سيطرت قوات الدعم السريع، في أكتوبر/ تشرين الأول 2025، على مدينة الفاشر، مركز ولاية شمال دارفور، ما أثار تحذيرات من تكريس تقسيم جغرافي للبلاد، لا سيما أنها بذلك باتت تسيطر على الغرب السوداني، وعلى إقليم دارفور بالكامل، لأول مرة منذ بداية الحرب.
باتت قوات الدعم السريع تحتل كل مراكز ولايات دارفور الخمس، التي تشكل إقليم دارفور غربي السودان، وأثارت هذه التطورات تساؤلات عن أهمية الفاشر، والسيطرة على كامل إقليم دارفور.
 
					وتقع الفاشر في شمال دارفور، وتعد هذه هي المرة الأولى التي تتمكن فيها قوات الدعم السريع من السيطرة عليها، على إثر حصار طويل قامت به امتد لأكثر من 500 يوم، تسبب بحدوث مجاعة فيها، وهي متهمة بارتكاب مجازر ومذابح جماعية وفق ما وثقته الفيديوهات التي نشرها عناصرها، الأمر الذي دفع بقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" بالإقرار بحدوث "تجاوزات" من قواته بالفاشر، مدعيا تشكيل لجان تحقيق.
خريطة النفوذ
بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، فإنها باتت تسيطر على 5 ولايات في السودان من أصل 18 ولاية في عموم البلاد.
في المقابل، يسيطر الجيش السوداني على أغلب مناطق والولايات الـ13 المتبقية بالجنوب والشمال والشرق والوسط، بما فيها العاصمة الخرطوم.
ويشكل إقليم دارفور نحو خمس مساحة السودان، إلا أن معظم السودانيين الذين يبلغ عددهم 50 مليوناً يسكنون بمناطق سيطرة الجيش السوداني بحسب ما أكدته تقارير للأمم المتحدة.
أهمية الفاشر الاستراتيجية
تحمل السيطرة على الفاشر من قوات الدعم السريع ووقوع إقليم دارفور بأكمله بيدها، أهمية استراتيجية، بسبب موقع تلك المنطقة وأهميتها الديمغرافية والعسكرية والإنسانية.
إذ إن ولاية شمال دارفور، يمكنها فتح الطريق للربط بين العاصمة الخرطوم وبقية مدن ولايات غرب السودان في حال تمكن قوات الدعم السريع من إحكام السيطرة على كامل شمال كردفان، التي يستحوذ على كثير من مناطقها.
وبسيطرة الدعم السريع على تلك المنطقة، فإنه يتمكن من عرقلة دخول أي إمدادات عسكرية للجيش، وتحصيل الضرائب المالية من الشاحنات التجارية القادمة من الخرطوم وبورتسودان.
وبحسب مصدر عسكري سوداني لـ"عربي بوست"، فإن أهمية الفاشر تكمن في أنها:
- مركز للنازحين في إقليم دارفور.
- تمثل عاصمة للحركات المسلحة المناهضة لقوات الدعم السريع.
- يقع فيها مقر الفرقة 6 مشاة، وهي تمثل حامية عسكرية رئيسية للجيش السوداني في دارفور.
- السيطرة على الطرق الرئيسية التي تربط إقليم دارفور بالعاصمة الخرطوم وولايات كردفان.
- تفتح السيطرة عليها إمكانية دعوى الدعم السريع إلى الانفصال، وإقامة منطقة حكم ذاتي في إقليم دارفور بالكامل.
- تفتح شهية الدعم السريع لاستكمال السيطرة على كامل ولايات كردفان المجاورة لإقليم دارفور.
وتأتي سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، في وقت يمضي فيه المسار السياسي قدماً، بدفع من الرباعية الدولية (مصر، الإمارات، أمريكا، السعودية)، إذ من المتوقع أن تمنح التطورات الميدانية موقعاً تفاوضياً أقوى لقوات الدعم السريع، إذ يشكل إقليم دارفور بوابة السودان نحو 4 دول أفريقية ترتبط بامتدادات قبلية واقتصادية عميقة، وهي تشاد، وليبيا، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان.
حول ذلك، قال خبير إدارة الأزمات والكوارث، والتخطيط الاستراتيجي، اللواء ركن أمين إسماعيل مجذوب، لـ"عربي بوست"، في تصريح سابق، إن "الدعم السريع ترى أن السيطرة على الفاشر ترفع الروح المعنوية والسياسية باعتبارها عاصمةً الإقليم، وبأخذ الاعتبار رمزيتها تلك عند الحركات المسلحة".
لكنه رأى أن ما يؤثر على الحركات المسلحة حقيقة أن "الفاشر المحافظة التي نزح إليها الأهالي في دارفور في المقام الأول، وكونها العاصمة التاريخية في المقام الثاني، والانتهاكات التي قامت بها الدعم السريع في كل المناطق المختلفة في دارفور والعاصمة، كل ذلك كان سبباً في انحياز الحركات المسلحة للجيش، والدخول معه في الحرب لتأمين مناطقها".
ولكنه توقع أن يعود القتال إلى ولايات وسط البلاد، واستهداف الدعم السريع ولاية الخرطوم مجدداً، ما لم يستطع الجيش إبعادها من ولاية شمال كردفان، التي توفر طريق إمداد عسكري لتهديد العاصمة.
أهمية تاريخية لمدينة الفاشر
تُعدّ مدينة الفاشر حاضرة شمال عاصمة إقليم غربي السودان، وكذلك العاصمة التاريخية لدارفور الكبرى، مقر السلطان علي دينار، وحاكم إقليم دارفور منذ عام 1899م حتى 1916م.
تتمتع الفاشر بموقعها الجغرافي الذي يميزها عن بقية مدن إقليم دارفور، وتعدّ السوق الرسمية للمحصولات الزراعية، بالإضافة إلى رمزيتها السياسية لسلطنة الفور (دولة ما قبل الاستعمار)، ومكانة متحف السُّلطان التاريخي في وسط المدينة لسكان المنطقة.
كانت الفاشر المحطة الرئيسية للقوافل التجارية والطرق البرية التي تربطها بكافة مدن الإقليم ودول الجوار الغربية وبقية مناطق السودان، لاسيما المنطقة العربية أيضاً.
وعُرف عن مدينة الفاشر اهتمام أهلها بتحفيظ القرآن، وتدريس علومه، وأنها تُعدّ مجمعاً لانطلاق حجاج بيت الله الحرام من أفريقيا إلى مكة والمدينة المنورة.
وعرفت أيضاً بـ"كسوة الكعبة" المشرفة، التي يمنحها السلطان علي دينار سنوياً من الفاشر في دارفور إلى مكة المكرمة، وتتميز بنسيج اجتماعي فريد، إذ إن كل القبائل الدارفورية تقطنها، وفيها مطار دولي.
الحركات المسلحة في الفاشر
تعكس أهمية الفاشر أنها مركز للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا.
وكان موقف الحركات المسلحة في دارفور من الاقتتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع هو الحياد، إلا أنها بدأت الانحياز لصالح الجيش منذ أن بدأ الدعم السريع حصاره لمدينة الفاشر.
وكانت حركتا العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي، الذي يتولى أيضاً منصب حاكم إقليم دارفور، قررتا في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مغادرة منطقة الحياد ومواجهة قوات الدعم السريع.
وجاء موقف القوة المشتركة للحركات المسلحة في دارفور باتهام قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية ضد المدنيين في الفاشر، مطالبة بتصنيف الدعم السريع "منظمة إرهابية".
ولا يعلم بعد الموقف العسكري للحركات المسلحة في الفاشر مما حدث فيها، فلم تنشر أخبار عن حدوث اشتباكات بينها وبين قوات الدعم السريع هناك حتى الآن.
وتعد الفرقة 6 مشاة الحامية العسكرية الأخيرة للجيش السوداني التي تسقط في إقليم دارفور.
وحاول "عربي بوست" الحصول على إفادة من الجيش السوداني، إلا أن متحدثين باسمه رفضوا التعليق.
في حين قال الخبير العسكري أمين مجذوب لـ"عربي بوست"، إن "مسألة إخلاء الحاميات العسكرية الصغيرة أو انسحابها مسائل فنية وتكتيكية عسكرية تعتمد على قرار القائد العام، وعلى قرار القيادة العامة، وهيئة العمليات التي تدير هذه المعركة".
وأضاف: "في تقديري، ربما رأت القيادة أن هذه الحاميات صغيرة في تكوينها وتسليحها ومقدراتها، وأن الأفضل هو أن يتم تجميعها في حاميات أكبر، تتمكن من الدفاع، وتتمكن من صد هجمات قوات الدعم السريع، ومن ثم رد الهجوم".
واعتبر أن "هذه الخطة لا تعني أن هناك خللاً في الخطط العسكرية لدى الجيش، وليس تخلياً عن السكان هناك".
عبد الرحيم دقلو يقود العمليات في إقليم دارفور
نشرت وسائل إعلام الدعم السريع مقاطع فيديو مصورة مراراً لعبد الرحيم دقلو، القائد الثاني لقوات الدعم السريع، وشقيق قائد هذه القوات محمد دقلو "حميدتي".
وأكدت مصادر عسكرية في شمال دارفور في وقت سابق لـ"عربي بوست"، أن عبد الرحيم دقلو يشرف بنفسه على عمليات السيطرة كامل إقليم دارفور، والفاشر.
وكشفت عن أن التوجه إلى السيطرة على الفاشر بالكامل، جاء على إثر "خلافات داخل قيادة الدعم السريع حول مدينة الفاشر، إذ إن قيادات میدانیة وصلت حديثاً إلى الفاشر من مناطق متفرقة، بعد خسائر كبيرة لا سيما في الخرطوم، رأت ضرورة الإسراع في التقدم والسیطرة على المدينة في شمال دارفور، حتى تكون كافة مدن الإقليم تحت السيطرة الكاملة".
 
					الهجرة وبلدة الطينة
على صعيد النزوح، أعلنت منظمة الهجرة الدولية، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2025، نزوح 1100 شخص من مدينة بارا بولاية شمال كردفان غربي السودان جراء العمليات العسكرية وانعدام الأمن، ليرتفع الإجمالي إلى 35 ألفاً و620 نازحاً من مناطق عدة بالولاية خلال 4 أيام.
وأفادت المنظمة الدولية في بيان، أن "فرقاً ميدانية تابعة لمصفوفة تتبع النزوح قدرت نزوح 1100 شخص الأربعاء، من مدينة بارا بشمال كردفان بسبب تزايد انعدام الأمن".
وأكدت أن الأشخاص "نزحوا إلى مواقع مختلفة في جميع أنحاء مدينة الدويم بالنيل الأبيض" جنوبي السودان.
وأضافت أن ذلك "يأتي في أعقاب سلسلة من حوادث النزوح المبلغ عنها في محافظات شيكان والرهد وبارا وأم روابة وأم دم حاج أحمد في شمال كردفان والتي شردت ما يقدر بنحو 35 ألفاً و620 شخصاً في الفترة ما بين 26 و29 أكتوبر/ تشرين الأول 2025".
وأشارت المنظمة الدولية إلى أن "الوضع لا يزال متوتراً ومتغيراً للغاية".
أما على صعيد الهجرة الخارجية، أفادت منظمة الهجرة الدولية، الخميس، بأن 1750 شخصاً نزحوا إلى تشاد من منطقة الطينة الحدودية بولاية شمال دارفور غربي السودان، بسبب تفاقم انعدام الأمن.
وأفادت المنظمة في بيان، بأن "الفرق الميدانية لمصفوفة تتبع النزوح قدرت أن 1750 شخصاً قد نزحوا الأربعاء، من منطقة الطينة شمال دارفور، بسبب تفاقم انعدام الأمن".
وذكر البيان أن هؤلاء نزحوا عبر الحدود إلى تشاد، مشيراً إلى أن "الوضع لا يزال متوتراً ومتقلباً للغاية" دون مزيد من التفاصيل.
ويسيطر الجيش السوداني على منطقة الطينة عند الحدود مع تشاد، وتبعد حوالي 400 كيلومتر شمال غرب الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
وكانت وسائل إعلام محلية بينها "سودان تربيون" (خاصة)، نقلت عن قيادات محلية في سبتمبر/ أيلول 2025، خشيتها مهاجمة قوات الدعم السريع منطقة الطينة التي تضم آلاف النازحين، عقب تهديدها بذلك.
 
					يُشار إلى أنه منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يشهد السودان حرباً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خلَّفت أكثر من 9 آلاف قتيل، فضلاً عما يزيد على 6 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، وفق الأمم المتحدة.
وأعلنت منظمة الهجرة الدولية أن أكثر من 6.3 مليون سوداني فروا من ديارهم جراء القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.
 
                                                     
                             
                             
                            