توفى صباح الجمعة 26 فبراير/شباط المستشار المصري طارق البشري عن 88 عاماً، بعد إصابته هو وزوجته بفيروس كورونا منذ أيّام. للمستشار طارق البشري تاريخ طويل في مجال القانون والتشريع والفقة والتاريخ، وكذلك مواقف فكرية وسياسية واضحة، مثل رفضه تحرّك الجيش المصري يوم 3 يوليو/تموز لإطاحة الرئيس المنتخب محمد مرسي، وتفنيده ما حصل دستورياً باعتباره انقلاباً عسكرياً.
المستشار طارق البشري.. ابن عائلة عريقة في التاريخ والقانون
أوّل ما يطالعنا عن طارق البشري أنّه سليل عائلة لها تأثيرها الكبير في "التشريع" الدستوري والقانوني والفقهي في مصر، فجدّه لأبيه كان الشيخ سليم البشري وهو شيخ المالكيّة في الأزهر، بل وأصبح شيخاً للأزهر الشريف مرتين. ويسجّل لنا موقع دار الإفتاء المصرية موقفاً لهذا الشيخ في مواجهة خديوي مصر.
كان الشيخ سليم البشري من ضمن علماء الأزهر الذين أصبحوا أعضاءً في مجلس إدارة الجامع الأزهر مع الشيخ محمد عبده. وبعد وفاة شيخ الأزهر عبدالرحمن النووي وقع الاختيار عليه ليصبح شيخاً للأزهر، وتولّى منصبه عام 1899، وكانت فترة مشيخته للأزهر تلك 4 سنوات فقط، انتهت باستقالته.
كان الشيخ سليم البشري قد اختار الشيخ أحمد المنصوري شيخاً لأحد أروقة الجامع الأزهر، لكنّ الخديوي لم يكن راضياً عن هذا الشيخ فطلب من الشيخ سليم البشري عدم تعيينه فتمسّك الشيخ برأيه، ومع الضغوط قرّر تقديم استقالته من منصب شيخ الأزهر طالما أنّه لن يستطيع تعيين الشيخ المنصوري.
قدّم الشيخ استقالته فقُبلت في اليوم التالي مباشرةً، ولكنّه عاد للمشيخة عام 1909 واستمرّ فيها هذه المرة حتى وفاته عام 1916.
طارق البشري على خُطى جده سليم
أصبح والده عبدالفتاح البشري رئيساً لمحكمة الاستئناف حتّى وفاته عام 1951، أمّا أحد أعمامه وهو عبدالعزيز البشري فقد كان أديباً.
تخرّج طارق البشري في كلية الحقوق في جامعة القاهرة عام 1953، وقد عيّن بعدها في مجلس الدولة المصري، وظلّ يعمل فيه حتّى أصبح نائباً لرئيس مجلس الدولة، وحتّى استقالته من منصبه عام 1998. ويذكر بعض المقربين من المستشار أنّه كان المفترض أن يصبح رئيساً لمجلس الدولة مباشرةً، لكنّ مواقفه أثناء نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك منعته من ذلك.
ويبدو أنّ المستشار طارق البشري قد ورث بعض مواقف جدّه. فبعد أن كان مختلفاً مع توجهات نظام مبارك، أصبح من أكبر مؤيدي ثورة 25 يناير التي اعتبرها ثورةً على الاستبداد وتدشيناً لحقبة جديدة في مصر، وهكذا تمّ اختياره بعد الثورة رئيساً للجنة التعديلات الدستورية عام 2011.
وعندما أطاح الجيش المصري الرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013، كتب المستشار طارق البشري مقالين في جريدة الشروق، أولهما بعنوان "الصراع القائم الآن هو بين الديمقراطية والحكم والانقلاب العسكري وليس بين الإخوان ومعارضيهم"، وبعدها بأيام كتب مقالاً آخر بعنوان "ما معنى الانقلاب العسكرى؟" يفصّل فيه لماذا أنّ ما حدث في مصر هو انقلاب عسكري، وانقلاب على دستور شرعي.
كان رأي المستشار البشري حينها أنّ الإخوان لم يحسنوا التعامل مع الدولة، ولم يحسنوا التعامل مع تفكيك منظومة الاستبداد، بينما راح التيار الليبرالي واليساري للتحالف مع مؤسسة الجيش التي كان يجب أن تظلّ بعيدة عن السياسة.
وهكذا ظلّ المستشار طارق البشري على موقفه حتّى وفاته.
إسهام فكري كبير
لم تكن هذه المواقف التي تحدثنا عنها سابقاً، والتي كانت قاسماً مشتركاً بين المستشار طارق البشري وجده شيخ الأزهر الشيخ سليم البشري هي الوحيدة المشتركة، فقد كان هناك إسهامٌ فكري و"شرعي" أضافه البشري، كما فعل جدّه.
تنوّعت كتابات البشري بين النطاق الدستوري باعتباره فقيهاً دستورياً وبين النطاق الدستوري/الفقهي، باعتبار أنّ مصر دولة إسلامية وهناك مساحات تقاطع بين القانون والشريعة.
كما كان له أيضاً إسهام في تأطير ما سمّاه "التيار العام للأمة المصرية"، في هذا التيار العام الكثير من الاختلافات و"التعددية" لكنّه تيار عام يجمع داخله كامل التيارات السياسية في مصر، وينطلق من نقاط عامّة لا تختلف عليها التيارات السياسية المصرية.
وقد شغله أيضاً السياق التاريخي/السياسي للأقباط في مصر، ومدى وطريقة مشاركتهم في الحياة السياسية المصرية، كما شغلته أيضاً الديمقراطية في مصر، فلديه كتابان عن علاقة نظام يوليو/تموز 1952 بالديمقراطية. كما أنّ لديه كتباً في التاريخ المصري خصوصاً في فترة حزب الوفد وسعد زغلول والنضال ضدّ الاستعمار البريطاني.
وبطبيعة الحال، كشخصٍ عاش في الحقبة الناصرية وتطوّرت أفكاره خطوةً بخطوة خصوصاً بعد هزيمة عام 1967 عندما كتب مقالته "رحلة التجديد في التشريع الإسلامي"، فقد كان مهتماً أيضاً بالعروبة والإسلام والعلاقة بينهما، وهكذا ألّف كتابه "بين العروبة والإسلام".