بعد أن بدأ الأسبوع بانتقاد عملية صنع القرار لدى دونالد ترامب، أنهاه رئيس الشركة الأكثر قيمة في العالم بالسخرية من عادات الرئيس الأميركي في التغريد على تويتر.
فأثناء إلقاء خطابه في حفل تخرج أحد أعرق معاهد التكنلوجيا في العالم، وهو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا يوم الجمعة، الـ 9 من يونيو/حزيران 2017، قال تيّم كوك مازحاً للخريجين "أنا أعلم أن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لديه تاريخ يعتز به من المزاح، أو كما تدعونه "المقالب". لن أعرف أبداً كيف أرسل طلاب معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عربة المريخ إلى قاعة محاضرات كريزج البيضاوية، أو كيف قاموا بوضع القبعة المروحية على القبة الكبرى. أو كيف قمتم، على ما يبدو، بالاستيلاء على حساب الرئيس على تويتر".
وأضاف مثيراً ضحك الحشد "أستطيع القول إن طلاب المعهد وراء ذلك، لأن معظم التغريدات تنشر في الثالثة صباحاً"، في إشارة إلى غرابة سلوك ترامب على تويتر.
وأشارت مجلة Time الأميركية إلى أنه في حين يبدو الأمر مزاحاً، يأتي سخط كوك على الرئيس ترامب في وقت حرج.
إذ حاول الرئيس التنفيذي لشركة آبل أن يوازن بين احترام الرئيس والحفاظ على مبادئ شركته، وبينما أبدى كوك استعداده للعمل مع إدارة ترامب، انتقد أيضاً سياساتها.
ففي يناير/كانون الثاني 2017، في أعقاب محاولة إدارة ترامب حظر المهاجرين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة من دخول الولايات المتحدة، كتب كوك رسالة بالبريد الإلكتروني للموظفين، مشيراً إلى أنها "سياسة لا نؤيدها".
وعقب خطابه الرئيسي في مؤتمر مطوري آبل قبل فترة وجيزة، قال لصحيفة بلومبرغ إن قرار ترامب بسحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس المناخي كان "خاطئاً".
وكانت بلومبرغ قد ذكرت في وقت سابق أن كوك قد اتصل بالبيت الأبيض، في أواخر مايو/أيار، لحث الرئيس على البقاء في الاتفاق البارز لتغير المناخ لعام 2015.
وقال كوك "لم يتخذ القرار السليم. قراره خاطئ. ما قرره ليس في مصلحة الولايات المتحدة".
هذا البيان، وكذلك مزحة خطاب التخرج المذكور، قد تجعل الجو مشوباً بالحرج عندما يتقابل الرئيس التنفيذي لشركة آبل مع ترامب وقادة الأعمال الآخرين في مجلس التكنولوجيا الأميركية بعد أسبوع.
ومن المتوقع أن ينضم كوك، مع الرئيس التنفيذي لشركة أمازون جيف بيزوس، والرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا، وغيرهم، إلى ما ينظر إليه على أنه استمرار لاجتماع، ديسمبر/كانون الأول 2016، الذي عقده ترامب مع قادة التكنولوجيا قبل تنصيبه.
الهجرة والبيئة
وقال مصدر رفض الكشف عن اسمه لأنه لم يكن مفوضاً بالتحدث لـ BuzzFeed News، إن المجلس سيبحث مسألة الهجرة بين موضوعات أخرى، بالرغم من أنه ما زال من غير الواضح ما إذا كانت هناك محادثات حول البيئة.
وقال المصدر إن جدول الأعمال لذلك الاجتماع لا يزال قيد الإعداد.
أما بقية خطاب كوك الذي استمر 14 دقيقة ، فكان نمطياً إلى حد كبير، حسب المجلة إذ قدم سرداً قصيراً عن كيف وجد هدفه في الحياة أخيراً، بعد أن عمل في شركة آبل مع ستيف جوبز، الرئيس التنفيذي آنذاك، الذي لا يزال خطابه عام 2005 في جامعة ستانفورد الذي حث فيه الخريجين على أن يبقوا "فضوليين، ومغامرين" يعتبر مرجعاً إلى اليوم.
أخذ حديث كوك لهجة أكثر قتامة إلى حد ما، وفي حين حث طلاب معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على خدمة الإنسانية من خلال مسيرتهم المهنية، نصحهم أيضاً بألا يولوا اهتماماً لعالم "يحاول دفعهم للتشاؤم".
لا تقتني أسهماً في آبل؟
أنهى كوك خطابه بحكاية عن اجتماع المساهمين الذي سأل فيه مستثمر لماذا تستثمر آبل بشكل كبير في المبادرات الخضراء دون عائد واضح على الاستثمار.
فرد قائلاً "إننا نقوم بذلك لأنه الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، وحماية البيئة مثال جيد".
وأضاف "أذكر أنه في اجتماعٍ للمساهمين منذ بضع سنوات مضتْ، شكّك أحدهم في قدرة آبل على التركيز على البيئة. وطَلب مني أن أتعهد بأن آبل لن تستثمر إلا في المبادرات الخضراء التي يمكن تبريرها مع عائدٍ على الاستثمار".
وأضاف "حاولتُ أن أكون دبلوماسياً. فأشرت إلى أن آبل تفعل العديد من الأشياء التي لا تعتمد على عائد الاستثمار، مثل ميزات إمكانية الوصول لذوي الإعاقة. ونحن نفعل هذه الأشياء لأنها هي الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، وحماية البيئة مثال قاطع على ذلك. لكنه لم يدع الأمرَ ليمرَّ وشأنه، وأثار الدمَ في عروقي. فاضطُررت إلى أن أقول له "إن لم تكن قادراً على قَبول موقفنا، فعليك ألا تمتلك سهماً في آبل".
وقال كوك "عندما تكون مقتنعاً بأن قضيتك صحيحة، يجب أن تكون لديك الشجاعة لاتخاذ موقف. إذا رأيت مشكلة أو ظلماً، تأكد ألا أحد سوف يصلحه إلا أنت".
ومن المقرر أن يجتمع كوك مع ترامب فى مجلس التكنولوجيا الأميركي، في 19 يونيو/حزيران 2017.
وخلال كلمته رأى تيّم كوك أن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT وشركة آبل لديهما الكثير من الأشياء المشتركة. قائلاً "كلانا يحب المشاكل الصعبة. كما نحب البحث عن الأفكار الجديدة. ونحب خصوصاً إيجاد تلك الأفكار -الكبيرة حقاً- تلك التي يمكنها أن تغير العالم.
كيف نجحت آبل في توظيف المجانين؟
وقال إنه عندنا توظف في شركة آبل، كانت الشركةُ تكافح من أجل البقاء. وكان ستيف جوبز عاد لتوِّه إلى آبل وأطلق حملة "فكّرْ باختلاف".
وأضاف "أراد أن يمكّن أولئك المجانين، من غير الأسوياء، والمتمردين، ومثيري الشغب، وأولئك الذين يرون الأشياء من منظور مختلف؛ لكي يقدموا أفضل ما عندهم. لأن ستيف كان يرى أننا إن فعلنا ذلك، فإنه بإمكاننا حقاً أن نغير هذا العالم".
وقال أنه قبل تلك اللحظة، "لم أكن قد التقيتُ قط قائداً بهذه العاطفة، ولا رأيتُ شركةً لها هذا الهدف الواضح والمُقنِع لخدمة الإنسانية. لقد كان الأمر بهذه البساطة خدمة الإنسانية.
وكان الأمر في تلك اللحظة كنَقرةِ زرٍّ ونقطةِ تحولٍ في حياتي، بعد خمسة عشر عاماً من العكوف على البحث. فشعرتُ أخيراً بالمواءمة. وأعني المواءمة مع شركةٍ تضمّ التحديات الصعبة والتطور، مع تركيز النظر على هدف أسمى. والمواءمة مع قائدٍ يرى أن التكنولوجيا التي لم تكن موجودة حتى الآن يمكن أن تعيد اختراعَ عالَمِ الغد. والمواءمة مع نفسي، ومع حاجتي العميقة إلى خدمة شيء أكبر وأسمَى".
وأضاف "ستيف وآبل أطلقا لنفسي العِنانَ في مجال عملي، لكي أتبنَّى رسالتهما: كيف يمكنني خدمة الإنسانية؟"
وتحدث عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا قائلاً "بفضل الاكتشافات التي أُجريت هنا، فإن مليارات الناس أصبحوا يعيشون حياة أكثر صحة وإنتاجية وإرضاءً".
وقال "إذا أردنا أن نحُلّ بعضاً من أصعب المشاكل التي لا تزال تواجه العالمَ اليومَ، بدءاً من السرطان، إلى تغير المناخ، إلى عدم المساواة في التعليم فإن التكنولوجيا ستساعدنا في تحقيق ذلك.
ولكنه استدرك قائلاً "الحلّ ليس في التكنولوجيا وحدَها. بل إنها في بعض الأحيان تكون جزءاً من المشكلة".
وقال "في العام الماضي قُدِّر لي أن أقابل البابا فرانسيس. وكان هذا اللقاء من أكثر اللقاءات المدهشة في حياتي. فهذا الرجل قضى مزيداً من الوقت في الترويح عن المنكوبين في الأحياء الفقيرة أكثر مما قضاه مع رؤساء الدول. قد يفاجئكم هذا الأمر، لكنه كان يعلم كميةً لا تُصدَّق عن التكنولوجيا".
وأضاف "كان مما أخبرني به في ذاك اللقاء يدور حول موضوع نحن مهتمون به في شركة آبل اهتماماً كبيراً، كانت بُشرَى في الحقيقة. لكنه أعرب عن قلق مشترك بطريقة جديدة قوية. فقال "لم تكن للبشرية هذا القدر من السلطة على نفسها، لكن لا شيء يضمن أنها ستَستَخدِم هذه القدرة بحكمة".
وقال تيّم كوك "لقد غدَتْ التكنولوجيا في يومِ الناس هذا جزءاً لا يتجزأ من جميع مناحي حياتنا، وهي في أغلب الأوقات تكون قوةً لفِعل الخيرات. ومع ذلك، فإن العواقب السلبية المحتملة تنتشر انتشاراً أسرعَ وأعمق من أي وقت مضى. منها: تهديدات لأمْننا، وتهديدات لخصوصيتنا، وأخبار مُضللة، ووسائل تواصل اجتماعية تصبح مضادةً للمجتمع. في بعض الأحيان تكون التكنولوجيا ذاتها التي تهدف إلى ربطنا هي التي تقسّمنا.
وأضاف أن التكنولوجيا قادرة على فِعل أشياء عظيمة، ولكن هناك جزء بها يأخذ أجملَ ما فينا. قِيَمنا، والتزامنا لعائلاتنا وجيراننا ومجتمعاتنا. يأخذ منا حُبنا للجَمال وإيمانَنا بأن كل مصائرنا مترابطة، ويسلب منا الأدب وكرم الأخلاق.
وتابع أنا لستُ قلقاً من الذكاء الاصطناعي الذي يمنح الحواسيبَ القدرةَ على التفكير كالبشر. وإنما يكثُر قلقي من الأشخاص الذين يفكرون كالحواسيب؛ فلا يعبأون بالقِيَم ولا يتحلّون بالشفقة والرحمة، غيرَ عابئين بالعواقب.
وقال "إن الإنترنت مكَّن الكثيرين ومنح القوة للكثيرين، ولكن يمكنه ايضاً أن يكون مكاناً تعطل فيه أبسط القواعد الأخلاقية وتزدهر فيه التفاهة والأفكار السلبية".
وأردف قائلاً "لا تستمع إلى مثيري الفتن، وبالله عليك، لا تصبح واحداً منهم. قِسْ تأثيرك على الإنسانية، وليس على عدد الإعجابات، ولكن على عدد الحيوات التي أثرت فيها. ليس على شعبيتك، ولكن على الناس الذين تخدمهم".
وأضاف لقد قال ستيف ذات مرة "ليست التكنولوجيا وحدَها كافيةً. ولكن الذي ينفعنا ويُنير قلوبنا هو التكنولوجيا المرتبطة بالفنون الحرة والمرتبطة بالإنسانية".