في تسعينيات القرن الماضي، هزّت جريمة قتل ماوريتسيو غوتشي، وريث أحد أبرز دور الأزياء الفاخرة في العالم "غوتشي"، الشارع الإيطالي، بل هزَّت عالم صناعة الأزياء والموضة بأكمله.
أُدينت باتريسيا ريجياني بجريمة قتل زوجها السابق، وريث إمبراطورية الأزياء الشهيرة، عام 1998؛ بعد مرور 3 سنوات على الجريمة. فماذا حصل؟ ولماذا قتلت ريجياني زوجها؟
4 رصاصات أودت بحياة غوتشي
في 27 مارس/آذار من عام 1995، وعندما كان ماوريتسيو غوتشي يستعدّ لإطلاق خط المفروشات الخاص به، تلقّى 3 رصاصات في ظهره وواحدة في رأسه، ما أرداه قتيلاً على الفور، ولم يكن قد تجاوز الـ46 عاماً.
قُتل غوتشي على مدخل مكتبه، وقد أثارت الجريمة المروِّعة الكثير من التساؤلات حول دوافع ارتكابها. قيل وقتئذٍ إن ماوريسيو كان مُحاطاً بالأعداء، لا سيما أبناء عمّه الذين حقدوا عليه إثر بيعه حصّته من الإمبراطوريّة العائليّة العريقة إلى شركةٍ بحرينيّة.
لكن التحقيقات قادت إلى زوجته السابقة باتريسيا ريجياني؛ لم يكن المال الحافز الأساسي لقتل غوتشي، بل الحب. وفي 31 يناير/كانون الثاني من عام 1997، ألقي القبض على باتريسيا ريجياني.
لاحقاً في العام 1998، أُدينت بالتخطيط والتآمر على قتل زوجها ماوريسيو غوتشي، وحُكم عليها بالسجن 29 عاماً؛ بعد محاكمةٍ حظيت باهتمامٍ إعلامي مكثّف، مُنحت خلالها ريجياني لقب "الأرملة السوداء".
ربطت بين ماوريتسيو وباتريسيا قصة حبٍّ عاصفة، بمجرّد أن وقعت عينه عليها. ووفقاً لموقع BBC، فقد حدث ذلك خلال حفلٍ أُقيم في ميلانو عام 1970. انبهر غوتشي بها، وراح يسأل نفسه: من هي تلك الجميلة التي تشبه إليزابيث تايلور. تُوّجت علاقتهما بالزواج، وأنجبا ابنتين، أليساندرا وأليغرا.
من هي باتريسيا ريجياني التي قتلت ماوريتسيو غوتشي؟
وُلدت باتريزيا مارتينيلي في مدينة فينيولا بمقاطعة مودينا، شمال إيطاليا. ترعرعت في بيئةٍ فقيرة من دون أن تتعرّف إلى والدها البيولوجي. تزوّجت والدتها من رجل أعمالٍ ثري، يُدعى فيرديناندو ريجياني، الذي تبنى باتريسيا ومنحها اسم عائلته عندما كانت في الـ12 من عمرها.
التقت باتريسيا بماوريتسيو حين كانت في الـ22 عاماً؛ كان حينها الوريث الشرعي لدار أزياء "غوتشي" العريقة، وقد عاشا قصة حبٍّ عاصفة على مدى سنتين، قبل أن يتزوّجا في العام 1972، وينتقلا إلى نيويورك.
عارض والد ماوريتسيو، الممثل رودولفو غوتشي، زواج ابنه الوحيد في البداية. وبحسب بعض المراجع، عُرفت باتريسيا بـ"الجشع"، وبأنها تدفع بماوريسيو نحو تولّي زمام الأمور في "غوتشي"، في محاولةٍ لاستلامها باكراً.
ويبدو أن والده كان يُدرك ذلك، لأنه اعتبر أنها متسلّقة اجتماعياً ولا تفكر سوى بالمال، ولكنه رغم ذلك أهدى ابنه وزوجته شقة "بنتهاوس" فاخرة في البرج الأولمبي وسط نيويورك.
في الثمانينيات، كانت باتريسيا واحدة من أشهر وأرقى نساء الموضة في فلورنسا، وأصبحت ناشطة في الدوائر الاجتماعية بنيويورك، كما ظهرت بانتظام في الحفلات وعروض الأزياء، حتى أنها أصبحت صديقةً لجاكلين كينيدي.
قاتل مأجور للتخلّص من ماوريتسيو غوتشي
في العام 1982، بعد ولادة ابنتهما الثانية، عاد الزوجان إلى ميلانو. وفي عام 1985، أخبر غوتشي زوجته بأنه ذاهب في رحلة عملٍ قصيرة إلى فلورنسا، لكنه أرسل صديقه في اليوم التالي ليُخبرها بأن زوجها لن يعود وأنه قرّر الانفصال عنها.
وبالفعل، انفصل الزوجان عام 1985، بعد أن وافق غوتشي على دفع نفقة سنوية بقيمة 1.47 مليون دولار، كجزءٍ من تسوية الطلاق.
وفي العام 1993، بدأ ماوريتسيو بمواعدة باولا فرانشي -وهي إيطالية وتعمل في مجال التصميم الداخلي- ما أثار استياء باتريزيا. في ذلك الوقت، كانت باتريسيا ريجياني قد وجدت من ينفذ مهمة قتل زوجها السابق. كان صاحب مطعم بيتزا، وتقاضى منها مبلغاً يُقارب الـ300 ألف دولار.
أطلق القاتل المأجور النار على ماوريتسيو غوتشي، مُردياً إياه قتيلاً على الرصيف، بعد وصوله إلى مقرّ عمله. ووفقاً لصحيفة Telegraph، فقد كتبت باتريسيا كلمةً واحدة في مذكراتها يوم مقتل زوجها السابق: "Paradeisos"، وتعني "الفردوس" باليونانية.
ووفقاً للمدعين العامين، فإن دافع باتريزيا كان مزيجاً من الغيرة والمال واستيائها من زوجها السابق. وتوصلوا إلى أنها تطمح للسيطرة على ملكية شركة "غوتشي"، وأرادت في الوقت نفسه منع زوجها السابق من الارتباط بباولا فرانشي؛ لأن الزواج الوشيك كان سيخفض نفقتها إلى النصف.
من جهته، اعترف مالك مطعم بيتزا بقتله ماوريتسيو، وأشار إلى أنه قبل المهمة لأنه كان مُثقلاً بالديون. القاتل يُدعى بينيديتو سيراولو، وتبيّن أن باتريسيا استأجرته من خلال وسيطٍ روحاني، هو صديق باتريزيا المقرب.
حكم على ريجياني بالسجن 29 عاماً، عام 1997، بتهمة التخطيط والتآمر على قتل زوجها السابق. وبعد أن طلب محاموها إسقاط الحكم، مدّعين أن ورم دماغها قد أثر على تصرفاتها، خففت محكمة الاستئناف بميلانو الحكم -عام 2000- إلى 26 عاماً.
حاولت باتريسيا الانتحار داخل السجن بشنق نفسها، ولكن الحرّاس عثروا عليها. في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2011، أصبحت باتريسيا مؤهلة للخروج ضمن برنامج الإفراج عن العمل، لكنها رفضت قائلة: "لم أعمل في حياتي قط، وبالتأكيد لن أبدأ الآن".
لاحقاً عام 2016، وبفضل حسن سلوكها، أُطلق سراحها بعد أن أمضت 16 عاماً في السجن.
لم يمض وقت طويل على إطلاق سراح باتريسيا ريجياني من السجن، حتى ظهر طاقم تصوير من برنامجٍ تلفزيوني إيطالي دون سابق إنذار في مكان عملها بميلانو، ويبدو أنها كانت في حالةٍ مزاجية متهورة.
ووفقاً لصحيفة The Guardian، سألها المراسل: "باتريسيا، لماذا قمتِ بتوظيف قاتلٍ مأجور لقتل ماوريتسيو غوتشي؟ لماذا لم تُطلقي النار عليه بنفسك؟"، فأجابته باتريسيا: "نظري ضعيف، لم أكن أريد أن أخطئ".
قصة حبّ غوتشي وريجياني في House of Gucci
بعد أكثر من ربع قرن على جريمة القتل التي هزّت العالم، خرج فيلم House of Gucci ليروي تفاصيلها والأحداث التي رافقتها. يستند الفيلم إلى كتاب سارة غاي فوردن "دار غوتشي: قصة مثيرة عن الجريمة والجنون والبريق والجشع"، ويسرد أحداثه بطريقة تجمع المتناقضات.
الفيلم من إخراج ريدلي سكوت، وتلعب ليدي غاغا دور البطولة فيه، من خلال تجسيدها لشخصية باتريسيا ريجياني، وقد شارك فيه مجموعة من أبرز نجوم ونجمات هوليوود، مثل آدم درايفر، وآل باتشينو، وسلمى حايك، وجيريمي أيرنز.
لم يلقَ الفيلم استحسان ورثة دار الأزياء الإيطالية، فقد انتقدته العائلة في رسالةٍ نشرتها وكالة الأنباء الإيطالية ANSA. ووفقاً لموقع Variety الأمريكي، قالت العائلة في بيانها، إن الفيلم صوّرهم على أنهم "جهلة" ويفتقرون إلى مشاعر.
وجاء في الرسالة أيضاً: "تحتفظ عائلة غوتشي بالحق في اتخاذ كل مبادرة لحماية اسمها وصورتها وأحبائها، لا سيما أنه قد نُسب إلى أبطال الرواية والأحداث، سلوكيات ومواقف لا تمتّ لهم بصلة. هذا مؤلم للغاية من وجهة نظر إنسانية، وهو إهانة للإرث الذي بُنيت عليه علامة غوتشي، وما تمثله اليوم".
وكانت باتريسيا ريجياني أبدت موافقتها على أن تجسّد ليدي غاغا شخصيتها في الفيلم، ووصفتها بأنها "عبقرية"؛ لكنها ما لبثت أن عبّرت عن استيائها؛ لأن الممثلة والمغنية لم تتصل بها لمقابلتها من منطلق "الاحترام".