قبل العام 1968، كانت فكرة أن تضع شاشة على رأسك لتتصل بجهاز كمبيوتر وتعرض مجموعة من الرسومات التي صُممت بواسطة الكمبيوتر محض خيال علمي، لكن هذا العام شهد ابتكار عالم الكمبيوتر والواجهات الرسومية الأمريكي إيفان ساذرلاند لشاشات الواقع الافتراضي.
في العام التالي، طوّر خبير الكمبيوتر الأمريكي ميرون كروجر "الواقع الاصطناعي"، وهو عبارة عن بيئات مولَّدة بالحاسوب تستجيب للأشخاص الموجودين فيها، وهي التقنية التي سمحت بتطوير تقنية VIDEOPLACE، وهو أول نظام واقع افتراضي تفاعلي.
مع كل هذا التطور في صناعة الواقع الافتراضي وحتى العام 1987 لم يكن هناك مصطلح شامل لوصف هذا المجال، إلا أن عالم الكمبيوتر الأمريكي ومؤسس مختبر "البرمجة المرئية" جارون لانير، صاغ ولأول مرة مصطلح "الواقع الافتراضي" لتُولَد معه أولى نظّارات الواقع الافتراضي، التي صمّمها لانير، والتي أُطلق عليها EyePhone، وبهذا أصبح مصطلح الواقع الافتراضي شائعاً في الأوساط التقنية والأسواق.
ما هو الواقع الافتراضي؟
من خلال الواقع الافتراضي (VR) ينغمس المستخدمون في بيئة رقمية تعتمد على المحاكاة، بعد ارتدائهم نظارة رأس VR أو شاشة مثبتة على الرأس للحصول على عرض 360 درجة، لعالم اصطناعي بالكامل، للاعتقاد بأنهم في تجربة ما، مثل أن يقوموا بالمشي على القمر أو السباحة تحت المحيط أو الدخول إلى أي عالم جديد.
وبهذا، باتت تقنية الواقع الافتراضي إحدى أهم التقنيات التي تدخل في العديد من الصناعات، ويوجد لديها العديد من التطبيقات، فبجانب كون شركات صناعة الألعاب والترفيه من أوائل الشركات التي تبنت هذه التكنولوجيا، اعتمدت عليها الجيوش كذلك لتدريب جنودها، واستخدمتها وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" لتدريب رواد الفضاء على البيئات المختلفة التي سيواجهونها. كما أصبحت تقنية الواقع الافتراضي إحدى أكثر التقنيات انتشاراً في عصرنا الحالي، وهو ما فتح المجال لظهور تقنيات أكثر تفاعلية وتعقيداً.
الواقع المعزز والواقع الافتراضي.. بداية واحدة ونتائج مختلفة
بينما كان جارون لانير يعمل على تطوير ما يُعرف الآن بـ"الواقع الافتراضي"، كان توم كوديل -الباحث في شركة صناعة الطائرات الأمريكية Boeing- يعمل على صياغة مصطلح "الواقع المعزز"، الذي ظهر في العام 1990، وبعد عامين أنشأ لويس روزنبرغ -الباحث في مختبر أبحاث USAF Armstrong's- أولى أنظمة الواقع المعزز.
تطوّر الواقع المعزز (AR) على ما تأسس عليه الواقع الافتراضي، إذ استمد تطوره من تجارب إيفان ساذرلاند وميرون كروجر والواقع الاصطناعي، إلا أن فلسفة الواقع الافتراضي كانت مختلفة عن الواقع المعزز.
فبينما كان الواقع الافتراضي يعمل على خلق بيئة افتراضية -غير حقيقية- يعيش بداخلها المستخدم ويتفاعل معها، جاء الواقع المعزز ليقدم تجربة مختلفة تعتمد على خلق كائنات افتراضية في العالم الحقيقي، حيث يشاهد المستخدم ما حوله بشكل تفاعلي، وقد يستطيع التفاعل مع الجمادات الموجودة حوله عن طريق رسوميات افتراضية تظهر على الشاشة عبر تقنية الواقع المعزز.
هذا يعني أن المستخدمين ليسوا معزولين عن العالم الحقيقي -كما في الواقع الافتراضي- ولا يزال بإمكانهم التفاعل ورؤية ما يجري أمامهم. وتُعد أشهر الأمثلة على الواقع المعزز هي لعبة Pokémon GO، التي تتواجد فيها المخلوقات الرقمية في العالم الحقيقي، وكذلك مرشحات Snapchat، التي تضع أشياء رقمية مثل القبعات أو النظارات على رأسك وعينيك.
ومثل الواقع الافتراضي تماماً، أصبح الواقع المعزز كذلك مستخدماً في العديد من التطبيقات، ومن قِبل العديد من المؤسسات الكبرى، إذ استفادت منه وكالة الفضاء الأمريكية ناسا في مركباتها الفضائية، التي تقوم بنقل المشاهد التي تقوم بتصويرها عبر نظام معتمد على الواقع المعزز، الذي يعتمد على إظهار بيانات وأرقام على ما تلتقطه المركبات الفضائية، كذلك أصدرت العديد من الشركات مقتنيات تعتمد على الواقع المعزز، مثل جوجل، ومايكروسوفت.
ومع تطور التقنيات يوماً بعد يوم أصبح هناك سوق واعد لكلتا التقنيتين، وهو ما ساهم في ظهور تقنية جديدة تعتمد على التقنيتين معاً، وتجعل منهما تقنية واحدة!
دمج التقنيتين وظهور الواقع المختلط
في خطوة لاحقة، تعتمد على الواقع الافتراضي والواقع المعزز، عمل باحثون في جامعة تورونتو بكندا على ورقة بحثية، العام 1994، بعنوان "تصنيف للعروض المرئية للواقع المختلط" (MR)، تقوم على مزيج من العوالم المادية والرقمية، حيث يختلط الواقع المعزز بالواقع الافتراضي، وتنشأ عوالم متداخلة يمكنها صناعة بيئات كاملة -مثل مكونات غرف المنزل- بالاعتماد على الأشياء الحقيقية الموجودة في الواقع، والأشياء الافتراضية التي يستمدها المستخدم من الهاتف أو الكمبيوتر.
فعبر الواقع المختلط يستطيع المستخدم حجب العالم المادي واستبداله بتجربة رقمية غامرة بالكامل، وكذلك يستطيع المستخدم تصميم عوالم افتراضية بجانب العوالم الحقيقية ليكون كل منها مكملاً للآخر، فعلى سبيل المثال تم مزج أحد المنازل الحقيقية في فيلم Jumanji في بيئة الغابة الافتراضية -بالاعتماد على تقنية الواقع المختلط- حيث لم يستطع المشاهدون التمييز بين ما هو حقيقي وافتراضي.
وتعد نظارة هولولنس من مايكروسوفت أحد أهم الأجهزة التي تقدم تجربة فريدة تعتمد على الواقع المختلط أو الواقع الهجين، حيث يتفاعل شخصان أو أكثر عن بعد أو في نفس المكان لخلق مجسمات افتراضية في بيئة العمل، تُمكّن الطرفين من شرح وإنجاز ما يريدانه بطريقة سهلة وتفاعلية ومثيرة.
بالوصول إلى هذا الحد يصبح من الصعب على المستخدمين التمييز بين ما هو حقيقي وغير حقيقي في العوالم المعتمدة على الواقع المختلط، ومع ذلك لم يتوقف التطور عند هذا الحد، بل تخطاه إلى عوالم أكبر وأوسع رحابة، وهو ما يعِد به المستقبل القريب.
الواقع الممتد وحلم السفر عبر الزمن
طبقاً لمجلة Forbes الأمريكية، يُتوقع أن يصل سوق الـ(XR) أو ما يُطلق عليه "الواقع الممتد" بحلول العام 2022 إلى 209 مليارات دولار، وهو 8 أضعاف ما كان عليه العام 2019. وتذكر Forbes أن هذه التقنية تُغيّر من حقائق حياتنا، التي تتجاوز قدرة خيالنا على الإدراك، وهو ما قد نشهده العام 2030.
فعبر الواقع الممتد يستطيع المستخدمون التسوق للحصول على منزل جديد في أي مكان في العالم كما لو كنت في الواقع وكأنك في الموقع، حيث سيصبح بإمكان الأفراد السير في أرجاء المنزل الذي يريدون شراءه، لتقرير ما إذا كان يعجبهم حقاً حتى عندما يكونون في مكان آخر.
كذلك قد يصبح بإمكاننا التوجه لتناول الغداء في أي من المطاعم البعيدة، التي قد تكون في بلاد أخرى غير التي نوجد فيها، حيث يعمل الواقع الممتد على توسيع الواقع الذي نختبره عن طريق مزج العالَمين الافتراضي والحقيقي لإنشاء تجربة غامرة بالكامل، كأنه سفر عبر الزمن، حيث سيمكننا زيارة أماكن بعيدة في التو واللحظة التي نريدها.
إلا أن هذه التقنية تواجهها العديد من التحديات والصعوبات التي يعمل الخبراء على حلها، إذ تحتاج تقنية XR جمع ومعالجة كميات هائلة من البيانات التفصيلية والشخصية والحساسة للغاية حول ما يفعله البشر، وما تنظر إليه، بما في ذلك العواطف والمعلومات الشخصية، وكذلك أدق التفاصيل في البيئة المحيطة، مثل كمية الإضاءة الموجودة في المكان، لتناسق ما هو افتراضي مع ما هو حقيقي، لذا تعمل الشركات على حماية كل هذه البيانات لكي لا تكون عرضةً للاختراق.
كما لا يزال هناك التباس في المفهوم بين الواقع المختلط والواقع الممتد؛ إذ لا تتضح الحدود الفاصلة بين التقنيتين بشكل كبير، إلا أن المتخصصين يتفقون أن الواقع الممتد هو ما يشمل كل التقنيات السابقة (الواقع الافتراضي والمعزز والمختلط)، في بيئة واحدة، تعمل معاً لخلق عالم موازٍ يختلط فيه الخيال بالحقيقة، وهو ما قد يشهد اختفاء أجهزة أساسية في حياتنا، مثل الهواتف والتلفاز، واستبدالها بأشياء تشبه أدوات أفلام الخيال العلمي.