أكثر من 150 ألف تاجر من حول العالم يقبلون التعامل بالبيتكوين، ولكن ليست هذه أبرز ساحة نجحت فيها هذه العملات الرقمية المشفرة، إذ إن ثمة مجال بعينه يبدو متلهفاً لهذه العملات. إنها الألعاب الإلكترونية التي تتحول لمصدر دخل للكثيرين، والذين لا ينظرون في الأغلب بنفس ريبة الآخرين للعملات المشفرة، نظراً لأن هناك علاقة خاصة قديمة بين العالمين.
بدأت العملات الرقمية المشفرة "cryptocurrency" في الصعود خلال السنوات القليلة الماضية كوسيلة دفع بديلة في التعاملات المالية، خاصة مع إدخال تقنية البلوك تشين، التي وفَّرت مستوى إضافياً من الحماية والشفافية لكل معاملة تتم بالعملات الرقمية.
واكتسبت بعض العملات المشفرة الشهيرة مثل بيتكوين وداش ودوغ كوين ولايتكوين أرضية بين الكثير من المتسوقين والبائعين.
وتشمل قائمة المؤسسات التي تقبل التعامل بالبيتكوين، وهي العملة الإلكترونية الأكثر شيوعاً، أسماء كبيرة في مجال تجارة التجزئة، مثل آبل وإيباي وأمازون ووال مارت وستاربكس وغيرها.
ولكن صناعة ألعاب الفيديو بالذات احتضنت العملات الرقمية المشفرة، وتحوَّلت ألعاب مختلفة للاعتماد على العملة المشفرة والبلوك تشين، من أجل إجراء عمليات شراء للذهب والعناصر غير المجانية بالألعاب، ومع النمو السريع لظاهرة عمليات الشراء بالألعاب، أصبحت تلك العملات المشفرة الحل الأفضل والأمثل لضمان إجراء المعاملات بسرعة وأمان.
في هذا التقرير سنرصد العلاقة بين ألعاب الفيديو وبين العملات الإلكترونية المشفرة، وسر إقبال لاعبي الألعاب الإلكترونية عليها.
في البدء كانت هناك حاجة للثقة والخصوصية.. العملات الرقمية المشفرة تاريخ من الفشل والغموض
الـcryptocurrency تُعرف باسم العملات المشفرة، وهي عملات افتراضية لا وجود لها، ولا تخضع لأي جهة، ولكن يمكن تحويلها لعملات حقيقية مثل الدولار الأميركي.
كما يمكن استخدام هذه العملات في عمليات البيع والشراء عبر الإنترنت، وفي حين أن بيتكوين كانت أول عملة مشفرة تم التعرف عليها على نطاق واسع، إلا أنها ليست الأولى من نوعها.
ففي أوائل التسعينات، أسَّس عالِم الرياضيات والتشفير الأميركي "ديفيد تشوم" شركة "DigiCash"، وهي شركة مالية إلكترونية متخصصة في المدفوعات الرقمية، وابتكر خوارزمية تشفير خاصة بالشركة من أجل منع تعقب المعاملات التي تتم بواسطتها، وتوفير الثقة والخصوصية.
وحصلت الشركة على قدر كبير من اهتمام وسائل الإعلام. كما أثارت اهتمام العديد من المؤسسات مثل دويتشه بنك (أكبر بنك ألماني)، وشركة مايكروسوفت وأرادت الأخيرة إضافة معاملات DigiCash لكل جهاز كمبيوتر يعمل بنظام ويندوز، ولهذا عرض 180 مليون دولار للحصول على الشركة.
لكن تشوم أعتقد أن العرض لم يكن كبيراً بما فيه الكفاية وفشلت المفاوضات، وفي نهاية المطاف أعلنت شركة DigiCash الإفلاس عام 1998، بسبب عدم نمو وازدهار مجال التجارة الإلكترونية في ذلك الوقت.
بعد ذلك، كانت هناك الآلاف من الشركات الناشئة التي ظهرت في أعقاب اندثار DigiCash، التي حاولت تسهيل المعاملات المالية وجعلها آمنة مثل البنك الإلكتروني "باي بال"، الذي ملأ الفراغ الذي لم تكمله شركة DigiCash، واستطاع تقديم معاملات رقمية آمنة ومنظمة، وبعيدة عن كونها لا مركزية أو مجهولة المصدر.
قصة العبقري الغامض الذي مهَّد لاختراع البيتكوين
هذا النجاح المرحلي ترك الباب مفتوحاً أمام احتمالية ظهور شركات أخرى تسعى لتعزيز الخصوصية في المعاملات.
وهذا بالضبط ما كان حاول القيام به عالم الكومبيوتر الغامض "Nick Szabo"، حيث صمم عملة إلكترونية تدعى بيت جولد "bit gold"، غير أنها لم تخرج لحيز النفاذ، ويعتقد الكثيرون أن رؤيته هي بداية البيتكوين. حيث إنه طرح مشكلة اعتماد الأنظمة المالية الحديثة على طرف ثالث موثوق به واقترح بديلاً.
وفِي عام 2009 قام شخص مجهول يعرف باسم "ساتوشي ناكاموتو" بإطلاق عملة "بيتكوين"، وهي أول عملة مشفرة لا مركزية وبحلول عام 2011 بدأ بزوغ الكثير من العملات الرقمية، ومنها "Namecoin" و"لايتكوين"، واليوم يوجد في السوق ما يزيد عن 700 نوع من العملات الرقمية التي يتم تداولها، إلا أنها لم تكتسب هذا النوع من الشعبية التي اكتسبتها عملة البيتكوين، لأن تلك العملات لم تجلب ميزات أخرى جديدة.
الألعاب الإلكترونية من شغف المراهقين والأطفال إلى الأرباح الطائلة
هناك ما يقرب من 1.2 مليار شخص في جميع أنحاء العالم يلعبون ألعاب الفيديو و700 مليون منهم يلعبون ألعاب الإنترنت.
ولعقود من الزمان، كانت صناعة الألعاب تتطور بشكل متزايد، حيث أصبحت هناك عوالم افتراضية كثيرة وغنية، كما أصبح اللاعبون يستطيعون إنشاء شخصيات كاملة عبر الإنترنت في اللعبة التي يختارونها، ولها هويات ذات صور شخصية وممتلكات رقمية.
وبات بالإمكان بيع وشراء وتبادل العناصر المهمة والعملات القيّمة وربح المال، وبالطبع يتم الاعتماد على المدرسة القديمة، وهي العملات النقدية التقليدية، التي استُخدمت للشراء ولتسييل الأرباح بطرق متعددة.
وقبل أن نصل لجذور العلاقة بين العملات المشفرة وألعاب الفيديو فإنه من المهم معرفة بعض الطرق الأكثر شيوعاً لجني الأموال من صناعة الألعاب، والتي جعلت البعض مليونيرات.
1- تصميم الألعاب: الطريقة الأصعب والأكثر ربحاً
أكثر من 100 مليار دولار حجم الإيرادات السنوية لصناعة ألعاب الفيديو في عام 2017، ومن المتوقع أن تزيد بنسبة 60 إلى 80% بحلول عام 2020.
والطريقة الواضحة هنا لكسب العيش وجني الأموال هي عبر إنشاء وتطوير لعبتك الخاصة.
2- تجربة الألعاب: يمكنك كسب بضعة آلاف أو ملايين الأمر لا يتوقف على مهارتك في اللعب فقط
يعتبر تويتش ويوتيوب منبرين أساسيين لجني الأموال من خلال تشغيل الألعاب، حيث يستخدم الشخص أياً من تلك المنصتين أو كلاهما، في تقديم بث مباشر له أثناء تشغيل لعبته المفضلة.
ولا يقتصر الأمر على طبيعة الألعاب فقط، ليحقق اللاعب النجاح بتلك المنصات، بل تساعد شخصيته في كثير من الأحيان على النجاح أو الفشل.
ويمكن لمستخدم منصة تويتش أن يحصل على 5000 دولار شهرياً من خلال هذا الأمر.
أما يوتيوب فيمكن أن يجني الشخص 1000 دولار لكل مليون مشاهدة على الفيديو الخاص به.
ولكن بعض الجيمرز البارزين على تلك المنصات قد يكسبون ملايين الدولارات سنوياً.
3 – كن البطل: ستصبح مشهوراً وثرياً إذا هزمت خصومك
الألعاب التنافسية، والتي تعرف باسم E-Sports تنمو بشكل سريع، وتجتذب الكثير من الجيمرز، حيث يخوض اللاعب بطولات ومنافسات كل عام، وهناك جوائز مالية كبيرة.
ويوجد العديد من الفرق والأشخاص المشهورين في هذا المجال، ولديهم رعاة ويجنون أموالاً طائلة جراء الفوز في الألعاب التنافسية.
4- بيع العناصر الافتراضية: تجارة كاملة خيالية ولكن مربحة
واحدة من أقدم الطرق لكسب المال في الألعاب الإلكترونية هي اقتناء عناصر وسلع افتراضية نادرة وقيمة في اللعبة، ومن ثَمَّ عرضها للبيع مقابل أموال حقيقية.
وهناك الكثير من اللاعبين الذين يشترون تلك العناصر القيمة في الألعاب، ويدفعون الكثيرَ من الأموال للحصول عليها، من أجل الوصول لمستويات أعلى في اللعبة.
ولكن بعد أن حققوا كل هذه الأرباح بالأموال الطبيعية.. ظلَّ هنالك دافع قديم للجيمرز يوجههم نحو العملات المشفرة
نأتي للسؤال المهم، لماذا أصبحت العملات الإلكترونية المشفرة تلعب دوراً كبيراً في مجال ألعاب الفيديو؟
لطالما كان المال الافتراضي جزءاً من ثقافة الألعاب، سواء كانت تلك الألعاب لأجهزة الكمبيوتر أو الألعاب الخاصة بالهواتف المحمولة.
ويعرف كل لاعب قيمة الأصول الرقمية (عملات ذهبية وعناصر نادرة ومواد قيمة)، التي يمتلكها باللعبة، ومن خلالها يمكن تطوير شخصيته في اللعبة وتحسين ترتيبه وتقويته، كما يستطيع الاتجار من خلالها والحصول على ما يحتاج إليه من عناصر أخرى.
إذاً العملة الرقمية جزء من الألعاب، لذا عند ظهور العملات الرقمية المشفرة وبدء تداولها في صناعة الألعاب رحَّب بها الكثير من اللاعبين، لأنها ليست غريبة أو غير طبيعية بالنسبة لمجال الألعاب.
ويمكن من خلال دمج العملات المشفرة بالألعاب القيام بالعديد من الميزات، التي لا يمكن الحصول عليها بالعملة التقليدية مثل سهولة مكافأة اللاعبين على إنجازاتهم، أو شراء العناصر داخل اللعبة باستخدام العملات الحقيقية.
وعكس مما قد تتصور فإنها أكثر موثوقية من العملات العادية
يمكن لتقنية بلوك تشين التي تدعم العملات المشفرة ضمان الشفافية بين اللاعبين، وحماية أصولهم داخل الألعاب والسماح لهم بالتداول مع لاعبين آخرين دون تدخل من طرف ثالث، والذين عادة ما يضعون القواعد ويأخذون رسوماً على تلك المعاملات.
كما أن تقنية بلوك تشين التي تقوم بتسجيل تفاصيل المعاملات توفر عمليات شراء آمنة وموثوقة داخل الألعاب، وبمجرد استخدام العملات المشفرة في اللعبة يستطيع اللاعب اقتناء أحد الأُصول الرقمية وتخزينها داخل محفظته الرقمية، إلى أن يقرر تداولها أو بيعها.
ونأتي للسبب الأهم لاستخدام هذه العملات، وهو تقليل المخاطر التي يواجهها مطورو الألعاب واللاعبين، ومنها اختراق وقرصنة الحسابات وسرقة تراخيص الألعاب، والغش في النتائج، لأن البلوك تشين تعمل على جمع البيانات المهمة وتشمل معلومات حساب اللاعب والعناصر المملوكة له وترتيبه وتخزينها في مكان واحد، وجعلها شفافة للاعبين والمطورين ومصممي الألعاب.
علاوة على ذلك، فإن تقنية البلوك تشين لن تفيد اللاعبين فقط، بل ستمنح المزيد من القوة للمطورين عبر التحكم في عمليات التوزيع والأرباح بجانب فرصة إنشاء عوالم أكثر ثراء وإثارة وتقدماً من الناحية الفنية.
وهذه نسبة المتعاملين بالعملات الإلكترونية بين اللاعبين.. لاحظ هذا الجيل
وفقاً لدراسة حديثة أجرتها مؤسسة "WAX" فإن 55% من جيل الألفية (الذين ولدوا بعد عام 1980) استخدموا بالفعل عملات رقمية مشفرة في الألعاب.
وحسب نفس الدراسة التي أجريت على 1000 جيمرز، هناك 87% من اللاعبين -بشكل عام- لم يستخدموا العملات المشفرة، ولكن 80% منهم مهتمون حقاً بتجربتها.
ووفقاً لموقع ستاتيستا المتخصص في الإحصائيات العالمية فإنه بحلول 2020، يتوقع من اللاعبين شراء عناصر بالألعاب بأكثر من 32 مليار دولار لمساعدتهم في مهامهم.
والآن إليك بعض الألعاب التي بدأت الاعتماد على العملات المشفرة
1- لعبة Augmentors: إنها أول لعبة تفعلها
تذكرنا لعبة Augmentors باللعبة الشهير بوكيمون جو، وتعتبر Augmentors أول لعبة واقع معزز تعتمد على تقنية البلوك تشين، حيث يحتاج اللاعبون لإنشاء مخلوقاتهم وتدريبها، وشن هجمات على الآخرين.
وابتكر مصممو اللعبة 50 شخصية قوية ونادرة، كل شخصية لديها هجوم فريد من نوعه.
وبفضل تقنية البلوك تشين التي تدعمها اللعبة يمكن بيع وشراء ومبادلة تلك الشخصيات مع اللاعبين الآخرين، بالإضافة إلى شراء عناصر رائعة وجرعات سحرية وأسلحة عبر البيتكوين.
2- لعبة CryptoKitties: يمكنك شراء قطتك الخاصة بالعملات المشفرة ولن يستطيع أحد انتزاعها
لعبة القطط الرقمية أو CryptoKitties تتيح للاعب اقتناء قطط افتراضية من بين الكثير من الأشكال المختلفة، ومن ثم تربيتها كما لو كان قطاً حقيقياً.
والمميز في اللعبة أنه بمجرد الحصول على القط الافتراضي المفضل لديك يتم نقل ملكيته بالكامل لحسابك، ولن تجد باللعبة قطاً مشابهاً لقطك، وتستخدم CryptoKitties تقنية البلوك تشين، كما تسمح بتنفيذ عمليات شراء وبيع القطط الافتراضية عن طريق العملة المشفرة إيثريوم.
3- لعبة Spells of Genesis: تمتلك عملتها الخاصة
لعبة Spells of Genesis من ألعاب الهواتف التي يعمل اللاعب من خلالها على جمع البطاقات المختلفة، وتفعيل قدراتها السحرية، وعليك بناء فريق من الأبطال من أجل الدخول في معارك ملحمية، والفوز على الأعداء واللاعبين الآخرين.
وتعتمد لعبة Spells of Genesis على تقنية البلوك تشين، كما أنها تمتلك عملة مشفرة تُدعى BitCrystals يتم استخدامها كعملة للشراء بداخل اللعبة.
إقرأ أيضاً..
ظهر باسم وهمي على الإنترنت واخترع البيتكوين.. كيف نشأت العملات الرقمية على يد شخص مجهول؟
إذا لم تسمع بعد بالبيتكوين، انتظر ما تحضّره هوليوود قريباً: أول فيلم عن ثورة العملات الرقمية
