هل نقع في فخ نسخ المعلومات؟ هكذا تجعلنا “ويكيبيديا” بلداء

أصبحنا على اتصال دائم بالإنترنت، وأصبحنا قادرين على الولوج إلى كمّ غير محدود من المعلومات، وكل ما يفصلنا عنها هو كبسة زرّ.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/18 الساعة 04:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/18 الساعة 04:56 بتوقيت غرينتش

أصبحنا على اتصال دائم بالإنترنت، وأصبحنا قادرين على الولوج إلى كمّ غير محدود من المعلومات، وكل ما يفصلنا عنها هو كبسة زرّ.

وساهمت الإنترنت في تغيير واقع الدراسة لدى الطلاب، حيث أصبح القيام بالمهمات المدرسيّة يقتصر على كتابة الكلمات المفاتيح التي تتعلق بالمعلومة التي نبحث عنها على محركات البحث، وذلك عوض اللجوء إلى الطريقة التقليدية، أي استخدام الكتب كمراجع علمية. والجدير بالذكر أن هذه الطريقة من شأنها أن تحدّ من قوة الذاكرة، والاعتماد على الذات للتفكير.

وليست كل المصادر التي يطّلع عليها التلاميذ، بالضرورة موثوقة، على غرار الموسوعة الشهيرة "ويكيبيديا" على شبكة الإنترنت.

يُعدّ الموقع أفضل مثال عن الطريقة التي تعمل بها الشبكة العنكبوتية في تقديمها للمعرفة، وذلك باعتمادها على وجهة نظر الغالبية. وعلى سبيل المثال، إن كان المجتمع يتكون، وفق ما صرح به الفيلسوف جون ستيوارت، وقبله أفلاطون، من أغلبية حمقاء، وقلة من العقلاء، فلن يمرّ حينها مبدأ المعرفة الجماعية دون طرح العديد من التساؤلات بخصوصه.


وفي المقابل، تبدو موسوعة "ويكيبيديا"، بعد 15 سنة من إطلاقها، حاضرة وبقوة، فضلاً عن أن الصلة التي تربطها بمحرك البحث، "جوجل"، وثيقة للغاية. تقود نتيجة البحث في "جوجل"، في المقام الأول، إلى المقالات الموجودة بموقع ويكيبيديا. إلا أن هذه الأخيرة تعجّ، بالأساس، بأنصاف الحقائق والأخطاء. ووفقاً لآليات "السمعة الإلكترونية"، أي الرأي الذي يكوّنه رواد الإنترنت حول موضوع ما، يعدّ مستخدم الشبكة العنكبوتية، الذي يبادر بالمشاركة والنقاش والكتابة، والتعليق بشكل كثيف، عنصراً ذا أهمية بالغة.

الأشخاص الأكثر نشاطاً، الذين يتحركون باستمرار لإضافة شيء ما على مختلف المواقع، من قبيل ويكيبيديا، أو تويتر، أو فيسبوك، يكون لكلامهم وزن ويكسبون احترام الآخرين.

ونتيجة لذلك، تبرز حالة شبيهة بتلك التي تحدث عنها الفيلسوف توماس هوبز، حيث يتولى الشخص الثرثار وضع وتحديد قواعد اللعبة. كما أن هذا النوع من الأشخاص يعمل على إظهار المواضيع التافهة، التي تشد انتباه رواد الإنترنت، على أنها مواضيع بالغة الأهمية. وخير دليل على هذه الحقيقة، هو وجود أكثر من 600 مقال عن شخصية الرسوم المتحركة، هومر سيمبسون، في ويكيبيديا، مقابل عدد أقل بكثير من التقارير والمعلومات المرتبطة بحياة وأعمال الشاعر الإغريقي الأسطوري، هوميروس.


وتحتوي الموسوعة على مقال طويل يتحدث عن فيلم "حرب النجوم"، بشكل مفصل، الأمر الذي لا ينطبق على المقالات التي تتطرق إلى الحرب في العراق، أو الجنرال جوزيف غالياني، الذي وُجّهت إليه أصابع الاتهام على خلفية ارتكابه مجازر في مدغشقر، وذلك بالاعتماد على بيانات وأرقام خاطئة تماماً، مما يعتبر تضليلاً تاماً للحقائق.

من جانب آخر، يُظهر المقال المتعلق بالسياسي أندريه تارديو، الذي ترأس المجلس الفرنسي في الفترة الممتدة ما بين سنة 1929 و1932، أن هذه الشخصية تتسم بالفاشية والوصولية.

وتكمن المشكلة الأكبر في تزايد عدد الصحفيين الذين يكتفون بنسخ المعلومات الموجودة على موقع ويكيبيديا، دون بذل عناء التأكد من مصادرها والتثبت من صحتها.

ونجح طالب إيرلندي في علم الإجتماع، يُدعى شاين فيتزجيرالد، في إيقاع العديد من وسائل الإعلام في فخّه، حيث قام بإضافة استشهاد على لسان الموسيقار موريس جار، الذي وافته المنيّة سنة 2009، إلى المقال المتعلق به في موقع ويكيبيديا، مع العلم أن هذا الاقتباس لم يرد على لسان جارٍ.

وفي الأثناء، سارعت العشرات من وسائل الإعلام، في اليوم الموالي، إلى نشر هذا الاقتباس؛ ومن بينها صحيفتا "الغارديان" و"الإندبندنت"، الأمر الذي أثار دهشة الطالب الإيرلندي. والجدير بالذكر أن فيتزجيرالد كان يهدف من خلال هذا الأمر إلى إثبات حقيقة أن الصحفيين يعتمدون بشكل كبير على الشبكة العنكبوتية خلال عملهم.

من ناحية أخرى، تنخفض نسبة الخطأ بالمجالات العلمية على موقع ويكيبيديا، ذلك أن من يشارك في كتابة مقالاتها يكونون في معظمهم من ذوي الإختصاص. أما المجالات الأخرى، على غرار التاريخ والسياسة، فغالباً ما تعتبر ساحة للنزاعات الأيديولوجية، حيث إن غطاء السرية الذي تمنحه الإنترنت يسمح للجميع بتزوير الحقائق. ولكن المشكل الأكثر عمقاً، الذي تطرحه هذه الموسوعة، يتمثل أساساً في صانعي الأكاذيب الذين يتلذّذون بترويج المعلومة الخاطئة.

في بعض الأحيان، تكون المقالات التي تنتشر على موقع ويكيبيديا عبارة عن أكاذيب بحتة. فعلى سبيل المثال، ظهر مقال على الموقع يتحدث عن جزيرة، من وحي الخيال، تُدعى "بورشيسيا"، لم يتم محوه إلا بعد 236 يوماً.

وتجدر الإشارة إلى أن الموقع تتم مراقبته من قِبل متطوعين يعملون بشكل دوري. وقد يكونون مختصين أو هواة، مما يجعل أمر التحقق من كل ما يتم إضافته إلى الموسوعة خارجاً عن نطاقهم. وعن مدى "حياد" موقع ويكيبيديا، فهذه المسألة تعد مثيرة للجدل. فقبل بضع سنوات، تم إلغاء مقال يتحدث عن مرشح سياسي بارز، في حين أنه تم التصديق على آخر يتعلق بممثل غير مشهور.


ووفقاً للفيلسوف والكاتب الإيطالي أومبرتو إكو، فإن ويكيبيديا من شأنها أن تُعمّق الهوة بين أغنياء الفكر وفقرائه، وبين المتفوقين في الدراسة والبقية. وفي هذا الصدد، صرّح أومبرتو إكو، خلال مقابلة له بتاريخ 24 أبريل/نيسان سنة 2010، بأن "الحاسوب بشكل عام، والشبكة العنكبوتية بشكل خاص، يصبّان في مصلحة الأغنياء ويحدِثان أضراراً بالغة للفقراء. بالنسبة لي، تقدّم ويكيبيديا الإضافة نوعاً ما، ذلك أنني أجد ما أبحث عنه من معلومات. خلافاً لذلك، أرفض التسليم بما يحتويه الموقع؛ إذ إنه وبقدر ما تتطور الموسوعة، تتكاثر الأخطاء والمغالطات".

وأضاف إكو أنه "على المستوى الشخصي، وجدت معلومات تتعلق بي تخلو من المنطق، ولولا أن أحدهم حذّرني بهذا الخصوص، كانت ستبقى تلك المعلومات دون حذف. في الحقيقة، يتميز الأغنياء بمستوى عالٍ من الثقافة، الأمر الذي يجعلهم مطّلعين على العديد من المصادر الموثوقة مائة في المائة. أما من جهتي، وخلال بحثي عن معلومة ما، فأتحقق من ويكيبيديا في نسخته الإيطالية، ومن ثم أطالع المقال باللغة الإنكليزية، وفي النهاية، أتثبّت من مصدر ثالث، وفي حال تطابقت المعلومات الموجودة في جميع المصادر، حينها أبدأ بتصديقها".

وأردف إكو أن "الأشخاص الذين يفتقرون إلى سرعة البديهة والذكاء، يكتفون بأول معلومة تعترض طريقهم وتنتهي القصة. بمعنى آخر، وكما هو الحال بالنسبة للشبكة العنكبوتية، لا بد من التحقق من صحة المعلومات التي ترد في موقع ويكيبيديا، ذلك أن هذا الموقع يشمل ما هو صحيح وخاطئ على حد سواء".

ويبقى المشكل المطروح، هو قدرة أي شخص، بالاعتماد على مزاجه، على كتابة الهراء والخرافات بالموقع. وفي هذا الصدد، قال أومبرتو إكو بكتابه "العدد صفر": "لقد أعطينا حق الكلمة لجحافل من الأغبياء. لم يكن جهلهم يمثل ضرراً قبل الآن لأحد، حيث كان الجميع يُسكتون الجاهل إذا ما تكلم على الفور. أما في الوقت الراهن فيمتلكون حق التكلم فيما يشاءون. إن الأمر أصبح شبيهاً بغزو الحمقى للعالم".

"هذا الموضوع مترجم عن موقع Huffington Post في نسخته الفرنسية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا".

علامات:
تحميل المزيد