حين تم تشخيص زوج الممرضة، جوي ميلن، من اسكتلندا بمرض باركنسون، دخلت الأسرة في "دوامة سلبية"، بسبب معاناة الزوج مع المرض لأكثر من 20 عاماً، وكانت الزوجة تشعر بالحزن حين توفي زوجها عام 2015 عن عمر يناهز 65 عاماً، لأنها تقول إنها اكتشفت رائحة المرض قبل حوالي عقد من الزمان من تشخيص الأطباء لمرض زوجها.
وقالت: "لو كنا نعلم، كانت الأمور ستختلف بشكل كبير، حقيقة أنه أصبح منعزلاً، متحفظاً، كان يعاني من نوبات من الاكتئاب وتقلبات مزاجية، إذا كنت قد فهمت ما يحدث، لكان قد غير نظرتنا الكلية للحياة"
لكن جوي قررت ألا يتكرر ما حدث لها مع الآخرين، وقررت مساعدة الباحثين، في تطوير أول اختبار يشخّص المرض في 3 دقائق فقط.
حالة وراثية منحتها حاسة شم خارقة
بعد فترة زواج دامت 10 سنوات، بدأت الممرضة جوي ميلن من اسكتلندا، تشم رائحة كريهة على زوجها، خاصة حول كتفيه ورقبته، ولم يستطع أحد غيرها أن يشم تلك الرائحة، وبسبب انزعاجها المستمر من الرائحة، قررت إجراء بعض الفحوصات، فاكتشفت أن لديها حالة وراثية تسمى "فرط حاسة الشم الوراثي".
تمكنها هذه الحالة من إدراك الروائح بشكل أكبر بكثير من الآخرين، ولكن لم تجد تفسيراً لتلك الرائحة المميزة على زوجها، فقررت تجاهل الأمر، وبعد 12 عاماً، وبينما كانت الرائحة لا تزال موجودة، بدأت تلاحظ أن زوجها يعاني من تقلبات مزاجية، وعندما ذهب الزوجان إلى الطبيب، تم تشخيص الزوج بمرض باركنسون.
قرر الزوجان المشاركة في مجموعة دعم المصابين بمرض باركنسون، وفي أول اجتماع مع أشخاص آخرين مصابين بنفس المرض، بدأت جوي تشم نفس الرائحة على المرضى الآخرين، حينها اتضح كل شيء، وعرفت جوي أن تلك الرائحة كانت "رائحة مرض باركنسون".
حين أخبرت جوي طبيب زوجها بالأمر، قام الطبيب بالاتصال بأستاذ في جامعة إدنبرة لمعرفة كيف يمكن استخدام موهبتها في المجتمع الطبي، لكن قبل كل شيء كان عليهم التأكد من صحة ادعائها ومدى دقة قدرتها على تحديد رائحة مرض باركنسون.
طُلب من 12 شخصاً المشاركة في التجربة، كان 6 منهم مصابين بمرض باركنسون، و6 أشخاص سليمين، طُلب من الجميع ارتداء قميص لمدة يوم كامل، ثم إعطاء هذه القمصان للسيدة جوي ميلن دون أن تلتقي بالمشاركين، من أجل أن تقوم بتحديد الأشخاص المصابين عن طريق شم القمصان فقط.
وكانت اجاباتها صحيحة في 11 حالة وكانت مصرّة على أن المصابين هم 7 وليسوا 6 فقط، فقرر الأطباء أنها أخطأت في نتيجة فقط، أو هكذا ظنوا، لأن الشخص السليم الذي قالت عنه إنه مصاب، تم تشخيصه بمرض باركنسون بعد 8 أشهر من هذه التجربة.
العلم يفسر قدرة جوي ميلن على شم رائحة مرض باركنسون
أظهرت أبحاث لاحقة، أن عدداً من المركبات، خاصة حمض الهيبوريك، الإيكوزان، والأوكتاديكانال، تم العثور عليها بتركيزات أعلى من المعتاد على جلد المصابين بمرض باركنسون.
وهي موجودة في "الزهم"، وهو إفراز دهني يغطي بشرة الجميع، ولكن غالباً ما تُنتج تلك المركبات بكميات أكبر، من قبل الأشخاص المصابين بمرض باركنسون، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بحالة جلدية تسمى التهاب الجلد الدهني، التي ينتج عنها تلك الرائحة التي لا يتمكن سوى من يتمتع بقدرة مشابهة لقدرة جوي على اكتشافها.
وفي شهر سبتمبر/أيلول عام 2022 وبعد سنوات من البحث، تمكن الباحثون في جامعة مانشستر بمساعدة جوي ميلن، من التوصل لطريقة جديدة يقولون إنها يمكن أن تكتشف المرض في 3 دقائق، ويزعمون أن الطريقة الجديدة دقيقة بنسبة 95% في ظل ظروف المختبر، عندما يتعلق الأمر بمعرفة ما إذا كان الناس يعانون من مرض باركنسون.
وتقول البروفيسور "بيرديتا باران"، من كلية الكيمياء بجامعة مانشستر: "ما قد نأمله هو إذا تمكنا من تشخيص الناس في وقت مبكر، قبل ظهور الأعراض الحركية، سيكون هناك علاجات يمكن أن تمنع انتشار المرض، وهذا هو الطموح النهائي حقاً".