بعد 57 عاماً على بدء عمله، خرج عن الخدمة تلسكوب أريسيبو الشهير الواقع في إقليم بورتوريكو التابع للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد انقطاع سلكين كانا يدعّمان الأدوات البالغ وزنها 900 كيلوغرام والخاصة بالتلسكوب فوق الصحن اللاقط.
وبقي تلسكوب أريسيبو الأكبر في العالم مدة 50 عاماً قبل بناء تلسكوب فاست الصيني، وقدم خلال هذه الفترة الطويلة الكثير من الاكتشافات الفضائية المذهلة.
تلسكوب أريسيبو
صُنع التلسكوب في بلدة أريسيبو بجزر بورتوريكو، في نوفمبر/تشرين الثاني 1963، بقطر يبلغ 305 أمتار ويغطي مساحة 74 ألفاً و800 متر مربع، أي ما يعادل حجم 14 ملعباً خاصاً بكرة القدم الأمريكية.
ويتألف سطحه العاكس من 40 ألف صفيحة ألمنيوم مثقبة، وكل صفيحة منها تبلغ 180 سم طولاً و90 سم عرضاً ومثبتة بواسطة شبكة من الأسلاك الفولاذية.
وبحسب ناشيونال جيوغرافيك، كانت الغاية الأولى من مرصد أريسيبو الذي أُنشئ خلال الحرب الباردة، رصد الأقمار الصناعية أو حتى الصواريخ الباليستية السوفييتية، وذلك بفضل الاضطرابات التي تحدثها هذه الأجهزة في الغلاف الجوي.
ولكن تم فيما بعد، تشغيل هذا المرصد من قِبل جامعة سنترال فلوريدا وجامعة متروبوليتان بموجب اتفاقية تعاون مع المؤسسة الوطنية للعلوم الأمريكية.
ويتم استخدامه في ثلاثة مجالات رئيسية للبحث، هي: علم الفلك الراديوي، علم الفلك الراداري، وعلم الغلاف الجوي.
أهم اكتشافات تلسكوب أريسيبو
ولعب تلسكوب أريسيبو دوراً رئيسياً في أهم الاكتشافات الفلكية لأكثر من نصف قرن، مثل اكتشاف أول كوكب يقع خارج المجموعة الشمسية، إضافة إلى اكتشافات أخرى تمكَّن أصحابها من الفوز بجائزة نوبل للفيزياء.
اكتشاف مدة دوران كوكب عطارد
سابقاً كان العلماء يعتقدون أن فترة دوران كوكب عطارد حول محوره تستغرق 88 يوماً، ولكن تلسكوب أريسيبو تمكن بعد عام من افتتاحه، من اكتشاف أن عطارد يكمل دورته حول محوره في 59 يوماً، تمثل نسبة 3:2 مع مداره حول الشمس الذي يستغرق 88 يوماً.
أي إن كل 3 مرات يدور فيها الكوكب حول نفسه يدور حول الشمس مرتين، وهي نسبة فريدة من نوعها بين كواكب المجموعة الشمسية.
عطارد هو كوكب صخري، حجمه أكبر قليلاً من قمر الأرض، ويعتقد العلماء أنه يحتوي على نواة منصهرة قد تُشكّل 70% من كتلة الكوكب.
وتبرز أهمية معرفة معدل الدوران الحديث في أنها ستساعد العلماء في حساب نسب التكوينات الصلبة والسائلة داخل الكوكب؛ ومن ثم قد يتوصلون يوماً ما إلى فهم تكوينه الحقيقي.
اكتشف أول نجم نابض ثنائي على الإطلاق
وبعد عقد من الزمن وتحديداً في عام 1974، اكتشف الثنائي جوزيف تيلور وراسل هالس عبر تلسكوب أريسيبو، أول نجم نابض ثنائي على الإطلاق وهو "1913+16″، وحصلوا بفضله على جائزة نوبل للفيزياء في العام 1993، وهو اكتشاف فتح إمكانات جديدة لدراسة قوة الجاذبية.
لاحظ هالس عندما كان يراقب النجم النابض المكتشف حديثاً، أن معدل النبض يتغير بشكل منتظم، وخلص إلى أن النجم النابض يدور حول نجم قريب وبسرعة عالية.
وتكمن أهمية اكتشاف هذا النظام الثنائي في أن العالِمين هالس وتيلور استطاعا تعيين الانخفاض التدريجي في زمن دورتهما حول بعضهما البعض مع الوقت، وهذا دليل غير مباشر على صدور موجات جاذبية منهما طبقاً للنظرية النسبية العامة.
أول خرائط رادار لسطح كوكب الزهرة
في عام 1981، تمكن الباحثون الذين يعملون بمرصد تلسكوب أريسيبو من وضع أول خرائط راديوية لسطح كوكب الزهرة.
ويُعرف كوكب الزهرة بأنه توأم كوكب الأرض، لأنهما متشابهان في الحجم والكثافة والتكوين المتوسط، وقد لوحظ الكثير من العمليات الجيولوجية نفسها على الكوكبين أيضاً.
على سبيل المثال، يُعرف كوكب الزهرة بأنه يحتوي على العديد من البراكين وتدفق الحمم البركانية مثل الأرض تماماً، وهو يساعدنا بشكل كبير على معرفة طريقة تشكُّل الغلاف الجوي للزهرة وتحليل مكوناته بدرجة عالية من الدقة.
اكتشف الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي لعطارد
في العام 1992، كشف تلسكوب أريسيبو عن وجود جليد بالقطبين الشمالي والجنوبي لكوكب عطارد، الأمر الذي فجَّر مفاجأة كبيرة للعلماء؛ لكونه أقرب الكواكب إلى الشمس ودرجة حرارته تصل إلى أكثر من 430 مئوية.
لكن في السنوات الأخيرة توصل العلماء إلى استنتاج سبب هذه الظاهرة، وهي أن الجليد وصل إلى عطارد عن طريق الكويكبات التي تحطمت على سطحه وخلقت فوهات عميقة بما يكفي لحماية الجليد من التعرض المباشر للشمس.
هذا إضافة إلى أن التباين الشديد للحرارة على سطح عطارد والرياح الشمسية قد يكونان وراء تشكل نسبة مهمة من هذا الجليد.
اكتشف أول كوكب خارج المجموعة الشمسية
كما يُنسب إلى تلسكوب أريسيبو الفضل في اكتشاف أول كوكب يقع خارج المجموعة الشمسية وتحديداً في مجموعة الفرس الأعظم.
حيث استطاع العالمان ميشيل مايور وديديه كويلو، الأستاذان في جامعة جنيف السويسرية، اكتشاف كوكب الفرس الأعظم "بي 51″، كما يُسمى أيضاً كوكب بيغاسوس "بي 51″، وذلك في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1995.
وفتح هذا الاكتشاف الباب أمام العثور على أكثر من 3 آلاف كوكب تقع جميعها خارج المجموعة الشمسية، في حين تبرز أهمية استكشاف الكواكب البعيدة في مساعدتنا على البحث عن البصمات الحيوية لوجود الحياة كما نعرفها على الأرض مثل وجود الأكسجين والماء السائل.
هذا إضافة إلى دوافع أخرى لا تغيب عن ذهن العلماء، وهي التحقق من النظريات التي طورها الإنسان حول الكواكب.