كشفت سامسونغ أخيراً عن الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انفجار بطاريات هواتف Galaxy Note 7 " غالكسي نوت 7" والذي أسفر عنه واحدة من أكبر عمليات سحب المنتجات التقنية من الأسواق التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة.
وفي مؤتمر صحفي عقدته الشركة صباح الاثنين 23 يناير/كانون الثاني 2017، في مقرها الرئيسي في العاصمة الكورية الجنوبية سيول، قال رئيس وحدة أعمال الهواتف المحمولة في سامسونغ، دونج جين كوه، إن هنالك سببين لانفجار بطاريات أجهزة غالكسي نوت 7، الأول مرتبط بالدفعة الأساسية من الأجهزة التي صنعتها الشركة، والثاني بالأجهزة البديلة التي قدمتها بصفتها حلاً للخلل الأول.
وقال إن بطاريات الدفعة الأساسية من الأجهزة كانت تعاني من خلل في التصميم، بحيث كان الغطاء الخارجي للبطارية صغيراً جداً بحيث لم يكن بمقدوره استيعاب المكونات التي بداخله، مما تسبب في حدوث تماس كهربائي والتسبب في اشتعال البطارية وانفجار الجهاز في بعض الأحيان.
المشكلة بالتفصيل
ولتوضيح الأمر وتفصيله بشكل أكثر فإن صغر حجم الغلاف الخارجي للبطارية أحدث خللاً في عملية التمدد الطبيعية للمكونات بداخله، مسبباً تداخلاً خطراً للمكونات واختلاطها ببعضها، وتحديداً انحراف طرف القطب السالب في الزاوية اليمنى العليا من البطارية، وإيجاد نقطة تماس خطرة أدت إلى حدوث ماس كهربائي داخلي.
أما بطاريات الأجهزة البديلة –التي قدمتها سامسونغ لعملائها ضمن برنامج الاستبدال- والتي أتت من مزود آخر، فإنها لم تكن تعاني من ذات الخلل، حيث عثرت سامسونغ خلال تحقيقاتها على كتلة نحاس ذائبة في منطقة القطب السالب، والتي أشار إليها كوه على أنها مشكلة في عملية اللحام أدت إلى إحداث نقطة تلاقي بين الطبقتين السالبة والموجبة محدثة تماساً كهربائياً أدى في بعض الحالات إلى اشتعال البطارية وانفجار الهواتف.
وأعرب كوه عن بالغ اعتذاره وامتنانه الكبير لعملاء هاتف غالاكسي نوت Note 7 ومشغلي شبكات الهاتف المحمول وشركاء البيع بالتجزئة والتوزيع وشركاء العمل على صبرهم ودعمهم المتواصل.
وأكدت سامسونغ، بعد اختبار الهواتف والبطاريات، أن الأسباب في اشتعال بطاريات هواتف غالاكسي نوت 7 يعود إلى البطاريات وليس إلى الهواتف ذاتها.
وتأتي تصريحات سامسونغ الرسمية لتضع حداً للغموض والتخمينات التي جرى تداولها، إلا أنها تفرض تحدياً جديداً للشركة يتمثل بإعادة كسب ثقة المستخدمين بهواتفها بعد عدة أشهر كارثية تعرضت لها الشركة ونتجت عن نوعين من القرارات وعمليات السحب والاستبدال والإيقاف النهائي.
وشهد المؤتمر الصحفي الذي عقدته سامسونغ صباح اليوم بداية جديدة لإعادة بناء مصداقية الشركة، وذلك مع نية الشركة إطلاق هاتفها الرائد القادم غالاكسي إس 8 وهاتف آخر من فئة غالاكسي نوت في وقت لاحق من العام الحالي.
وقد شاركت ثلاث شركات اختبار مستقلة ضمن المؤتمر الصحفي هي UL وExponent وTUV Rheinland، والتي توصلت إلى نفس النتائج التي توصلت إليها شركة سامسونغ بأن المشكلة كانت بالبطارية وليست بالهاتف أو تصميمه أو عملية تصنيعه، وأوضحت شركة Exponent أن الإلكترونيات المصممة من قبل شركة سامسونغ لم تساهم في هذا الخلل ولم تحفز خلايا البطارية ومكوناتها الداخلية على التسبب في الخلل.
وتعتبر سلسة أجهزة نوت Note مهمة جداً للشركة بالرغم من كونها ليست أكثر الهواتف مبيعاً بالنسبة لسامسونغ، حيث تعتبر أجهزة نوت إحدى هواتف الشركة الرائدة التي يجري الكشف عنها في كل عام، وكان يفترض بجهاز نوت 7 أن يكون منافساً شرساً لهاتف آيفون 7 بلس من شركة آبل.
وتتوقع سامسونغ أن تؤدي كارثة Galaxy Note 7، التي أدت إلى سحب 3 ملايين هاتف من السوق، إلى خسارتها لمبلغ يقدر بحوالي 5 مليارات دولار، بحيث لا يتضمن هذا الرقم التبعات المتعلقة بسمعة الشركة وثقة المستهلكين بها، الأمر الذي قد يستغرق شهوراً أو حتى سنوات لإصلاحه، وفقاً لآراء العديد من الخبراء في هذا المجال.
وتكمن المهمة الأكبر لسامسونغ هذا العام في استعادة ثقة المستهلك وأن توضح للعملاء الحاليين والمستقبليين أن أجهزتها آمنة، وأن مثل هذه المشكلة لن تتكرر مرة أخرى، حيث أعرب كبار المسؤولين التنفيذيين للشركة عن أملهم في أن تشكل الشفافية الخطوة الأولى نحو هذا الموضوع.
بداية الحكاية
وكانت المشاكل قد بدأت مع هاتف نوت 7 بعد فترة قصيرة من الإعلان عنه ووصوله إلى الأسواق في منتصف شهر أغسطس/آب 2016، حيث بدأ المستخدمون بالإبلاغ عن وجود مشاكل تتمثل بارتفاع حرارة الجهاز، الأمر الذي دفع بالشركة للربط بين تلك المشاكل وعيوب في البطارية.
وعملت الشركة على استعادة الهواتف المباعة والموجودة في السوق من خلال برامج استبدال في سبيل إنهاء هذه المشكلة عبر تزويدها ببطاريات جديدة من مورد آخر، إلا أن هذا الأمر لم يحل المشكلة حيث بدأت مشاكل الحرارة بالظهور ضمن الهواتف التي جرى استبدال بطاريتها.
ودفع هذا الأمر الشركة إلى اتخاذ قرار تاريخي قد يكون غير مسبوق في تاريخ التقنية والذي تمثل بسحب جميع الأجهزة الموجودة في الأسواق والبالغ عددها حوالي 3 ملايين هاتف وتعويض المستخدمين بشكل كامل والتوقف عن تصنيع هاتف نوت 7 والتركيز على التحقيقات ومعرفة سبب حدوث هذه الكارثة.
الشروع بالتحقيق وإجراء الاختبارات
شرعت الشركة بالتحقيقات بجدية كبيرة، حيث بنت مرافق اختبار في كل من المواقع الأربعة المستخدمة من قبلها لتصنيع هواتفها وهي مدينة غومي في كوريا الجنوبية وفي العاصمة الفيتنامية هانوي وفي هويتشو وتيانجين في الصين، واختبرت هذه المواقع الأربعة معاً أكثر من 200 ألف هاتف Note 7 مع بطارياتها، كما جرى اختبار أكثر من 30 ألف بطارية بشكل مستقل.
وخصصت الشركة أكثر من 700 مهندس، والجدير بالذكر أن لديها أكثر من 70 ألف مهندس منتشرين في مختلف أقسامها، يعملون لديها في قسم الهواتف المحمولة لأداء عمليات الاختبارات التي بدأت بعمليات فحص طالت البرمجيات والعتاد وعملية التصنيع والجودة والاختبار والضمان وسلاسل التوريد.
كما طالت عمليات الاختبار والفحص أموراً مختلفة مثل فيما إذا كانت ميزات مثل الماسح الضوئي لقزحية العين أو خوارزميات البرمجيات قد أدت إلى ارتفاع درجة الحرارة، أو إذا كانت ميزات مثل الشحن السريع أو مقاومة المياه أو منفذ USB-C قد لعبت دوراً في هذه المشكلة.
وكانت التحقيقات في البداية من غير جدوى، حيث لم تجد أي شيء له علاقة بهذه المشكلة ولا عيوب في البرمجيات أو العتاد أو عمليات التصنيع أو الخدمات اللوجستية أو أي من تلك الأمور التي للشركة علاقة مباشرة بها، بحيث تحول تركيز الشركة نحو البطاريات، وتبين للمهندسين أثناء عمليات الاختبار أن البطاريات قد تكون السبب المباشر لارتفاع درجة الحرارة ضمن الأجهزة أو من تلقاء نفسها.
ما هي الشركات التي صنعت بطاريات سامسونغ المشؤومة؟!
وتمتلك سامسونغ اثنين من الموردين المنفصلين لبطاريات هاتف Note 7، اللذين يعملان على توريد بطاريات مخصصة للهاتف، حيث تقوم الشركة بتحديد ما تريده من الخصائص مثل الجهد والحجم ثم تطلب من الموردين تصميم وتصنيع بطاريات مخصصة للهاتف وفق ما يرونه مناسباً.
ورفضت الشركة تأكيد أسماء الموردين، إلا أن لجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية الأميركية أشارت إلى شركة Samsung SDI، وهي شركة منفصلة عن شركة سامسونغ للإلكترونيات وتتبع للشركة الأم نفسها سامسونغ جروب، هي المسؤولة عن البطاريات التي كانت موجودة في الأجهزة الأصلية التي جرى استدعاؤها من السوق، بينما اعترفت شركة Amperex للتكنولوجيا الواقع مقرها في هونغ كونغ على موقعها على الإنترنت بأنها هي المورد الثاني للبطاريات.
واكتشفت سامسونغ عيباً تصميمياً في بطاريات المورد الأول الذي أطلقت عليها Battery A، حيث عملت الشركة على تصنيع الغلاف الخارجي للبطارية بحيث لم يكن هناك مساحة كافية لتمدد وتوسع البطارية، وهو ما يحصل عند عملية الشحن والتفريغ العادية، مما أدى إلى حدوث تماس بين الأقطاب السلبية والإيجابية للبطارية وحدوث المشكلة.
بينما ارتبطت المشاكل التي ظهرت في بطاريات المورد الثاني لشركة سامسونغ التي أطلقت عليها اسم Battery B بمشاكل تصنيعية ومشاكل من حيث الجودة، حيث عملت الدفعة الأولى من البطاريات بشكل جيد، إلا أن المشاكل بدأت مع المورد عندما طلبت سامسونغ زيادة الدفعات المصنعة وبشكل سريع لتلبية الطلب.
وطلبت الشركة من المورد الثاني بناء حوالي 10 ملايين بطارية جديدة، إلا أن المورد لم يكن قادراً على تصنيع تلك الكمية بنفس الجودة الكافية، مما أدى إلى حدوث أخطاء في عملية تصنيع البطارية وظهور بعض النتوءات التي تتعلق بعملية اللحم بالموجات فوق الصوتية مما تسبب بالكارثة.
واضطرت شركة سامسونغ للقيام باختبار الأشعة السينية X-ray على البطارية Battery A للعثور على المشكلة، في حين تطلب الأمر تفكيك البطارية الثانية Battery B للعثور على الخطأ، حيث أن مثل هذه الخطوات لا تدخل ضمن عملية الاختبار العادية التي تجريها الشركة إلا أنها يجب أن تتم من قبل الشركات المصنعة للبطاريات.
تغييرات جذرية وثماني نقاط للفحص والتحري!
غيرت شركة سامسونغ حالياً العمليات التي تجريها لتجربة المكونات الأساسية لهواتفها، حيث أسست الشركة عملية تفتيش من ثماني نقاط لفحص البطاريات على وجه التحديد، بحيث أن بعض الخطوات كان الموردون يقومون بها وبعضها جديد كلياً، وهناك بعض الاختبارات التي سوف تبدأ بها الشركة والتي تعتبر أعلى بكثير وأبعد من المعايير الموجودة حالياً في مثل هذه الصناعة.
ويعتبر اختبار المتانة أحد تلك الاختبارات، بحيث يجري دراسة كاملة عن البطارية عند تعرضها للشحن الزائد أو ثقبها بواسطة مسمار أو تعرضها لدرجات حرارة عالية، كما تنوي الشركة فحص كل البطاريات بصرياً وإخضاعها لاختبار الأشعة السينية لإظهار البطاريات التي بها خلل.
كما ستخضع البطاريات لاختبارات واسعة وكبيرة فيما يخص عملية الشحن والتفريغ ومحاكاة لسيناريوهات الاستخدام من قبل المستهلك وتفكيك البطاريات لتفقد جودتها الكلية، إلى جانب اختبارات أخرى سوف تبحث عن إمكانية وجود ضعف في عناصر البطارية والجهاز بشكل كامل أو أي تغيير في التيار الكهربائي أثناء عملية التصنيع.
ويخضع هاتف غالاكسي إس 8 الرائد المتوقع إطلاقه هذا الربيع لهذه العمليات والاختبارات الجديدة، بينما أعلنت الشركة سابقاً تمكنها من استعادة ما نسبته 96 في المئة من مجمل الهواتف المباعة من فئة Note 7 البالغ عددها حوالي 3 ملايين هاتف في جميع أنحاء العالم.