارسي في 1 الحمل، الموافق لـ21 مارس/آذار من السنة الميلادية، يوم عيد "النوروز" الذي يُحتفل به في إيران تزامناً مع بداية فصل الربيع.
خلال عمله في ذلك المرصد، توصّل عمر الخيام إلى تحديد السنة الشمسية بـ365.2422 يوماً. ووفقاً للمؤرخ العلمي الأمريكي من أصل بلجيكي جورج سارتن، فهي أكثر دقة من سنة التقويم الغريغوري (أي الميلادي) المتعامل به حالياً في معظم دول العالم، وهو عبارة عن 365.2425 يوماً.
رباعيات عمر الخيام
رغم براعته وعبقريته في كثير من العلوم، فإنّ عمر الخيام اشتهر عند العرب بالشعر، وتحديداً في النوع المُسمى بـ"الرباعية".
وتُعرف الرباعيات بأنها وحدة أدبية مستقلة قائمة بذاتها وليست لها علاقة بالأبيات من قبلها أو بعدها، وهي من أقصر القوالب الشعرية في الأدب الفارسي لكنها تحمل معاني، ومضامين فلسفية ووجودية عميقة.
وتتكون الرباعية من أربعة أبيات. وفيها، إما أن تتفق قافية البيتين الأول والثاني مع الرابع، أو تتفق جميع الأبيات الأربعة في القافية.
نظم عمر الخيام رباعياته باللغة الفارسية، وتُرجمت إلى معظم لغات العالم ومنها العربية شعراً ونثراً.
أوّل ترجمة للرباعيات كانت للغة الإنجليزية، من قِبل البريطاني إدوارد فتزجيرالد سنة 1859. أما الترجمة العربية من الفارسية، فتولاها الشاعر المصري أحمد رامي سنة 1950، الذي كان يجيد اللغة الفارسية بعدما درسها في معهد اللغات الشرقية بالعاصمة الفرنسية باريس. وهناك ترجمة أخرى للشاعر العراقي أحمد الصافي النَجَفي.
لم يفكِّر أحد ممَّن عاصر الخيام في جَمع الرباعيات، لذا فإن أول ظهورٍ لها كان عام 865 هـ، أي بعد رحيله بثلاثة قرون ونصف. ولعلّهم كانوا يخشون جمعها لما حوته من جُرأةٍ وحكمة.
وأوضحت موسوعة "المعرفة" العربية أن رباعيات عمر الخيام قد تعرضت مع مرور السنوات لكثير من الحذف والتبديل والتحوير والزيادة، وأن بعضها اختلط ببعض، فأصبح من المتعذر التمييز بين الأصيل والدخيل.
ولفتت الموسوعة إلى أن رباعياته لم تكن مرتبة، لكنها رُتبت فيما بعد حسب القافية، فضاع تسلسل أفكار الرجل، ولم تعد تقدم صورة عن تطور فكره وآرائه زمنياً. "فاختلط المتفائل منها بالمتشائم، والقدري بالمتصوف، والتقيّ بالمستهتر، وهي بكاملها تشير إلى نفسٍ قلقة حائرة تبحث عن الهدوء والحقيقة في هذا الوجود".
ويظهر في رباعيات عمر الخيّام تأثر واضح بلزوميات الشاعر والفيلسوف العربي أبي العلاء المعري وأفكاره، الذي اشتهر بمؤلفه "ديوان اللزوميات" واستعرض من خلاله نظرته لمختلف نواحي الحياة.