نعم الألعاب الآن تقتحم عالم الصحة العقلية والنفسية لاستغلال التفاعل في حل المشكلات التي تواجه البعض عقلياً أو نفسياً.
بحسب صحيفة The New York Times الأمريكية؛ تأتي لعبة Sea of Solitude، التي ستنشرها Electronic Arts هذا العام، بين عدد متزايد من ألعاب الفيديو التي تتناول مشكلات الصحة العقلية.
في مغامرة لعبة الفيديو "Sea of Solitude"، تتنقل الشخصية الرئيسية –امرأة شابة اسمها كاي– في مدينة غارقة جزئياً وتواجه عدداً كبيراً من الحرشفيات ذات الأعين الحمراء.
ليست هذه الكائنات مرعبة بقدر شياطينها الخاصة. ومع التقدم في اللعبة، تدرك كاي أن المخلوقات التي تواجهها بشر تحولوا إلى وحوش عندما أصبحت وحيدة تماماً. ولكي تنقذ نفسها، تقاتل للتغلب على وحدتها.
صُممت شخصية كاي بواسطة مخرجة اللعبة الإبداعية، كورنيلا غيبرت من استوديو الألعاب المستقل "Jo-Mei Games"، التي عانت بعد انفصالها عنها عام 2013.
وقالت غيبرت، 37 عاماً، عن هذه التجربة: "شعرت كما لو أنني محبوسة في قفص".
اتجاه مهم في عالم الألعاب
خلال العام السابق، تعمّقت لعبة Celeste لاستكشاف مشاعر الاكتئاب والقلق من خلال بطل اللعبة، الذي كان عليه أن يتجنَّب العوائق الجسدية والعاطفية.
وعام 2017، في لعبة فيديو الحركة والمغامرة الخيالية Hellblade: Senua's Sacrifice، كان محارب سيلتك الشاب مصاباً بالذهان.
وتطور عدد من الألعاب الأخرى خلال الأعوام الأخيرة، من بينها Night in the Woods وPry، لتتعمق بشكل خاص إلى الهوية الذاتية، ومشكلات الغضب واضطرابات ما بعد الصدمات. جميع هذه الألعاب تتبع لعبة الخيال التفاعلية Depression Quest الصادرة عام 2013، التي تطلب من اللاعبين تقمص دور شخصية مصابة بالاكتئاب.
هذه الألعاب بعيدة كل البعد عن مسارات القصص المعروفة في مجال الألعاب مثل ساحات القتال أو مغامرات نهاية العالم وهجوم الزومبي.
ولكن مع التحول الثقافي وتزايد المناقشات الدائرة حول الصحة العقلية، استجاب صانعو المحتوى لهذا التحول. وفقاً للمعهد الوطني للصحة العقلية، يعيش واحد من بين كل خمسة بالغين في الولايات المتحدة بمرض عقلي.
وتقول إيفي كريفوشاي، المديرة التنفيذية لمؤسسة Take This غير الربحية، التي تعمل على تثقيف مطوّري ألعاب الفيديو بأفضل الممارسات لتصوير الصحة العقلية:
"أصبحت الصحة العقلية في مكانة أكثر مركزية في ثقافتنا، مع الجهود المتزايدة لتطبيع التحديات التي تواجه الصحة العقلية. واستجابت المجالات الإبداعية إلى هذا التوجّه، ومن بينها صناعة الألعاب". (تأسست Take This عام 2013 بعد انتحار صحفي ألعاب فيديو، مما أثار النقاش والجدل حول تلك المشكلة).
المستقلين هم الأكثر اهتماماً
وحتى الآن، معظم الألعاب التي تتناول مشكلات الصحة العقلية تأتي من صنّاع ألعاب مستقلين، والذين يكونون عادة أكثر استعداداً وقدرة على المخاطرة باستكشاف أمور جديدة غير اعتيادية. بينما تشهد Sea of Solitude تحولاً في هذا الأمر:
فهي مغامرة ومقامرة من Electronic Arts لكي تستثمر في هذا الموضوع، وهي واحدة من أكبر الناشرين في هذا المجال، والمشهورة بألعاب Madden لكرة القدم وألعاب الحرب Battlefield.
قال روب ليتس، المدير العام لـEA Originals التي تركّز على نشر الألعاب المستقلة: "لقد انبهرنا بمدى شغف كوني ورؤيتها الفنية في لعبة Sea of Solitude، إنها فريدة من نوعها، وصمَّمتها بطريقة جميلة لتصبح واحدة من الألعاب القوية والمهمة".
ويعتقد البعض أن الطبيعة التفاعلية للألعاب تجعلها أكثر فاعلية من الأفلام أو البرامج التلفزيونية في تناول أمور الصحة العقلية.
تجربة تجسيد شخصية لعبة فيديو تعاني من الاكتئاب قد تترك تأثيراً أعمق عن صعوبات هذا المرض عن مشاهدة فيلم يتحدث عن نفس الشخصية.
اختبار العالم بعين أخرى
ويقول رافائيل بوكامازو، الممارس في مجال الصحة العقلية في سياتل، ويعمل بمؤسسة Take This: "ألعاب الفيديو قد تكون طريقة أكثر فاعلية للارتداد من الحالة الذهنية السلبية عن الوسائل السلبية الأخرى مثل التلفزيون أو الأفلام".
وهذا ما اختبرته سام رودريغيز، 26 عاماً، بعدما لعبت واحدة من ألعاب الفيديو تلك، Night in the Woods. وقالت رودريغيز، كاتبة مستقلة في أتلانتا، إن تشخيصها بالاضطراب ثنائي القطب العام الماضي أشعرها بالعزلة والضياع.
لكنها قالت إنها شعرت بالارتباط والصلة نحو بطلة لعبة Night in the Woods، ماي، التي تركت كليتها لتعود إلى موطنها، ولكنها تكافح لإعادة التواصل مع عائلتها وأصدقائها.
قالت رودريغيز إن تجربتها الأولى في اللعبة كانت عاطفية جداً، لأنها "كانت قادرة على اختبار العالم من خلال عينيّ شخص مثلها، يشعر بالعجز وبلا غاية في الحياة".
وأضافت أنها شعرت بانجذاب خاص لاستخدام "ماي" للسخرية، لإخفاء وصرف الانتباه عن مشكلاتها الخاصة.
وقالت رودريغيز إنها كانت تخضع للعلاج بالفعل، ولكن اللعبة شجَّعتها وحفَّزتها لتكون أكثر صدقاً وتقبلاً مع معالجها.
ومنذ ذلك الحين أصبحت رودريغيز سفيرة في برنامج Take This، حيث تناقش بانتظام أمور الصحة العقلية عبر قنواتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر منصة البث المباشرة Twitch.
النمط المساعد في Stardew Valley
قال صنّاع ألعاب الصحة العقلية إنهم رأوا ردود فعل مماثلة من لاعبين آخرين. إريك بارون، 31 عاماً، مصمم لعبة المحاكاة وتقمص الأدوار Stardew Valley التي صدرت عام 2016.
والتي لا تعاقب اللاعبين لعدم إكمال المهام وتخلق جواً بطيء الوتيرة، حيث الهدف الرئيسي هو العناية بمزرعة متهالكة، قال إنه تلقّى مئات الرسائل.
كتب إليه اللاعبون يشاركونه قصصهم وكيف ساعدتهم اللعبة على تجاوز فترات صعبة في حياتهم.
قال باروني: "إحدى القصص التي تحضرني لشخص لديه أخ أصغر مصاب بالتوحد، وكانت تواجهه صعوبات كبيرة في التعامل معه. ولكن لعبة Stardew Valley ساعدته على الانفتاح أكثر، وسمحت للأخوين أن يرتبطوا بطريقة لم تكن ممكنة من قبل".
بعض صانعي الألعاب الآن يطوّرون ألعاباً لتعزيز الصحة العقلية بشكل أفضل.
تعمل الشركة الناشئة Orpheus Self Care Entertainment، التي تأسست العام الماضي، على نشر ألعاب واقع افتراضي يمارس خلالها اللاعبون التأمل والتركيز الكامل للذهن من خلال أنشطة مثل الرقص. في لعبة واحدة، يحرك اللاعبون أجسامهم في الواقع الافتراضي لخلق أنماط وأشكال تبدل وتغيّر الألوان.
نقطة تحول مهمة
وتعمل أيضاً IThrive Games Foundation، المؤسسة غير الربحية التي تهدف لتحسين الصحة العقلية للمراهقين من خلال الألعاب والتثقيف، على لعبة هاتفية جديدة للمراهقين الذين يعانون من القلق.
وتجرّب المؤسسة بعضَ أنماط اللعب المختلفة، مِن تقمص الأدوار إلى اختيار المغامرة بنفسك، من أجل هذه اللعبة، وتأمل IThrive اختبار اللعبة بحلول العام القادم.
وتقول كيلي دونلاب، مديرة بحوث الصحة العقلية في iThrive: "أنْ تطلب من شخص ما أن يلعب معك له وقع مختلف تماماً عندما تطلب منه التحدث عن مشكلاته".
وتقول كريفوشاي من مبادرة Take This، إن مجال الألعاب كان يمر بنقطة تحول مهمة في كيفية تقبّل واحتضان مشكلات وصعوبات الصحة العقلية. قالت إنها أرادت أن ترى المزيد من المطورين المعروفين يتطرقون إلى الموضوع، والمزيد من الدعم للاعبين الذين أفصحوا عن تلك الصعوبات. وقالت: "ندرك أن هذه التغييرات ليست سهلة، ولكننا نريد أن نخوض التجربة".