نشرت صحف عربية وأجنبية مؤخراً خبراً عن تقنية جديدة يتم تجربتها في إحدى مزارع إمارة العين في دولة الإمارات العربية، تبشر باستصلاح الصحراء ، وجعلها تربة خصبة صالحة للزراعة في فتراتٍ قصيرة، وهي على عكس التقنيات الحالية التي تتطلب ما يقرب من 7 إلى 15 عاماً.
التقنية الجديدة تعد بجعل أي تربة رملية صالحة للاستزراع في أقل من سبع ساعات، وهو الوقت المطلوب إضافته للتربة فقط.
تلك التقنية الحديثة المسماة Liquid nano clay أو ما يترجم حرفياً إلى "منمنمات الطمي السائل"، وتشتهر أيضاً باسم الطين الصناعي؛ تَعِد الأراضي الصحراوية الجافة، بمستقبلٍ أخضر، قد يغير وجه المشهد الجغرافي الطبيعي على كوكب الأرض.
ما هي تقنية Liquid nano clay؟ وكيف تعمل؟
نشر في عام 2015 تقرير بعنوان "تقنية فائزة بجائزة تجعل الصحراء تُبرعم"، قال أولي مورتن أولسن الرئيس التنفيذي للشركة النرويجية الناشئة، المسئولة عن الابتكار Desert control، والمالك الحصري لحقوق بيعه في العالم؛ أن والده كريستيان أولسن الخبير في تقنيات التدفئة والتهوية بدأ العمل على تلك التقنية في عام 2008، واستطاع بواسطة تقنيات النانو من ابتكار هذا الطمي السائل الممزوج بالماء، والذي له خواص تجعل من التربة الرملية؛ أرضاً خصبة صالحة للزراعة، وهو الابتكار الذي كان سبباً في حصوله على إحدى الجوائز المعنية بالأعمال ذات التكنولوجيا النظيفة والمعروفة باسم Climate Launchpad.
ويشرح أولسن الأب المسئول عن الابتكار أن المُركب المبتكر لا يستخدم أي عمليات كيميائية، أو مواد مضافة، إنما عملية الخلط بين الماء والطين هي ما يُكسب المُركب، لأنَّ المزج بين الماء والطين بعملية خاصة يُفكك جزيئات الطمي إلى شذرات دقيقة تحيطها فقاعات الهواء من داخل الماء، وعند وضعها على التربة الرملية فهي تعمل بمثابة "إسفنجة" تحبس السائل الرطب في الرمال الجافة، وتمنع تبخره، مما يجعل ما يقرب من 40 إلى 60 سنتيمتراً من سطح التربة صالحاً للزراعة فوراً بعد وضعه.
هل يُصلح المُركَّب تربة الصحراء للأبد؟
بحسب وصف شركة ديزرت كونترول فإن الطمي السائل يجعل التربة الرملية صالحة للزراعة مدة خمس سنوات، يتطلب بعدها إضافة نسبة 15 إلى 20% إعادة معالجة في حالة تقليب التربة، وفي حالة عدم تقليبها تطول المدة الصالحة للزراعة، ويستطيع هذا المُركب توفير ما يقرب من نصف إلى ثلثي الماء التي تتطلبه عملية الزراعة في التربة الغير مُعالجة به، مما يجعل هذا الابتكار واحداً من الحلول التي تناسب المناطق التي تعاني من الندرة المائية، أو يُشكل توفر المياه عائقاً لها في سبيل تحقيق إنجاز زراعي واسع.
بالنسبة للزراعة .. هل هو طمي عادي؟
المركب الذي يعرف بـ LNC يتم تصنيعه من عملية مزج بين الماء ومجموعة مُركزة ومُستخلصة من الأملاح المعدنية الموجودة بالأصل في التربة العادية، لكن بتوزيعات جزيئية متفاوتة.
هذا الابتكار لا يعتمد على المزج الجزيئي للماء بالطين الخام، وبعدما يصير المركب سائلاً، وجاهزاً للإضافة إلى التربة لا يتطلب أية إضافات، بل يمكن وضعه، أو رَشّه بواسطة أجهزة الري العادية المتوفرة في الأسواق بدون الحاجة إلى أجهزة أو أدوات إضافية.
هل تمت تجربته من قبل؟
بحسب الموقع الرسمي للشركة المسئولة عن الابتكار فإن المنتج تمت تجربته بالفعل في أكثر من تربة، وأكثر من مناخ لدول مختلفة، كانت من أهمها مصر، وباكستان والصين، وجاءت نتائجها جميعها ناجحة مُبشرة بإنجاز زراعي كبير.
وبالبحث في التجارب التي أجريت في مصر تحديداً، نشرت كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية، والتي شاركت في الإشراف على الدراسة؛ ورقة بحثية علمية متخصصة، حول تأثير مركب ليكويد نانو كلاي على الزراعة في التربة المصرية باستخدام مياه النيل.
وأوضحت الورقة البحثية التي شارك في كتابتها "كريستيان أولسن" أن التجربة تمت في إحدى مناطق سيناء، خلال الأعوام من 2012 إلى 2014.
وماذا نستطيع أن نزرع بواسطته؟
وفي إحدى اللقاءات مع مبتكر الطمي الصناعي كريستيان أولسن أثناء إشرافه على استصلاح مزرعة الإماراتي فيصل محمد الشمري أوضح أنه بمجرد إضافة المركب للتربة الرملية، تصير التربة جاهزة لزراعة أي نوع من المحاصيل، أو النباتات.
وأوضح التقرير المنشور في مايو/أيار عام 2018 أن التجربة في تلك المزرعة تجري الآن على ثلاثة أنواع من المحاصيل هي: الطماطم؛ والباذنجان؛ والبامية.
جدير بالذكر أن تقرير بي بي سي ذكر أن المزارعين في الإمارات يعانون مع مشكلة وفرة، ونقل المياه للزراعة، والتي يضطرون لجلبها بكميات مضاعفة في حاويات، وإن الطقس ونوع التربة يجعل الإمارات تستورد 80% تقريباً من احتياجاتها الغذائية.
ما تكلفة تلك التكنولوجيا؟
طبقاً لما ورد في مقابلة مبتكر التقنية كريستيان أولسن، فإن تكلفة معالجة الفدان الواحد تتراوح ما بين 1800 إلى 9500 دولار أميركي، بحسب حجم المشروع، مما لا يجعل تلك التقنية في متناول الجميع من المزارعين، وأصحاب المزارع.
وركّز على أن الكمية التي احتاجتها المزرعة الإماراتية لري المحاصيل وصلت من قبل إلى 137 متراً مكعباً بدون معالجة، ولكن بعد المعالجة استخدمت 81 متراً مكعباً فقط.
وهل هناك برنامج رسمي مع الحكومة الإماراتية؟
أوضح أولسن أن المشروع سوف يستهدف بالأساس الحكومات النظامية، والزُراع المُستقلين، والمؤسسات الكبرى مما يساعد في جعل تلك التقنية متاحة للجميع في المستقبل، وبالبحث في استخدامات مشابهة لتلك التقنية على نطاق واسع داخل الإمارات، أو حتى من خلال برنامج تعاوني حكومي، فلم تُنشر أية آليات أو وعود رسمية بخلاف تجربة مزرعة العين في الإمارات.
وبالبحث في الموقع الرسمي للشركة، فليس هناك أي إعلان عن تبني حكومة الإمارات للمشروع، ولكن بالنظر إلى النتائج، والتجارب التي نُشرت عالمياً ومحلياً حول التقنية الوليدة؛ فإنها قد تساهم بشكل كبير في خفض نسبة تَصّحر الأراضي، ومعالجة قطاعات التربة الرملية، بمساحات كبيرة، طالما توفرت المصادر والتمويل الكافي لبدء طفرة زراعية كبيرة، قد تحتاج إليها الكثير من الدول والمناطق في حال استمرار التدهور المناخي، وارتفاع الاحتباس الحراري، والذي بات من أكبر الأخطار المتنامية، المُهددة للبشرية.