على أنقاض الدولة الغورية (المملوكية) في الهند، قامت دولة وليدة تدعى "الدولة الخلجية"، لم يكتب لهذه الدولة العمر المديد، فقد استمرت 30 عاماً فقط حكم فيها 4 سلاطين كان أبرزهم علاء الدين الخلجي.
وعلى الرغم من أن الغدر كان طريق السلطان علاء الدين إلى العرش إلا أن المسلمين في عهده عاشوا الأمن والرخاء، كما أن فتوحاته امتدت لتشمل أجزاء واسعة من شبه القارة الهندية.
لكن لماذا اعتبر أتباعه بمثابة "الخلفاء الراشدين" وكيف انتهت أحلامه بأن يكون "الإسكندر الثاني"؟
علاء الدين الخلجي.. الغدر طريقه إلى العرش
صاحبنا علاء الدين الخلجي كان ابن أخ سلطان الهند جلال الدين فيروز شاه، كما كان زوج ابنته كذلك.
استولى السلطان جلال الدين على العرش وهو في السبعين من عمره، وحكم في فترة كثر فيها الطامعون من حوله، وبسبب حسن ظنه بأتباعه لم يحكم أكثر من 6 سنوات، تمكن بعدها ابن أخيه علاء الدين من الانقلاب عليه. فقد قام علاء الدين بدعوة عمه إلى مكان إقامته بحجة عرض بعض الغنائم الثمينة عليه، وبينما كان السلطان في الطريق بعث علاء الدين إليه من يقتله.
بعد ذلك، زحف علاء الدين بجيشه إلى دلهي، ليقاتل أنصار السلطان المغدور الذين تزعمتهم زوجة السلطان التي نادت بابنها ركن الدين إبراهيم خلفاً لأبيه، لكن علاء الدين تمكن من دخول دلهي منتصراً وأجبر زوجة عمه وابنها على الفرار ونصب نفسه سلطاناً عام 1295.
السلطان الطموح يحارب المغول
على الرغم من أن علاء الدين كان قد استولى على العرش بالقوة إلا أنه كان سلطاناً قوياً طموحاً ساهم في إعلاء راية الإسلام في شبه القارة الهندية، وكانت الحرب مع المغول أول ما افتتح به عهده.
اتجه علاء الدين في البداية إلى زيادة تحصين دولته فأقام سلسلة من الحصون على حدوده الغربية التي كانت مهددة بهجمات المغول، كما زود الحدود بالجند والسلاح، مع ذلك فإن تلك التحصينات لم تحُل دون هجمات المغول على الهند فقد توالت حملاتهم عليها بالرغم من الخسائر الفادحة التي كانوا يتكبدونها على أيدي قوات السلطان علاء الدين.
ففي عام 1298 على سبيل المثال، سار سلطان المغول "قتلق خواجه" على رأس جيش ضخم مهاجماً الحدود الهندية، لكن السلطان علاء الدين تصدى له وألحق به هزيمة قاسية، لكن تلك الهزيمة لم تمنع المغول من متابعة الهجوم مرة تلو الأخرى، إلى أن تمكن القائد الخلجي "غياث الدين تغلق" من القضاء على خطرهم بشكل نهائي.
هو الإسكندر الثاني وأتباعه بمثابة الخلفاء الراشدين
لم تقتصر إنجازات السلطان علاء الدين الحربية على صد هجمات المغول فحسب، فقد كان السلطان يطمح باستكمال فتح شبه القارة الهندية بشكل تام، فخاض عام 1299 حروباً دامية لفتح حصن "رنتنبهور" أعظم حصون إقليم "راجبوتانا" الذي دخل بعد مقاومة طويلة تحت طاعة السلطان الخلجي.
ثم فتح بعد ذلك إمارة "موار"، على الرغم من أنها كانت منيعة بقلعتها الحصينة المنحوتة في الصخر والواقعة على قمة جبل عال، ثم استولى بعدها على "ملوة" و"أوجين" و"دهري نجري"، ومع بدايات عام 1306 كان السلطان علاء الدين الخلجي قد فتح بلاد "الهندستان" كلها من "البنغال" إلى "البنجاب".
لم يكتفِ السلطان علاء الدين الخلجي بذلك بل تابع فتوحاته لتشمل أقاليم "ملوة" و"الكجرات" و"ديوكر"، وبعث أفضل قادته ويدعى "كافور" ليكون على رأس حملة هائلة تمكنت من فتح الجنوب الهندي كله عام 1310.
حقق علاء الدين ما لم يحققه غيره من السلاطين الخلجيين، ففتح مساحات واسعة من الأراضي وغنم الكثير من الكنوز والأموال في حروبه كما درأ عن بلاده خطر المغول، فغرته تلك الانتصارات التي حققها ولقب نفسه بـ"الإسكندر الثاني" وحلم بفتح العالم بأسره كما فعل الإسكندر المقدوني، وسرح السلطان بخياله إلى ما هو أبعد من ذلك، فصرح بأن أتباعه هم بمنزلة الخلفاء الراشدين.
لكن عمه القاضي علاء الملك لم يسمح له بالمضي في أحلامه الضالة، وعكف على تذكيره بأن عهد النبوة قد انتهى، وبأنه لا يحق له تسمية أتباعه بالخلفاء الراشدين، إلى أن عاد إلى رشده أخيراً وتراجع عما هو فيه.
قطع لحم التجار المطففين
بعيداً عن الشؤون الحربية كان للسلطان علاء الدين الخلجي أثر إيجابي فيما يخص الإصلاحات الداخلية في الدولة أيضاً، فبعد أن أنهكت الحروب والفتوحات جيشه، وأعطى أذنه لنصيحة عمه القاضي، قرر السلطان التفرغ لشؤون البلاد الداخلية والعمل على زيادة رفاهية السكان.
فوضع نظماً إدارية ومالية حاسمة ساهمت في إصلاح مملكته، وزيادة الأمن والرخاء فيها.
وعرف السلطان علاء الدين على وجه الخصوص بتشديد رقابته على الأسواق؛ مما ساهم في رواج التجارة ورخص الأسعار، فبلغت شدته في معاقبة التجار المطففين والمدلسين بأنه كان يأمر أن يقطع قطعاً من لحم التاجر المطفف وهو حي فتوضع في الميزان في الأسواق العامة ليكون عظة لغيره من التجار فلا يجرؤ أحد على غش الزبائن والتلاعب بالميزان أو الأسعار.
وحين كانت البلاد تمر بشدة اقتصادية أو كارثة تفسد محاصيل المزارعين، كان السلطان علاء الدين الخلجي يفتح خزائن دولته فيغدق منها على التجار والمزارعين المتضررين فلا يتأثر الناس بارتفاع الأسعار لقلة البضائع المعروضة.
ويذكر أيضاً أن السلطان الخلجي أسبغ رعاية خاصة على العلماء، وتحدث الرحالة ابن بطوطة في كتبه عما شهده من الرخاء الذي عاشه المسلمون تحت حكم علاء الدين.
نهاية الدولة الخلجية
على الرغم من أن الدولة الخلجية وصلت إلى ذروتها في عهد السلطان علاء الدين، إلا أنها كانت بداية النهاية لتلك الدولة الناشئة التي لم تصمد أكثر من 30 عاماً، فحين تقدم السلطان علاء الدين بالسن أولى أمور الحكم لقائده "كافور" الذي استبد بالحكم وقيل إنه كان سبباً في تعجيل موت السلطان عام 1316 بعد أن أصابه مرض الاستسقاء.
وبعد وفاة السلطان حرص كافور أن يجلس على العرش أحد أبناء علاء الدين الصغار كي يستعمله ستاراً يحكم البلاد من خلفه، وقد أدى ذلك إلى اشتعال الفتنة في البلاد، وانتهى الأمر بأن قام بعض الأمراء المنافسين بقتل كافور وتعيين الابن الأكبر لعلاء الدين سلطاناً على الدولة الخلجية، التي انهارت خلال فترة حكمه، على يد أحد حكام دلهي ويدعى "خسرو خان".