إسرائيل تنسحب من غزة وتترك خلفها عصابات هدفها “إعادة هندسة المجتمع ونشر الفوضى”.. والمقاومة تلاحقها سريعاً

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/14 الساعة 17:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/14 الساعة 17:52 بتوقيت غرينتش

بعد ساعات معدودة من انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من قلب المناطق السكنية في قطاع غزة، أقدمت عصابات مسلحة مرتبطة بها على اغتيال عدد من الفلسطينيين، وخوض اشتباكات مع رجال المقاومة في محاولة لفرض أمر واقع جديد.

هذا الأمر دفع الجهات الحكومية وفصائل المقاومة في غزة لاتخاذ قرار حاسم بوضع حدّ لهذه الظواهر المنفلتة، التي تحاول استغلال الفترة الانتقالية بين انتهاء الحرب، وتشكيل حكومة فلسطينية جديدة لتثبيت وجودها، مما يعني تحدّياً أمنياً أمام الفلسطينيين في القطاع.

العصابات تغتال عدداً من الفلسطينيين، والاحتلال يوفر لها الحماية

أعلنت وزارة الداخلية والأمن الوطني في القطاع، عن "فتح باب التوبة والعفو العام" أمام أفراد العصابات الذين لم يشاركوا في ارتكاب جرائم قتل، لتسوية أوضاعهم القانونية والأمنية بشكل نهائي، حيث بدأت باتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط الأوضاع الأمنية والمجتمعية، بما يعزز حالة الأمن والاستقرار، ويقوّي النسيج الوطني والاجتماعي، لأن بعض العصابات استغلت حالة الفوضى خلال فترة الحرب، وارتكبت أعمالا خارجة عن القانون، تضمنت الاعتداء على ممتلكات المواطنين، والسطو على المساعدات الإنسانية، ودعت أفرادها لتسليم أنفسهم للأجهزة الأمنية خلال أسبوع، لتسوية أوضاعهم، وإغلاق ملفاتهم بشكل نهائي.

مسئول أمني فلسطيني في غزة، أبلغ "عربي بوست" أن "الأجهزة الأمنية سيطرت بالكامل على عدد من الميليشيات المسلحة المتعاونة مع الاحتلال، بعد تنفيذها عمليات تمشيط شاملة شهدت اشتباكات كبيرة، وأن عدداً من المتهمين بإعدام نازحين، والتعاون مع الاحتلال، قتلوا خلال الاشتباكات، فيما جرى اعتقال أكثر من 60 عنصراً آخرين، ونقلهم لمواقع آمنة لاستكمال التحقيق معهم، تطبيقاً لخطّة أمنية لضبط الجبهة الداخلية، وملاحقة كافة المطلوبين الجنائيين والأمنيين في كل المناطق".

شلومي دياز مراسل موقع "هيدبروت"، ذكر أن الأجهزة الأمنية في غزة بدأت حملة ضد المجموعات التي تعاونت مع الاحتلال، شملت كافة مناطق القطاع، وجرى اعتقال العديد من أفرادها، وتم تصفية عدد آخر فتح النار على عناصر الأمن، مع العلم أن كافة فصائل المقاومة تشارك في هذه الحملة بسبب الدور الذي قامت به تلك المجموعات من قتل مقاومين، وكشف مواقعهم القتالية للاحتلال، وسرقة أسلحتهم، وإشاعة الفوضى بين الفلسطينيين في غزة.

بالتزامن مع الحملة، أقدمت هذه العصابات على اختطاف وإعدام الصحفي والناشط الفلسطيني صالح الجعفراوي، خلال تغطيته للدمار الكبير جنوب مدينة غزة بعد انسحاب الاحتلال منها، حيث قامت مجموعة تنتمي لإحدى العائلات، باختطافه، بعد التعرف عليه مع عدد من الصحفيين،واقتيادهم لمحيط المشفى الميداني الأردني، وهناك تم إعدامه رميا بالرصاص، مما دفع أجهزة الأمن لملاحقة المتورطين، والاشتباك معهم، في محاولة لاعتقالهم، وتحييد خطرهم، مع أن الناطق باسم جيش الاحتلال، نشر مراراً مقاطع مصورة للتحريض على الجعفراوي، وتهديده بالقتل، حيث شارك بتنظيم حملة تبرعات لإعادة إعمار مستشفى النصر للأطفال وسط القطاع، وخلال أيام قليلة، نجح مع مؤثرين بجمع 10 ملايين دولار.

وقبل هذه الجريمة بيوم واحد، أقدمت ذات العصابات على اغتيال القائد الميداني في كتائب القسام محمد عقل، ابن القائد الكبير فيها عماد عقل، وهو المطلوب للاحتلال طوال أيام الحرب التي زادت عن السبعمائة يوم، حيث حاصرت المقاومة الحي الذي يعيش فيه المتهمون بقتله في حي الصبرة جنوب مدينة غزة.

تزايد تشكيل الاحتلال لهذه الميليشيات بغرض التخريب الداخلي

بيني سولومون مراسل موقع كيكار الإخباري، ذكر أنه قبل أيام من الاتفاق الأخير هاجم الطيران الإسرائيلي مقاومين حاولوا الوصول لواحد من أوكار هذه العصابات بمدينة خانيونس جنوب القطاع، كما أقدمت أجهزة أمن المقاومة على اعتقال عدد من المشتبه بهم شمال القطاع، حيث عملت وحدة "سهم" في عمليات ملاحقة لهم في جباليا وبيت لاهيا، والحديث يدور عن عصابات منفلتة يقودها ياسر أبو شباب، وحسام الأسطل، ورامي حلس، وغسان الدهيني، وأشرف المنسي، وفقا لما ذكرته صحيفة إسرائيل اليوم.

فيما زعم أحيكام هايميلفارب مراسل القناة 14، أن هناك خمس ميليشيات عصابية شكلها الاحتلال في مناطق مختلفة من القطاع، ويبدو أن هدفه خلق المزيد من الجيوب التي تسيطر فيها عناصر محلية على منطقة محددة، للتصدّي لحماس.

وبالتزامن مع هذه التطورات الميدانية المتسارعة في غزة، زعم تسيفي يحزكيلي مراسل القناة آي24 للشئون الفلسطينية، أن المقاومة في غزة تعود إلى الشوارع، وتلاحق كل  من تواصل مع الاحتلال، وتواطأ معه خلال الحرب، بينهم أفراد العصابات الناشطين في مناطق مختلفة من القطاع.

كما أفرد الإعلام الإسرائيلي مساحات لافتة في تقاريره الخاصة بانتهاء الحرب لمقابلات أجراها مع مسئولي هذه الميليشيات التي تهدّد الاستقرار الأمني في غزة، حتى أن أحدهم، ويدعى حسام الأسطل، زعم في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت، أننا رأينا مدى هشاشة وضعف حماس، ومن الناحية العملية لم تعد تتمتع بقوة تُذكر، مُقدمًا نفسه على أنه "المنقذ" من حكم حماس، داعيًا الفلسطينيين للقدوم إلى منطقته في حي قيزان النجار، الذي أخلاه الجيش، وباتت المنطقة تقع تحت مسؤوليته المباشرة، مُعلنا أنه ينسّق مع ياسر أبو شباب مسئول ميليشيا مشابهة، وتسيطر على مناطق شرق رفح وخانيونس، زاعما أنها مسألة وقت فقط حتى نقضي على حماس نهائيًا، على حد زعمه.

واعترف أننا على اتصال وثيق مع إسرائيل، نريد منها دعم السكان الرافضين لحكم حماس،زاعما أن الصراع لم ينتهِ بعد، فلدينا الآن حرب ستكون أكثر صعوبة للتخلص من عناصر الحركة، حتى يعيش الناس في سلام، ويتمكن الإسرائيليون من زيارة غزة، لا نريد المزيد من الحروب.

إيلي ليئون مراسل صحيفة معاريف، ذكر أن هذه العصابات تعمل بشكل رئيسي في المناطق التي لن يُخليها جيش الاحتلال في المرحلة الأولى من الاتفاق، خاصة في شرق رفح وخانيونس جنوبي القطاع، وأجزاء من بيت لاهيا وبيت حانون، شمالا، وهي مناطق تقع خارج "الخط الأصفر" وحتى "الخط الأحمر" على خريطة الاتفاق، ولا ينكر مسؤولوها المطلوبون للمقاومة تعاونهم مع إسرائيل، بزعم أنها تمنحهم حرية العمل، والحماية من الغارات الجوية، ووصولًا مُخصصًا للمساعدات الإنسانية، ويصفون المناطق الخاضعة لسيطرتهم بأنها "محررة من حماس"، كاشفين أن أفرادهم يستخدمون بشكل رئيسي بنادق كلاشينكوف ومسدسات، دون الإفصاح عن أعدادهم.

تسليح العصابات يثير جدلاً إسرائيلياً خشية انقلاب السحر على الساحر

المراسل العسكري لهيئة البث الإذاعي والتلفزيوني- كان، روعي شارون، كشف أن معظم الميليشيات المرتبطة بالاحتلال في القطاع تتواجد الآن على بُعد 400 متر خلف الخط الأصفر الذي انسحبت إليه قوات الجيش كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس، ولا يُسمح لأحد بدخولها، بزعم أنها مشمولة ببنود الاتفاق، وربما لن تنسحب منها، حيث تعمل هذه الميليشيات بأنماط مماثلة في مناطق مختلفة من القطاع، بتنسيق وتمويل من إسرائيل، وبالتزامن مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ يوم الجمعة، أبدت استعداداً لتوفير الحماية للميليشيات التي تعاونت معها ضد حماس، وكان الخيار الذي درسته هو منحها فرصة تجاوز خط الانسحاب الأصفر الخاضع لسيطرة الجيش.

في وقت سابق، نقل ليران أهاروني مراسل موقع ويللا عن رئيس حزب يسرائيل بيتنا المعارض، أفيغدور ليبرمان، أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تنقل كميات كبيرة من الأسلحة لعائلات المجرمين في غزة، بموافقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتتم عملية النقل سِراً، ومنها بنادق هجومية وأسلحة خفيفة، وفيما لم ينفِ الأخير الأمر، لكنه زعم أن إسرائيل تعمل على هزيمة حماس بطرقٍ مُختلفة بناءً على توصيات جميع رؤساء الأجهزة الأمنية، ومع ذلك فقد بقي السؤال حول الجهة التي تُنقل إليها الأسلحة مطروحًا.

وأضاف أن الحديث يدور عن مئات العناصر المسلحة، ويعملون في المناطق التي يسيطر عليها الجيش في مناطق شرق القطاع، خاصة في منطقة معبر كرم أبو سالم، ويخضعون لمراقبته، لأنهم يعملون قرب قواته، ورغم ذلك فقد خاضت المقاومة اشتباكات مسلحة معهم أسفرت عن مقتل العشرات من الجانبين.

ياسر أبو شباب، أحد مسئولي هذه العصابات، زعم في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، أنه "لا عائق أمام المواجهة المباشرة مع حماس، حتى لو كلف الأمر اندلاع حرب أهلية"، كاشفاً أنه يتلقّى دعمًا لوجستيًا وماليًا من مصادر متعددة، دون ذكر أسمائها، وأن عناصره يتحركون في مناطق خاضعة بالكامل لسيطرة الجيش.

جاكي خوري مراسل الشئون الفلسطينية لصحيفة هآرتس، ذكر أن غرفة العمليات المشتركة للفصائل الفلسطينية في غزة، أصدرت بياناً مشتركا هاجمت فيه هذه العصابات بشدة، واتهمتهابالخروج عن القانون، ودماؤهم مهدورة، وسيتم معاملتهم كخونة وعملاء، بسبب تورطهم في أنشطة تجسس وعلاقات مشبوهة مع جهات معادية، ونفذوا في الشهور الأخيرة سلسلة عمليات اختطاف بحق مواطنين في قلب القطاع، وتسليمهم لجيش الاحتلال، وآخرهم الطبيب مروان الهمص وابنته في منطقة المواصي غرب خانيونس.

مع العلم أن القرار الإسرائيلي السرّي بتسليح هذه الميليشيات في غزة، بات أحد أكثر القضايا إثارة للجدل في الساحة الأمنية، خشية ألا تكون قد استفادت من دروس سابقة من الماضي، لأن هذه الخطوة قد تخلق مشاكل استراتيجية أكثر خطورة مما تسعى إلى حلّه، مما يدعو للحذر من إمكانية تكرار أخطاء تاريخية جسيمة، لاسيما وأن الحديث يدور عن مجموعة من المجرمين المتهمين بالسرقة والاتجار بالمخدرات والابتزاز، مما يعني خلق قنبلة موقوتة جديدة في غزة، وفقا لما ذكره إلحنان توليدومراسل وكالة الأنباء اليهودية.

تفكيك المجتمع الفلسطيني وسيناريو الفوضى

فيزيت رابينا الكاتبة بصحيفة مكور ريشون، ذكرت أنه رغم أن كبار مسؤولي الأمن الإسرائيليين يعتبرون هذه العصابات لها هدف طويل الأمد يتعلق بإنشاء هياكل حكومية بديلة تتحدى احتكار حماس للسلطة، وهو ما ذكره المتحدث باسم الجيش، إيفي دوفيرين، الذي قال إننا نتحرك بطرق مختلفة ضد سلطة حماس، فإن المستشرق مايكل ميلشتاين من مركز ديان لدراسات الشرق الأوسط، قدم تقييمًا قاسيًا للغاية بقوله إن هذه الخطوة محض "خيال، وليست استراتيجية"، وآمل حقًا ألا تنتهي بكارثة، مما يكشف عن صورة معقدة للفوائد قصيرة المدى المتمثلة بتقليل تعرض الجنود للخطر، وخلق تحدٍّ لسيادة حماس.

صحيح أن هدف تشكيل هذه العصابات المسلحة في غزة قد يخدم مصالح الاحتلال الآن، لكنه قد يسفر عن مخاطر طويلة المدى، ومنها إمكانية توجيه الأسلحة ضده، وتعميق الفوضى في غزة، وتقويض قدرة إسرائيل على إيجاد بدائل شرعية لحماس، وتأسيس سابقة خطيرة لتسليح العصابات الإجرامية، وكل ذلك يلزم إعادة تقييم فوري لهذه السياسة، مع البحث عن بدائل أكثر شرعية، كما طالبت أوريت بيرلوف الباحثة بمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب.

نيتسان شابيرا مراسل القناة 12، كشف أن المناقشات الأمنية الأخيرة في الأوساط الاسرائيلية تنظر بإيجابية في إمكانية زيادة المساعدات لهذه الميليشيات، ومن ذلك تفعيل خط المياه المباشر من إسرائيل إلى جنوب القطاع، في محاولة مكشوفة لزيادة دعمها لما تُشكّله من تحدّي لسلطة حماس. 

يحدث هذا في الوقت الذي أكدت فيه أوساط الجيش والمؤسسة الأمنية، أنه رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة، لكنهما سيساعدان في حماية ودعم العصابات المسلحة المعارضة لحماس، دون تحديد الطرق التي ستساعد بها إسرائيل هذه العصابات، وتدعمها، ومن ذلك نقلهم إلى مناطق قريبة من "الخط الأصفر"، حيث ينتشر الجيش، والحصول على حماية فورية منه، كما نقل آفي أشكنازي محرر الشئون العسكرية بصحيفة معاريف.

أوريئيل فيليب مراسل صحيفة يديعوت أحرونوت، نقل عن مسئولي أمني رفيع المستوى، مطالبته بالاهتمام بهذه العصابات التي حاربت حماس خلال الحرب، وألا نتخلى عنها، بل يجب أن تكون جزءًا من الترتيب الشامل للقطاع، بحيث يمكن تقريبها من الحدود، ونقل السيطرة الإقليمية عليهم على المساعدات الإنسانية، بزعم أن هذه الخطوة ستُشكل رسالة مهمة لمن ساعدوا إسرائيل، ليس فقط في غزة، بل في جميع أنحاء المنطقة، عقب ما قمنا به من حماية الدروز في سوريا.

تزامن تشكيل هذه العصابات مع زيادة تجنيد العملاء في غزة.. مخطط وليس صدفة

موقع محادثة محلية الإسرائيلي كشف أن تشكيل الاحتلال ودعمه لهذه العصابات لا يأتي لتحقيق أهداف عسكرية أو أمنية، بل هو تفكيك مُدبّر للمجتمع الفلسطيني في القطاع، من خلال استهداف أركان بنيته التحتية الاجتماعية من خلال تعزيز انهيارها عبر تعزيز الميليشيات الإجرامية،التي تلعب دورًا محوريًا في حرب الوكالة عن الاحتلال لاستبدال حكومة حماس القائمة بحكم ميليشياوي، واستغلال النفوذ العشائري، وبالتالي فإن صعود هذه العصابات ليس مصادفة. 

وأضاف أن الدرس المستفاد من دور هذه العصابات واضح، وهو أن الهدف الإسرائيلي ليس السيطرة على غزة، وحكمها، أو حتى القضاء على حماس، بل ضمان عدم سيطرة أي جهة أخرى عليها، من خلال تقسيمها إلى ممالك متنافسة تحكمها عصابات متعطشة للسلطة وإجرامية، ونتيجة لهذا التفكك الاجتماعي "المأمول" إسرائيلياً، يتم تقويض أي إمكانية لمستقبل فلسطيني في القطاع، ودفع المزيد من الغزيين للرحيل.

أمير بوحبوط المراسل العسكري لموقع ويللا، ربط بين تزايد هذه العصابات المنفلتة في غزة، وتقارير جهاز الأمن العام- الشاباك، عن ارتفاع ملحوظ، حسب زعمه، في أعداد العملاء الذين يقوم بتجنيدهم في القطاع، من خلال الوحدة 504 المكلفة بتشغيلهم، بما يتناقض تمامًا مع الوضع السائدقبل السابع من أكتوبر 2023، حيث لم يُحذّر أي مصدر بشري من الجواسيس من الهجوم الوشيك.

تحميل المزيد