مسار بديل للبعثة الأممية أم مكمل لها؟ أسباب وتوقيت إعادة تفعيل القاهرة “الآلية الثلاثية” لدول جوار ليبيا

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/03 الساعة 12:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/03 الساعة 13:19 بتوقيت غرينتش
اجتماع بالقاهرة بهدف عودة الآلية الثلاثية لدول جوار ليبيا/ الخارجية المصرية على فيسبوك

أعادت مصر تفعيل الآلية الثلاثية لدول جوار ليبيا مع تونس والجزائر، لحل الأزمة فيها، في ظل تراجع فعالية المسارات الأممية، وسط توترات سياسية متصاعدة في ليبيا، متعلقة بمحاولات البرلمان تشكيل حكومة جديدة بديلة عن حكومة عبد الحميد الدبيبة المعترف بها دولياً، وفي ظل عدم استقرار أمني في العاصمة طرابلس.

دعت مؤخراً دول جوار ليبيا، مصر وتونس والجزائر، الأطراف الليبية لوقف "فوري" للتصعيد، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة، مع عودة الآلية الثلاثية لدول جوار ليبيا.

الآلية الثلاثية بين مصر والجزائر وتونس تم إطلاقها عام 2017، وتوقفت عام 2019.

وشهدت القاهرة اجتماعاً مؤخراً جرى في 31 مايو/أيار 2025، بهدف إعادة تفعيل هذه الآلية المشتركة، بهدف "دعم الأمن والاستقرار في ليبيا، وإيجاد حل سياسي"، بحسب بيان للخارجية المصرية، ما أثار تساؤلات عن توقيت وأهداف إعادة "الآلية الثلاثية" مجدداً بقيادة القاهرة.

لماذا الآن؟ مغزى استئناف آلية دول الجوار

قال الدبلوماسي في وزارة الخارجية الليبية محمد عميش، لـ"عربي بوست"، إن "آلية دول الجوار الثلاثية (مصر، تونس، الجزائر) عادت للانعقاد في مايو 2025 بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والجمود السياسي الخطير في ليبيا، ما يشكل تهديداً متزايداً للأمن القومي لدول الجوار". 

وأضاف: "كما أن هذا التحرك يأتي في ظل شعور بالإحباط من تعثر المسارات التي تقودها الأمم المتحدة، والرغبة في دور إقليمي أكثر فعالية".

كذلك أشار إلى أنه "رسمياً، يهدف هذا التحرك الإقليمي إلى دعم واستكمال جهود الأمم المتحدة، وليس بديلاً كاملاً لها. لكن إحياء الآلية يشير إلى رغبة في تولي زمام المبادرة، مع التركيز على حل ليبي-ليبي ورفض التدخلات الخارجية". 

أما عن اختيار القاهرة كموقع أول للاجتماع، قال عميش: "هو انعكاس لدور مصر التقليدي ومصالحها الاستراتيجية في ليبيا".

المحلل السياسي الليبي أشرف الشح، علّق على إعادة تفعيل الآلية الثلاثية بالقول إن "النشاط الدولي والإقليمي الملحوظ، خاصة بعد الأحداث المؤسفة في طرابلس، هدفه منع اندلاع اقتتال بين المجموعات المسلحة الموالية للحكومة، وتلك المناوئة لها، فهناك تخوف حقيقي من انفلات الأمور، وعدم القدرة على احتوائها، ولذلك جاءت التحركات الأخيرة لتدارك الوضع الأمني"، وفق تقديره.

وتابع بأن "البعثة الأممية تخطط لاجتماع يوم 14 يوليو مع سفراء دول برلين، ما يشير إلى محاولة إعادة إطلاق مسار يؤدي إلى تشكيل حكومة موحدة جديدة، وهذا يعني أن المأزق الأمني والسياسي لا يمكن فصلهما، فكل منهما يغذي الآخر".

توقف مسار الآلية الثلاثية لدول جوار ليبيا منذ عام 2019/ الخارجية المصرية على فيسبوك
توقف مسار الآلية الثلاثية لدول جوار ليبيا منذ عام 2019/ الخارجية المصرية على فيسبوك

عضو مجلس النواب الليبي عبد المنعم العرفي، علق بالقول لـ"عربي بوست"، إن "الإرادة الليبية لإجراء انتخابات موجودة، وكذلك الرغبة في توحيد المؤسسات. لكن نحتاج دعماً إقليمياً ودولياً جاداً لتحييد الفاعلين المسلحين. وإلا سنبقى ندور في حلقة مفرغة".

وتابع بأن "العاصمة اليوم مقسّمة جغرافياً وعسكرياً، وهو ما يعزز الحاجة لتشكيل سلطة تنفيذية موحدة. فمجلس النواب يدفع بهذا الاتجاه، لكن من يمتلكون السلاح لا يريدون نهاية هذا الوضع لأنهم المستفيدون منه"، على حد قوله.

بعد أمني إقليمي مرتبط بعودة الآلية الثلاثية لدول جوار ليبيا 

المحلل السياسي الليبي صلاح البكوش، قال لـ"عربي بوست"، إن "أمن الدول مترابط، لكن ما يهم هو كيف تتفاعل كل دولة مع هذا الترابط. فالجزائر وتونس تميلان إلى سياسة عدم التدخل وتعزيز الاستقرار، بينما مصر تتبع نهجاً مزدوجاً: الدعم المباشر والدبلوماسية في آن واحد".

أما الخبير في الشؤون الأفريقية د. محمود إسماعيل الرملي، فرأى في حديثه لـ"عربي بوست"، أن هناك تحديات أمام دول الجوار بعد إعادة تفعيل الآلية الثلاثية في ليبيا.

أوضح أن أول تحدٍ مرتبط بأن "دول الجوار لا تملك الأدوات الكافية لإخراج المرتزقة، خصوصاً الروس. وجود قوات فاغنر تغلغل في المشهد الليبي، وروسيا لا تخفي نيتها في البقاء وتطوير نفوذها العسكري".

وأضاف كذلك أن "التسوية الليبية الحقيقية تتطلب أولاً التخلص من الأجسام السياسية الحالية كافة، بما فيها مجلس النواب والدولة والرئاسي، وإنتاج حكومة منتخبة نابعة من إرادة الشعب الليبي. وأن تكون هذه الحكومة هي التي تملك شرعية إخراج أي وجود أجنبي".

لذلك رأى أن "أفضل ما يمكن لدول الجوار أن تفعله هو أن تتراجع خطوتين، وتدعم الليبيين دون دعم أطراف تسعى للهيمنة. وأن تدعم وجود خارطة طريق تتوافق مع إرادة الشعب الليبي، وليس مع من يتحكمون بالسلاح".

ما الموقف من حكومة بديلة في طرابلس؟

الكاتب السياسي الليبي عبد الله الكبير، قال لـ"عربي بوست"، إن "بيان القاهرة لم يشر مطلقاً إلى دعم حكومة بديلة من طرف عقيلة صالح. بل بالعكس، ينسجم مع الموقف الدولي الذي لا يريد إجراءات أحادية، بل يسعى إلى توافق شامل".

وأوضح أن "الموقف الجزائري كان متوافقاً مع الدور المصري، بما يمنع أي طرف من الانفراد بالمشهد".

وأضاف أن "عودة الآلية بعد انقطاع يعكس محاولة للتموضع في خضم تحولات دولية تقودها البعثة الأممية، وأن دول الجوار تسعى لأن تكون جزءاً من الحل، لا مجرد متلقية لتبعات الأزمة".

الآلية الثلاثية لدول جوار ليبيا لا تدعم حلا أحادي الجانب/ الخارجية المصرية على فيسبوك
الآلية الثلاثية لدول جوار ليبيا لا تدعم حلا أحادي الجانب/ الخارجية المصرية على فيسبوك

عودة الدور المصري في ليبيا

الصحفي المصري علاء فاروق المتخصص بالشأن الليبي، رأى في حديثه لـ"عربي بوست"، أن مبادرة مصر في دعوة تونس والجزائر لإعادة تفعيل اللجنة الثلاثية بعد توقفها منذ عام 2019، وكذلك عودة الاجتماعات في القاهرة، "تعكس استشعاراً مصرياً لخطر الفوضى الأمنية على أمنها القومي".

ولفت إلى أنه بذلك، يمكن القول إن "مصر اليوم عادت بقوة للملف الليبي، خصوصاً أن معظم التحركات الإقليمية والدولية تمر عبرها. من تركيا إلى أمريكا إلى الخليج، كلهم يتواصلون مع القاهرة".

وأشار إلى أن "مصر لعبت دوراً بارزاً في المسارات الدستورية والعسكرية في ليبيا، كما أنها استضافت اجتماعات 5+5، وقادت حوارات القوانين الانتخابية. كما أنها الأوفر حظاً في مشاريع إعادة الإعمار في ليبيا".

آلية الجوار والبعثة الأممية.. تكامل أم تنافس؟

كانت وزارة الخارجية المصرية أعلنت عن توافق بين الوزير بدر عبدالعاطي وكبير مستشاري ترمب للشؤون العربية والأفريقية مسعد بولس، خلال اتصال هاتفي، على "أهمية العمل المشترك لتحقيق الاستقرار في ليبيا وإنهاء حالة الانقسام"، في رسالة قرأها محللون مختصون بالشأن الليبي أنه دعم أمريكي للمخرجات الإقليمية، بما يتعلق بالأزمة الليبية.

لكن الأمر يثير تساؤلات إن كانت الآلية الثلاثية لدول جوار ليبيا، مسار تنافسي مع البعثة الأممية، أم مكمل لها؟

المحلل السياسي أشرف الشح، قال إن "آلية الجوار في هذه المرحلة ليست مساراً بديلاً، بل مساراً داعماً لجهود البعثة الأممية. فالجميع يسعى لمنع الفوضى والاقتتال عبر تشكيل حكومة موحدة جديدة"، وفق تقديره.

وأضاف أن "البعثة الأممية بدورها ترتب لاجتماع مع سفراء دول برلين يوم 14 يونيو/حزيران 2025، لإحياء عملية برلين التي تهدف إلى إنشاء حكومة موحدة"، لافتاً إلى أن "التنسيق الإقليمي والدولي يبدو في هذه المرحلة متناغماً أكثر من أي وقت مضى"، بحسب رأيه.

عودة الآلية الثلاثية لدول جوار ليبيا تدعم مسار البعثة الأممية/ الخارجية المصرية على فيسبوك
عودة الآلية الثلاثية لدول جوار ليبيا تدعم مسار البعثة الأممية/ الخارجية المصرية على فيسبوك

يذكر أن مخرجات الاجتماع الأخير لوزراء دول الجوار الثلاث ضمن مسار الآلية الثلاثية، تلخصت بأن اتفق وزراء مصر وتونس والجزائر على مواصلة التنسيق بين الدول الثلاث والأمم المتحدة لتقييم الوضع في ليبيا وتبادل الرؤى حول مستقبل المشهد السياسي الليبي.

وأكدوا ضرورة عقد اجتماعات دورية للآلية الثلاثية لدول جوار ليبيا، على أن يُعقد الاجتماع الوزاري المُقبل للآلية في الجزائر ثم تونس قبل نهاية العام الجاري 2025. 

يذكر أن الآلية الثلاثية لدول جوار ليبيا، أُنشئت عام 2017، بمبادرة من الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي، وعقدت بعدها سلسلة اجتماعات، لكنها توقفت قبل فترة، بسبب تباين في المواقف بين الجزائر ومصر، ودعم الأخيرة للحرب التي شنتها قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس في أبريل/نيسان 2020، وهو ما اعتبرته الجزائر حينها "خطاً أحمر".

تحميل المزيد