هل سمعت من قبل مثل "هانيبال عند البوابات"؟ كان هذا القول يستخدم في روما القديمة لتخويف الأطفال المشاغبين، وهي إشارة لأحد أبرز التهديدات التي واجهتها أقوى إمبراطورية في العالم الأوروبي القديم، فقد قرّر هذا الشاب غزو روما نفسها وحاصرها طيلة 15 عاماً.
في هذا التقرير نجمع لك 5 معلومات قد لا تعرفها عن هانيبال، ذلك القائد العسكري الذي يصنّف باعتباره أحد أعظم القادة العسكريين عبر التاريخ.
قصة هانيبال تبدأ من عند أبيه حملقار برقا
بين القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد اندلعت ثلاث حروبٍ كبرى، سميت الحروب البونية أو "البونيقية"، اندلعت بالأساس بين الإمبراطورية الرومانية وعاصمتها روما، وبين قرطاجة أو قرطاجنة وعاصمتها قرطاج في تونس الحالية.
استمرّ هذا الصراع طويلاً بين الإمبراطوريتين، في الحرب البونية الأولى كان قائد القرطاجيين هو "حملقار برقا" وهو والد هانيبال الذي جعله يغمس يديه في الدماء ويقسم بالكراهية لروما عندما كان طفلاً في التاسعة من عمره فقط.
قاد والده تلك الحرب الأولى ولم تنتهِ بانتصارٍ حاسم بين أيٍّ من الإمبراطوريتين، وربما لم يكن يعلم أنّ ابنه هانيبال (والذي يقال إنّ اسمه ينطق هاني بعل)، لم يكن يعرف أنّ ابنه سيقود الحرب البونية الثانية وسيحقّق ما لم يحققه والده، في الجانبين: الانتصارات والهزائم.
ولد هانيبال عام 247 ق. م، في شمال إفريقيا، ثمّ ذهب إلى إسبانيا التي كانت حينها مستعمرة تابعة لوالده الذي توفي عام 229 ق.م وحينها كان هانيبال في عمر الثامنة عشرة.
خلف والده زوج ابنته "صدربعل" الذي أعطى هانيبال قيادة الجيش القرطاجي، وبعدها بثماني سنوات اغتيل صدربعل فاختار القادة هانيبال قائداً لهم، وقد كان عمره حينها 26 عاماً، فتزوّج أميرةً إسبانية ليوطّد وضعه في إسبانيا، ثمّ انطلق وراء حلمه الأكبر: غزو روما. والآن لنذكر لكم بعض المعلومات التي قد لا تعرفونها عن هانيبال ومغامرته الرهيبة.
1- هانيبال عَبَر جبال الألب مع جيشه لمواجهة روما
كان من المستحيل أن يتمكَّن هانيبال من شن هجوم بحري على روما. إذ تغيّر الوضع بعد الحرب البونيقية الأولى التي قادها والده.
انتزعت روما مكانة قرطاجة بصفتها القوة البحرية المهيمنة في البحر الأبيض المتوسط، ولذا كان لا بد من شن أي هجوم براً. كان هانيبال مصمماً على عبور جبال الألب العظيمة من أجل غزو إيطاليا.
اندفع هانيبال بصحبة قواته عبر شمال إسبانيا نحو جنوب بلاد الغال (فرنسا وبلجيكا)، محارباً القبائل ومنشئاً حامياتٍ عسكرية قرطاجية.
عندما انطلق هانيبال، كان لديه نحو 80 ألف جندي، ونحو 40 فيلاً حربياً. بعض التقديرات الاخرى تشير إلى أنّ قواته كانت 90 ألف جندي من المشاة إضافةً إلى 12 ألف فارس و40 فيلاً.
على كلٍّ، قرّر هانيبال أن يبدأ رحلته في الخريف، الذي كان يُعد عالمياً أسوأ وقتٍ لمحاولة عبور جبال الألب. كان عليه أيضاً أن يتخلَّى عن معدات الحصار، لأنها ستبطئ الجيش كثيراً، أثناء عبوره من فوق الجبال.
كان العبور مجنوناً وبالغ الصعوبة، إذ أدت المعارك التي شنها هانيبال في طريقه، والظروف القاسية، إلى تضاؤل أعداد جيش القرطاجيين.
اعتُبرت هذه الخطوة ضرباً من الجنون، حتى إن أحد قادة هانيبال ادعى أنه لا يمكن الانطلاق بهذه الرحلة إلا إذا أكلوا جثث السجناء القتلى. لكنّ هانيبال فاجأ الجميع، فبعد 17 يوماً فقط، وصل هانيبال مع جيشه إلى إيطاليا.
عندما وصل هانيبال وجيشه كان لديه فقط 20 ألفاً من المشاة و6 آلاف من الفرسان.
2- حاصر هانيبال جميع أنحاء إيطاليا مدة 15 عاماً
واجه هانيبال القرطاجي أعداداً تفوق أعداد جنوده في كثير من الأحيان، إلا أنّه كان قائداً عسكرياً ماهراً، قادراً على استغلال طبيعة الأرض لمصلحته.
فمثلاً في معركة تريبيا، أخفى بعض جنوده في النهر. وعندما دخل الرومان إلى الماء، برزت قوات هانيبال المختبئة، وهاجم فرسانه من القوات الرومانية من الجانبين، وقتلوا الرومانيين.
وكانت محصلة هذه المغامرة الكبرى، أنّ هانيبال قد نجح في حصار إيطاليا 15 عاماً، حيث خاض 22 معركة كبرى خلال هذا الحصار. لكنّ الحصار هنا لا يعني أنّه نصب جيشه حول أسوار روما، وإنما أنّه حاصرها من كلّ الجهات المؤدية لها محارباً جيوشها التي ترسلها واحداً تلو الآخر
في عام 216 ق. م وقعت معركة كاناي بينه وبين الرومان، وقد شن هانيبال إحدى أفضل المناورات العسكرية في التاريخ.
بعد انضمام جيوش بلاد الغال من شمال إيطاليا إلى قواته، بلغ عدد جيش هانيبال نحو 45 ألف جندي. أرسل الرومان 70 ألف جندي، وهذا يفوق أعداد ما نشروه من قبل.
نظَّم هانيبال جيشه في تشكيلٍ هِلاليّ واضعاً وحدات بلاد الغال الأضعف في الوسط، وقدامى المحاربين الأفارقة الأقوياء على الجانبين.
هاجم الرومان المركز وبدأوا يسيطرون على الأرض، لكنّ فرسان هانيبال تغلبوا على سلاح الفرسان الروماني.
ثمّ هاجم قدامى المحاربين الأفارقة المخضرمين في جيش هانيبال قوات الرومان على الجانبين، بينما اندفع سلاح الفرسان التابع له للهجوم من الخلف. خسر الرومان في هذه المعركة وحدها 50 ألفاً من جنودهم نتيجة هذا التطويق المزدوج العبقري، بينما خسر هانيبال نحو 12 ألفاً فقط من جنده. ويُزعم أن نحو 100 رجل كانوا يقتلون كل دقيقة في معركة كاناي.
3- اختار هانيبال عدم مهاجمة روما نفسها
بعد الانتصار الكاسح في معركة كاناي التي ذكرناها الآن، كان على هانيبال اتخاذ قرارٍ مهم: هل يهاجم روما نفسها أم لا؟
وقد كان المتعارف عليه عسكرياً حينها يحتِّم عليه اغتنام الفرصة السانحة. إلا أنّه سيحتاج لمحاصرة روما إلى البقاء في مكانه لعدّة أشهر، دون أسلحة الحصار التي أجبر على التخلي عنها قبل عبور جبال الألب.
لم يعتقد هانيبال أنَّ لديه ما يكفي من القوات لحصارٍ مباشر طويل الأمد. انضم عددٌ من مدن جنوب إيطاليا إلى هانيبال. ولذا، فبالإضافة إلى الحفاظ على جيشه، كان على هانيبال الآن حماية هؤلاء الحلفاء الجدد من الهجمات الرومانية.
قرَّر هانيبال قراراً يبدو خاطئاً، وهو التوجه جنوباً لإعادة إمداد جيشه، مما أثار انتقادات من جنرالاته. وقد قال له قائد سلاح الفرسان ساخراً: "أنت تعرف كيف تنتصر يا هانيبال، لكنك لا تعرف كيف تستغل هذا الانتصار".
وبعد هذا الموقف تبنّت روما استراتيجيةً بادر بها القائد فابيوس ماكسيموس، الذي لُقِّب دكتاتوراً لورما بعد انتصار هانيبال في تراسمانيا عام 217 ق. م. تجنبت روما المواجهة المباشرة مع هانيبال برقة.
4- كان عليه أن يتخلى عن حملته في روما بعدما هاجمت عاصمته قرطاج
بعدما أذاقها هانيبال أوقاتاً عصيبة، قرَّرت روما أن أفضل طريقة للتعامل مع هانيبال هي مهاجمة عاصمته قرطاج نفسها.
كان هانيبال يخشى هذه الخطوة ويعرف أنّها ستكون نقطة ضعف، والتي تعني فقدانه السيطرة على إيطاليا. وفي الجبهة الإسبانية فاز جنرالٌ رومانيٌّ شاب اسمه سكيبيو أفريكانوس بسلسلةٍ من المعارك على الجيش القرطاجي في إسبانيا، مستعيداً سيطرة روما في عام 205 ق. م، مما أجبر القرطاجيين على التراجع. وفي العام التالي، أبحر سكيبيو عبر البحر الأبيض المتوسط.
لمواجهة الغزو الروماني استُدعِي هانيبال إلى قرطاجة، والتقى هانيبال مع القائد الروماني سكيبيو عام 202 ق. م في معركة زاما.
كان لدى سكيبيو 30 ألف جندي و5500 فارس، وقد درس جميع تكتيكات هانيبال العسكرية. وصل هانيبال ومعه نحو 47 ألف جندي، وحاول أيضاً نشر وحدة من فيلة الحرب، لكنّ القرطاجيين لم يكن لديهم الوقت الكافي لتدريبهم بصورةٍ كاملة.
كما أثار رجال سكيبيو الرعب بين الحيوانات، وأجبروها على العودة نحو خطوط هانيبال، حيث انطلقوا في حالة هياج.
كان جيش هانيبال، الذي شُلِّت قوته تماماً فريسةً سهلة لهجومٍ خلفي من سلاح الفرسان الروماني، ما أدى إلى خسارته نحو 20 ألفاً من جنده.
رضخ هانيبال في النهاية للشروط، منهياً الحرب البونية (البونيقية) الثانية. فُكِّك أسطول قرطاجة، وأفرغت خزائنها مرة أخرى بسبب الضرائب الرومانية الباهظة. كما ظلَّت إسبانيا في قبضة الرومان، وفرضت روما نفسها من جديد بصفتها القوة المهيمنة في البحر الأبيض المتوسط.
5- تعاون هانيبال في النهاية مع خصوم روما الآخرين
بعد هزيمته في معركة زاما الحاسمة، تقاعد هانيبال من الخدمة العسكرية وأصبح بدلاً من ذلك قاضياً.
ومن المفارقات أن أعداءه اتهموه بالإشراف على دفع غرامات قرطاجة لروما. على الرغم من ذلك، سنّ هانيبال سلسلة من الإصلاحات التي سمحت لقرطاجة بسداد ديونها بسرعة. ركزت هذه التغييرات على القضاء على الفساد، لكنّ المعارضين السياسيين في مجلس الشيوخ القرطاجي رأوا أن مصالحهم قد تأثرت بهذه الإجراءات وسعوا إلى عزل هانيبال.
خلال الحرب، طلب هانيبال مراراً وتكراراً من مجلس شيوخ قرطاجة إمدادات وتعزيزات، لكنّ معارضيه في مجلس الشيوخ استطاعوا تمرير رفض دعمه. على الرغم من خيانتهم، حاول هانيبال أن يفعل ما بوسعه مرة أخرى من خلال منصبه الجديد، لكنّ خصومه بدأوا يدعون أنه كان يعيد بناء قوة قرطاجة لمحاربة روما مرة أخرى.
فرّ هانيبال القرطاجيّ من المدينة عام 195 ق. م وعمره 52 بعد انقلاب أبناء بلده ضده. متجهاً نحو الشرق الأوسط، ووصل إلى البلاط السلوقي للملك أنطيوخوس الثالث، أحد أبرز ألدّ أعداء روما.
عُيِّن هانيبال مستشاراً، لكنّ السلوقيين كانوا قلقين في البداية من منحه نفوذاً عسكرياً. عندما هزمت روما السلوقيين عام 189 ق. م، فر هانيبال لتجنب القبض عليه.
6- توفي هانيبال في بيته متجرعاً السمّ
وصل هانيبال في النهاية إلى بلاط بروسياس الأول ملك بيثينية (تقع في تركيا الحالية)، منحه الملك ملاذاً. وفي عام 183 حاصر الرومان هانيبال، الذي كان يعيش في قرية ليبيسة في الريف البيثيني.
وافق الملك بروسياس على تسليم هانيبال إلى الرومان. عندما أحاط الجنود بمنزله، فكر هانيبال في خياراته المتاحه، ويُقال إنه قال حينها: "لنُخلِّص الرومان من خوفهم من هذا الرجل العجوز المزعج"، وتجرّع السمّ بنفسه.
وقد ترك هانيبال إرثاً لا يُمحى على صفحات التاريخ. فقد كان الجنرالات الرومان مثل سكيبيو، الذي أصدر عفواً عن هانيبال بعد معركة زاما، يحترمه بشدة. كما كان لدراسات سكيبيو لتكتيكات هانيبال أثر كبير في تطوير الاستراتيجية العسكرية الرومانية لعدة قرون. وصنَّف جنرالات بارزون مثل نابليون هانيبال أنه أحد أعظم القادة في التاريخ العسكري.
وعلى الرغم من اندلاع الحرب البونيقية الثالثة بعد نحو 30 عاماً، مثَّل هانيبال نهاية تهديد قرطاجة لروما في البحر الأبيض المتوسط، فقد هزمت قرطاجة في الحرب الثالثة للمرة الأخيرة. لكنّ هانيبال أثبت أنه عدوٌّ جدير لا يُنسى لأقوى إمبراطورية في العالم القديم.