ليس الأمر كما تظن، هاتفي "الحقيقي" ليس محطماً
في خريف عام 2008، كان أحد أصدقائي في الجامعة واحداً من "المحظوظين" الأوائل الذين يمتلكون أول إصدارات جهاز آيفون iPhone.
انتابني اهتمام عابر، إذ كان صديقي فخوراً بشكلٍ واضحٍ بذلك – وحرصت على منحه الاهتمام الذي شعر أنه يستحقه – ولكن بدون رغبة في امتلاك واحداً لنفسي.
بنفس الطريقة التي قد أتصرف بها عندما يعرض عليّ صديق في العمل صوراً لطفله.
وبعد مرور 10 سنوات، وصدور العديد من هواتف آيفون الذكية المختلفة، ما زلت لا أمتلك واحداً، بل أحمل في جيبي هاتفاً من نوع نوكيا Nokia C2-01. وبصراحة مُنذ أن امتلكت هذا الهاتف لا يكلفني شهرياً سوى 7.50 جنيه إسترليني.
يستدعي الكشف عن حقيقة امتلاك مثل هذا الهاتف القديم دائماً تقديم بعض التفسيرات، أحاول أن أعبر هنا بعبارات بسيطة مثل: لا، هاتفي "الحقيقي" ليس محطماً. ولا، أنا لا أريد أن أثبت شيئاً بهذا الفعل. ولا، لم يكن ذلك رد فعل نتيجة الإفراط في الاعتماد المزمن السابق على التكنولوجيا. وأخيراً، لا أعتقد أن هذا يجعلني أشعر بأنني شخص رائع ومتحد للتوجهات السائدة في المجتمع. الأمر ببساطة أنني لم أرَ على الإطلاق ما يكفي من قيمة وأهمية الهاتف الذكي.
لقد سُئلت مرات لا حصر لها: "كيف يمكنك الصمود والعيش في لندن من دون هاتف ذكي؟". وأعترف بأنني واجهت صعوبة في بعض الأحيان. مثل تلك المرات التي حادثت فيها بعض الأصدقاء لمعرفة مواعيد وسائل المواصلات، وفي أسوأ الحالات، اضطررت إلى مشاركة المواصلات معهم في سيارات أوبر Uber، وأخذهم في الاتجاه المعاكس عن وجهاتهم، مما أدى إلى مضاعفة تكلفة الأجرة، وسبب الحيرة للسائق، وربما حتى الإضرار بتقييماتهم (الشخص الذي أعنيه يعرف نفسه وما زلت ممتناً له).
ولكن على العموم، كانت الأمور على ما يرام. ولأنني كنت أستخدم وسيلة المواصلات المفضلة لدي وهي ركوب الدراجات طوال السنوات الأربع الماضية، استطعت معرفة طبيعة الأرض بشكلٍ جيدٍ، وإذا هممت بالقيام برحلة إلى مكان جديد، كنت أستفيد استفادة كاملة من تطبيق خرائط جوجل Google Maps (على جهاز الكمبيوتر بالتأكيد)، وكتابة الاتجاهات على قصاصات من الورق، وأضعها في كم القميص، ثم أخرجها بشكلٍ متقطع في إشارات المرور لتذكيري بتحركاتي نحو وجهتي.
بالإضافة إلى ذلك، ولست متأكداً إن كان شخص آخر قد التفت لذلك أم لا، ولكن هناك بعض الخرائط الفعلية في الشارع منتشرة في كل مكان، وخرائط لمواقف الحافلات التي تحدد مسارات المناطق التي تمر بها، إنها مفيدة للغاية.
كما كان ينبغي عليّ التوضيح بشكلٍ سريع أنني لست متشدداً مثل العمال والنساجين الذين حطموا آلات النسيج في القرن التاسع عشر تعبيراً عن احتجاجاتهم.
ولكني أستخدم خدمات الإنترنت المختلفة بشكلٍ عام مثل موقع نتفليكس Netflix، وتويتر Twitter، والبريد الإلكتروني، من منزلي أو مكتبي، وأعتقد أن تلك الخدمات تستحق وقتي.
وفي بعض الأحيان، أستمتع بمشاهدة مقاطع الفيديو الطريفة مثل تلك التي تحتوي على شخص يسقط بطريقة مضحكة أو كلب يتظاهر بأنه إنسان.
هناك اعتقاد سائد أنني لا بد أن أشعر بسعادة أكثر بدون هاتف ذكي. حسناً، من المستحيل معرفة ذلك. شخصياً، لا أعتبر نفسي أكثر سعادةً من المستخدم الطبيعي للهاتف الذكي. إذ أقضي وقتي عندما أسافر بالقطار في الاستماع إلى الموسيقى والتدوينات الصوتية والنظر من النافذة.
وأشعر بالملل مثل أي شخص عادي، وبما أنني انتقلت حديثاً بعيداً عن لندن، أتنقل بالقطار في الوقت الحالي، من مقاطعة سَري في الجنوب من مدينة لندن إلى واترلو، وفي خلال الأسابيع الثلاثة منذ أن بدأت في فعل ذلك، تعرضت للخزعبلات المتداولة التي تملأ شاشات هواتف الناس، عدد لا يحصى من الصور التي التقطت أمام المرايا، يعرضون مفاتنهم. والرجال والنساء من جيل والدي يلعبون لعبة كاندي كراش Candy Crush. شاهدت شخصاً يشاهد مقطع فيديو مدته 10 دقائق لشخص (لطيف) يوثق رحلته أثناء إعداد وطهي الفطائر وتناولها – كما لو كان أحد أشهر الفنانين في عالم الطهي، مثل الكاتب والممثل الكوميدي والمقدم التليفزيوني، مايكل بالين في عالم السينما.
عندما أرى مثل تلك الأشياء، لا أشعر بأنني أفتقد الكثير.
وبصورة شخصية، كان هناك رادع آخر، يتمثل في إحدى صديقاتي السابقات التي شهدت تحولاً حزيناً في شخصيتها قبل وبعد استخدام الهاتف الذكي. لا أعتقد أنها كانت فريدة من نوعها، وليس من المبالغة القول بأنه يغير بشكل أساسي نسيج حياة الشخص وطريقة حياته ورؤيته للعالم.
من الناحية المثالية، آمل أن أرى المزيد من التساؤلات بدلاً من التوجه التلقائي نحو تكنولوجيا جديدة، ولكن يبدو أنه بمجرد أن يصبح شيء ما مشكلة خطيرة، فإنه تتم مواجهته وتقليل استخدامه.
هناك عامل آخر، وهو أنني كلما ابتعدت عنه لفترة أطول، زاد رفضي العنيد لامتلاكه.
في الآونة الأخيرة، اختبرت عزيمتي، لم أستطع أبداً أن أفهم لماذا لا يمكن إزالة المنظر المستمر من الحيرة والتركيز العميق على وجه أمي عندما تستخدم أحد الهواتف الذكية، مهما طال وقت الاستخدام.
لكنني الآن أعرف، وأشعر أنني سائر على نفس الدرب، في العشرينات من عمري؛ إذ تتخطى وتيرة ظهور التكنولوجيا الجديدة قدرتي على استخدامها بشكلٍ بديهي، وقد فكرت في الحصول على أحد هذه الهواتف الذكية فقط حتى لا أتجاوز ذلك التطور التكنولوجي كثيراً.
كما أنني أعترف تماماً أن طفلاً صغيراً في عمر 3 سنوات يمكنه استخدام هاتف ذكي أفضل منّي. وأخشى أن يأتي ذلك الوقت عندما يطلب منّي شخص غريب التقاط صورة باستخدام هاتفه – إن الأمر يتعدى بكثير مجرد الضغط على زر.
يدفعني ذلك للتساؤل دائماً عما إذا كان بإمكاني أن أعيش حياة طويلة وكاملة دون الحصول على هاتف ذكي.
على الأرجح لا أستطيع، في نهاية المطاف، لن أتمكن من استخدام هاتفي القديم لفترة طويلة، ولن يكون هناك سوى هواتف ذكية متاحة لاستبداله، أو نوع آخر من أنواع التكنولوجيا الهجينة القابلة للارتداء أو التي يُمكن أن تتصل مباشرةً بشبكية العين، لكنني أعتقد أنني أحب تلك الفكرة إلى حدٍ ما.
هذه التدوينة مترجمة عن النسخة البريطانية لـ "هاف بوست"..للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.