هل سمعتم بالطيّارة الأمريكية أميليا إيرهارت، التي كانت أول امرأة تحاول الطيران بمفردها لعبور المحيط الأطلسي عام 1937، مدفوعة بشغفها وحبها للاكتشاف، لتختفي هي وطائرتها في المحيط، ويصبح مكان وفاتها لغزاً حيَّر الباحثين.
فماذا عن الملك المسلم الذي سبقها في ذلك بقرون وحاول الإبحار وعبور المحيط الأطلسي في القرن الرابع عشر؟ وأصبح أيضاً مصيره لغزاً حيّر الباحثين عبر التاريخ.
مانسا أبوبكر يتنازل عن عرش إحدى أغنى الإمبراطوريات في التاريخ، ليختفي هو وأسطوله أيضاً في المحيط في سبيل الاكتشاف والمغامرة، فهل وصل هذا الملك إلى الأمريكتين قبل كريستوفر كولومبوس بعقود؟ دعونا نتعرف معاً على هذا الملك المسلم من إمبراطورية مالي، ورحلته لاكتشاف الطرف الآخر من العالم.
أبوبكر مانسا.. الملك الطّموح يتخلى عن العرش
كان مانسا أبوبكر أو أبوبكر مانسا حاكماً في القرن الرابع عشر لإمبراطورية مالي الضخمة في غرب إفريقيا. وتعني كلمة مانسا الملك أو الإمبراطور أو السلطان. وقد كانت مالي في تلك الحقبة إمبراطوريةً ثرية في ذروة ازدهارها وقوتها، بل يعتقد بعض الباحثين أنها كانت أقوى الإمبراطوريات و أغناها وأكبرها على الإطلاق.
حيث إن المنطقة كانت وما زالت غنية بالذهب الذي كان حاضراً بقوّة في القصص التي رويت عن خليفة أبوبكر، واسمه مانسا موسى، الذي أغدق بالذهب على شعب مصر ومكة عند زيارته لهما وقيامه بمناسك الحج.
ويعتبر البعض مانسا موسى أغنى رجل في التاريخ. كما يشيرون إلى أن إمبراطورية مالي كانت تغطي كل إفريقيا الغربية تقريباً، ما يدلّ على قوتها ونفوذها العظيم.
أمّا الملك مانسا أبوبكر الذي وإن لم نعرف الكثير عن حياته وحكمه، فإنّ المؤرخين والباحثين يعرِّفونه بالملك الطموح الذي تنازل عن عرشه وأبحر في المحيط الأطلسي حباً منه للاكتشاف والبحث.
لطالما فكّر أبوبكر وهو يسير على شواطئ إمبراطوريته بعبور المحيط الأطلسيّ لمعرفة ما إذا كان له ضفةٌ أخرى أم لا؟
قصة الملك أبوبكر يرويها خلفه مانسا موسى
يشير المؤرخ السوري، شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري، مؤلف الكتاب الموسوعي "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار"، أنّه التقى مانسا موسى، خليفة أبوبكر في القاهرة. ويروي لنا العمري عن أبوبكر مانسا، بعدما روى له موسى مانسا قصته.
جهّز أبوبكر 200 سفينة مملوءة بالرجال، ونفس العدد مزوّد بالذهب والماء والمؤن يكفيهم لسنوات ليبحرو ويستكشفوا الضفّة الأخرى من المحيط الأطلسي.
غادرت السفن ومرّت فترة طويلة قبل أن يعود أي شخص أو أي سفينة من تلك البعثة، ثمّ عادت سفينةٌ واحدة، وأخبر قبطانها أبوبكر أنّ السفن واجهها تيارٌ قوي أثناء إبحارها، وابتلع التيار السفن التي حاولت التقدم أكثر واختفت فيه، ولم تنجُ سوى سفينة واحدة لم تتقدم لذلك المكان وهي سفينة ذلك القبطان.
لم يحدّ ذلك من رغبة أبوبكر في اكتشاف ما بعد المحيط، بل قام بتجهيز ألفي سفينة هذه المرّة، ألف سفينةٍ لنفسه وللرجال الذين أخذهم معه، وألف سفينةٍ أخرى للمياه والغذاء والإمدادات. وفق ما ذكره الباحث المالي Gaoussou Diawara في كتابه الذي يحمل عنوان "ملحمة أبوبكر الثاني"
وترك ابن اخته مانسا موسى لينوب عنه، وتنازل له عن العرش وانطلق مبحراً في المحيط الأطلسي مع رجاله. وكانت هذه آخر مرة يرى فيها موسى مانسا خاله أبوبكر أو سمع عنه. وهكذا أصبح مانسا موسى ملكاً لإمبراطورية مالي الواسعة، ليصبح لاحقاً أغنى رجل على الإطلاق في التاريخ.
إلى أين وصل أبوبكر مانسا؟
بعض المؤرخين والباحثين في التاريخ لم يتوقفوا عند رواية العمري، وقد كانت لهم استنباطاتٌ أخرى من الرواية. فقد توصَّل بعضهم إلى أنّ أبوبكر لم يُبحر فقط عبر المحيط الأطلسي وانتهت رحلته، بل من الممكن أن يكون قد وصل إلى الأمريكتين. وقد تم تقديم بعض الأدلة التي يبدو أنها تدعم مثل هذه الافتراضات، وسنذكر بعضها.
وفقاً لبعض التخمينات فقد هبط أبوبكر الثاني عام 1312 على ساحل البرازيل، في المكان المعروف اليوم باسم مدينة ريسيفي، إلا أنّ تلك الروايات ليست أكيدة، ويحاول بعض الباحثين دعمها بأدلّة حيّة. فاسم منطقة ريسفي الآخر هو Purnanbuco، الذي يعتقد أنه انحراف عن اسم Mande، لحقول الذهب الغنية التي تمثل الكثير من ثروة الإمبراطورية المالية.
كما أنّ أسماء بعض الأماكن على الخرائط القديمة تُظهر أن أبوبكر ورجاله قد وصلوا إلى العالم الجديد "أي الأمريكتين". و يُزعم أن الماليين سموا أسماء أماكن معينة بأسمائهم، مثل ميناء ماندينجا وخليج ماندينجا وسيير دي مالي.
مع ذلك، فإن الأماكن الدقيقة لهذه المواقع غير واضحة بالتحديد، حيث يشير أحد المصادر إلى أن هذه الأماكن موجودة في هاييتي، بينما يضعها الآخرون في منطقة المكسيك.
حجة أخرى شائعة تقول إن كولومبوس اكتشف وجود بعض السلع المعدنية التي تعود بأصولها لغرب إفريقيا عندما وصل إلى الأمريكتين. ويعتبر أحد المصادر أن كولومبوس نفسه ذكر أنه حصل على سلعٍ معدنية من أصل غرب إفريقي من الأمريكيين الأصليين.
وتشير بعض الأبحاث أن التحليلات الكيميائية للرؤوس الذهبية التي وجدها كولومبوس على الرماح في الأمريكتين أظهرت أن الذهب ربما جاء من غرب إفريقيا.
كما أن هناك العديد من الأمثلة الأخرى عن الوجود المالي في العالم الجديد، بما في ذلك الهياكل العظمية والنقوش، والمبنى الذي يشبه المسجد، والتحليلات اللغوية والمنحوتات التي يقال إنها تصور الماليين.
ومع ذلك، فإن هذه الأدلة ليست مقنعة تماماً، لأن مصادرها لا تقدِّم معلومات أو مراجع إضافية تدعم هذه الافتراضات. فعلى سبيل المثال بدلاً من مجرد ذكر أن الأماكن التي سماها الماليون تم العثور عليها على الخرائط القديمة، قد يكون أكثر إقناعاً لو قدِّمت نسخ مقنعة من الخرائط القديمة لهذه المواقع.
وقد يكون الدليل الحالي على رحلة أبوبكر إلى الأمريكتين غير مقنع تماماً، وغير موجود حقيقةً، وقد يبدو من غير المحتمل أن يكون الحاكم المالي قد وصل إلى العالم الجديد خلال رحلته في المحيط الأطلسي. لكنّ قصة تنازل أبوبكر عن عرشه للإبحار واستكشاف العالم هي قصة رائعة وملهمة في حد ذاتها، خاصة إذا ما تخيلنا حصولها في عصرنا هذا: "زعيم عالمي حديث يترك منصبه ليصبح رائد فضاء!".