صادق الكنيست الإسرائيلي قبل أيام على مشروع قانون يحظر أي إطار طلابي في الجامعات يتعاطف مع الكيانات المعادية للاحتلال، خاصة قوى المقاومة، التي يصنّفها بـ"الإرهابية"، ويقصد بذلك النقابات والتكتلات الطلابية الخاصة بالطلاب الفلسطينيين من الداخل المحتل.
لم يكن هذا القانون الأول في سلسلة قوانين قمعية سنّها الاحتلال ضد فلسطينيي 48، منذ اندلاع حرب الإبادة على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، فقد صادق الكنيست بعد شهر واحد من بدئها على تعديل جديد لقانون مكافحة "الإرهاب"، تضمن عقوبة السجن لمدة عام لكل من يطّلع على محتوى يعتبره القانون محرّضاً عليه.
وأتاح هذا التعديل لأجهزة الأمن ملاحقة فلسطينيي 48 بناءً على الحسابات التي يتابعونها، أو المنشورات التي يتفاعلون معها، فيما يُعد انتهاكاً فاضحاً لحقوق الإنسان. وبالفعل، تزايدت الملاحقات الأمنية والدعاوى القضائية التي حرّكها الاحتلال ضد الناشطين بسبب تعليقاتهم على منصات التواصل.
فصل المعلمين وملاحقتهم
وفي أواخر 2024، صادق الكنيست على مشروع قانون يضيّق الخناق أكثر على المعلّمين من فلسطينيي 48، ويُسهّل ملاحقتهم وفصلهم، وحرمان مدارسهم من الميزانيات، في حال إبداء مواقف سياسية أو وطنية تتعارض مع توجهات الاحتلال، بحجة التماهي مع المقاومة.
ويسمح القانون لوزير التعليم الليكودي يوآف كيش بإصدار أوامر بحرمان المدارس من التمويل، إذا "حدث أو سُمح بظهور مظاهر تضامن مع عمل مقاوم فيها"، كما يمكنه فصل معلم قام بعمل يتماهى مع منظمة مسلحة، أو نشر كلمات مدح أو تأييد أو تشجيع لعمل يعتبره الاحتلال "إرهابياً"، بإجراء سريع ودون إشعار مسبق، وجرى تمرير القانون بأغلبية 55 مؤيداً مقابل 45 معارضاً.
كما تضمن النص الأصلي لمشروع القانون إشراف جهاز الأمن العام (الشاباك) على المعلمين، ورغم إزالة هذا البند بسبب معارضة الجهات المهنية، بما فيها "الشاباك" نفسه، فإن ذلك لا يُلغي دوره الفعلي في جهاز التعليم الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 48.
ويمنح القانون عملياً مدير عام وزارة التعليم سلطة فصل المعلمين المتهمين أو المشتبه في تماهيهم مع المقاومة دون رقابة، مما يوسّع عملياً هذه السياسة القمعية، دون كوابح، ويشدّد الملاحقات، ويُعزّز تكميم أفواه المعلمين وإسكاتهم في القضايا السياسية.
بالإضافة إلى التضييق عليهم، واتهامهم بـ"الإرهاب" لمجرد إبداء رأيهم في قضية قد لا تعجب دولة الاحتلال، أو تعتبرها تماهياً معه، مما يعني "قوننة وشرعنة" الملاحقة الأمنية، وتعزيز ثقافة الخوف وقمع الفكر الحرّ والتربية النقدية، تمهيداً لفرض سياسة ممنهجة لإخضاع فلسطينيي 48.
المحامي علاء محاجنة يتحدث لـ"عرب 48" بعد تقديم لائحة اتهام ضد الصحافي سعيد حسنين وتمديد اعتقاله لغاية يوم الأربعاء المقبل
— موقع عرب 48 (@arab48website) March 12, 2025
تصوير: أمير بويرات (عرب 48)
التفاصيل: https://t.co/Z3mw3T1i6X pic.twitter.com/dvHpIbRTOw
قمع الصحفيين والكُتّاب
طالت الملاحقات السياسية الإسرائيلية ضد فلسطينيي 48 ناشطين في مجالات مختلفة، وعلى رأسهم الصحافيون، وآخرهم الصحافي الرياضي سعيد حسنين من شفاعمرو في الجليل، المعتقل منذ أيام، وتوجّه له الشرطة اتهامات بـ"التحريض ودعم المقاومة والتواصل مع عميل أجنبي"، على خلفية مقابلة مع تلفزيون الأقصى التابع لحركة حماس، مع أن المقابلة بُثّت على الملأ. ولم تكتفِ الشرطة بالتحقيق مع الصحافي نفسه، بل حققت مع أفراد عائلته، ومع مرور الوقت أصبح قضيته قضية رأي عام إسرائيلي.
تأتي مثل هذه الملاحقات السياسية بامتياز ضمن دائرة أوسع تطال ناشطين من فلسطينيي 48، مما يشير إلى توجّه مدروس للتضييق على حرية التعبير، وقد طالت في الأشهر الأخيرة اعتقالات عديدة ضد محامين وفنانين وسياسيين، أو حتى أشخاص عاديين بسبب منشوراتهم على منصات التواصل.
تزامن اندلاع حرب غزة مع توسيع الاحتلال لآليات السيطرة والقمع على فلسطينيي 48، مما فرض عليهم ممارسة رقابة ذاتية وامتناعاً عن النشاط الرقمي، عقب تعرّضهم الواسع لهجمات واعتداءات وضغوطات وتحقيقات من جهات أمنية إسرائيلية، التي تخشى أن يكون لمنشوراتهم تأثير إيجابي على مزيد من انخراط فلسطينيي 48 مع أشقائهم في غزة، حتى إن بعضهم اعتُقل أو لوحق بسبب مشاركتهم آيات من القرآن الكريم.
وأنشأت النيابة العامة "الوحدة الإلكترونية"، بهدف مواجهة "الإرهاب" الرقمي، لكنها تحولت إلى أداة لمراقبة وملاحقة المحتوى الفلسطيني، وتضاعفت رقابتها عقب اندلاع حرب غزة، ونجحت في خلق حالة من "الرعب الرقمي"، دفعت بالكثير من فلسطينيي 48 إلى الامتناع عن التعبير عن رأيهم، أو حتى التفاعل مع الإبادة الجارية في غزة.
عمد الاحتلال، مع بدء الإبادة في غزة، إلى إعلان حالة الطوارئ في إشارة تهديد لفلسطينيي 48، وطالت سياسته طلبة الجامعات والموظفين بالمؤسسات الحكومية والقطاعات الخاصة، وتعرض بعضهم للفصل من الدراسة والعمل، وواجه آخرون ملاحقات أمنية بسبب منشورات على وسائل التواصل، فُسّرت بأنها تعاطف مع حماس وإسناد لأشقائهم في غزة.
وتسببت هذه السياسة القمعية ليس فقط بحرمان فلسطينيي 48 من التواصل مع عائلاتهم في غزة، بل حرمانهم حتى من التظاهر والاحتجاج وإطلاق صرخة غضب ضد الحرب. وقد عبّرت هذه السياسة
وُضع طلبة الجامعات من فلسطينيي 48 تحت المجهر الإسرائيلي، واتخذت إدارات الجامعات إجراءات تعسفية بحقهم، عبر فصل العشرات منهم، بشكل دائم أو مؤقت، بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل. كما أُصدرت أوامر إخلاء فوري لبعضهم من مساكنهم، ووصل الأمر إلى تواطؤ إدارات الجامعات مع الشرطة عبر الوشاية بهم، وتزويدها بأدلة تمكّنها من تقديم إجراءات قانونية ضدهم بتهم دعم المقاومة أو التعاطف مع تنظيماتها. كما قُدّمت في حق المئات منهم شكاوى للجان التأديبية في الجامعات.
وقبل فترة قصيرة، نظم إطار طلابي فلسطيني في جامعة تل أبيب عرض "ستاند أب" كوميدي في الجامعة، وهو نشاط ثقافي غير سياسي، لكن تم التضييق عليهم وحظر الفعالية. وعندما وزع الطلاب منشورات لتعريف زملائهم بإطارهم النقابي، تلقوا تحذيرات من الجامعة تمنعهم من توزيعها بحجة أنهم "ينشرون الأوساخ فيها".
أكثر من ذلك، فقد تم تحويل قرابة 160 طالباً وطالبة من فلسطينيي 48، يدرسون في 33 مؤسسة أكاديمية، إلى ما يُعرف بـ"لجان الطاعة"، إضافة إلى مئات المنشورات التحريضية ضدهم، والاعتداء على مساكنهم بكلية نتانيا، عقب تجمهر مجموعات عنصرية بأعداد كبيرة لمحاولة اقتحام المبنى، صارخة بهتاف "الموت للعرب" وشعارات عنصرية أخرى. كما تم فرض شروط احترازية مشددة على بعضهم، تراوحت بين الحبس المنزلي، والإبعاد، ودفع كفالات مالية بعشرات آلاف الدولارات.
وزعم رئيس الاتحاد الوطني للطلبة في إسرائيل قائلاً: "لن نتوقف حتى يتم إخراج الطلاب المؤيدين للإرهاب فوراً من المؤسسات الأكاديمية". ونشرت الجامعات الإسرائيلية بيانات رسمية أعلنت فيها أنها "لن تتسامح مع دعم الإرهاب"، وقامت باستهداف الطلاب الفلسطينيين الذين عبّروا في منشوراتهم عن هويتهم الفلسطينية أو تعاطفهم مع الشعب الفلسطيني في غزة.
وقد وجهت الهيئة المشتركة للكتل الطلابية لفلسطينيي 48 عدة رسائل إلى الجامعات الغربية الشريكة لنظيراتها الإسرائيلية، ومُموليها، ومختلف السفراء والدبلوماسيين، للتدخل لوضع حدّ للتحريض العنصري والملاحقة ضدهم، في ضوء انتهاك الجامعات لصلاحياتها القانونية، خاصة جامعة حيفا، وكلية "بيتسلئيل" للفنون والتصميم، وكلية الإدارة "مينهال"، وتعاونها مع فحص حسابات وسائل التواصل، مما يندرج تحت صلاحيات الشرطة والقضاء وليس المؤسسات الأكاديمية، التي تتهاون مع المنشورات التحريضية التي يدعو بعضها علناً إلى استهداف الطلاب الفلسطينيين.
ملاحقة الأطباء والصحفيين والمحامين
أرسل رئيس الجامعة العبرية في القدس المحتلة، آشير كوهين، رسالة إلى البروفسورة نادرة شلهوب كفوركيان، متهماً إياها بالتحريض ضد الدولة، عقب منشور لها على فيسبوك تتهم فيه إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة جماعية في غزة، وطلب منها الاستقالة. وفي السياق ذاته، أقالت كلية التربية في بئر السبع د. وردة سعدة بعد 28 عاماً من عملها، بسبب منشوراتها المناهضة للاحتلال والحرب على غزة.
كما طالت ممارسات تكميم الأفواه والتضييقات والانتهاكات الصحفيين والطواقم الإعلامية، وشملت مختلف أشكال التضييق، من الاعتداءات الجسدية والكلامية، إلى مصادرة المعدات، والاحتجاز، والاعتقال، والتحقيق، والطرد من العمل.
واتخذت نقابة المحامين إجراءات تأديبية ضد أعضائها من فلسطينيي 48، بزعم ارتكابهم "مخالفات مزعومة" تتعلق بمنشورات معارضة للحرب. كما واجهوا حملة تهجمات من نظرائهم الإسرائيليين، شملت تحريضاً وكراهية واسعة ضدهم، مما يهدد حقوقهم المهنية، ويصعّب عليهم ممارسة عملهم. ونشرت النقابة على موقعها الرسمي إعلاناً مفاده أنها تدرس تعديل اللوائح والأنظمة للسماح لها بالفصل الفوري لأي محامٍ يقوم بنشر أي تأييد أو تحريض على أعمال "إرهابية" بحسب قانون مكافحة "الإرهاب".
كما فصلت مستشفيات إسرائيلية عشرات الكوادر الطبية من فلسطينيي 48 للسبب ذاته، خاصة الطبيب عبد سمارة، مدير وحدة العناية المركزة للقلب في مستشفى هشارون ببيتاح تكفا، الذي تعرض للإيقاف عن العمل بسبب منشور اعتُبر داعماً للمقاومة.
ومنذ بدء الحرب على غزة، تجاوز عدد المعتقلين من فلسطينيي 48 المئات، وشمل الاعتقالات قيادات سياسية ونواباً سابقين في الكنيست، منهم:
- محمد بركة، رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية.
- سامي أبو شحادة، رئيس التجمع الوطني الديمقراطي.
- حنين زعبي، النائبة السابقة في الكنيست.
- إمطانس شحادة، النائب السابق في الكنيست.
- يوسف طاطور، نائب الأمين العام للتجمع.
- محمود مواسي، عضو لجنة المتابعة.
وقد أُفرج عنهم لاحقاً تباعاً، بعضهم بشرط الحبس المنزلي لأيام عدة.
خطر استراتيجي
انطلق الاحتلال في سياسته العدوانية ضد فلسطينيي 48 من فرضية أنهم "أعداء وليسوا مواطنين"، وتعامل معهم على أنهم "حالة أمنية، وطابور خامس، وخطر استراتيجي". حتى أن وزير الصناعة الإسرائيلي نير بركات زعم قائلاً:
"إذا ثار ضدنا 1% فقط من فلسطينيي 48، الذين يتجاوز عددهم مليونين، فإن ذلك يعني عشرين ألفاً، وسيصلون لكل مكان في الدولة".
كما زعم المفتش العام للشرطة يعقوب شبتاي قائلاً:
"أي شخص يريد التماهي مع غزة، فسأضعه في الحافلات المتجهة إليها. نحن في حالة حرب، ولن نتسامح أبداً مع أي حادث، ولا يوجد تصريح للقيام بالاحتجاجات، وكل من يتم توقيفه سنفعّل كل الإجراءات الحكومية ضدّه، كما نفعل مع المجرمين".
مثّلت حرب الإبادة ضد غزة فرصة لتوسيع نطاق الترهيب والعنف الإسرائيلي وتنفيذ حملة ملاحقة ممنهجة لفلسطينيي 48. كما استغل الوزير المتطرف إيتمار بن غفير حالة الحرب والطوارئ لإنفاذ سياساته دون عوائق. ومع بدايات الحرب، وبعد خمسة أيام فقط من اندلاعها، بثّ حزب العصبة اليهودية الذي يترأسه على قناته في يوتيوب مقطع فيديو يظهر فيه بن غفير وهو يقوم بتوزيع عشرة آلاف بندقية رشاشة على ما يسمى بـ"وحدات الحماية" للمستوطنين، وتعيين ضابط لتنظيم وحدات محاربة مدنية موجهة بالأساس إلى فلسطينيي 48.
إلى جانب الإجراءات الرسمية للاحتلال، ظهرت مجموعة يمينية متطرفة تدعى "صيادو النازيين"، قامت بنشر قائمة بأسماء ناشطين من فلسطينيي 48، وصورهم، وعناوين منازلهم، لتسهيل استهدافهم واغتيالهم.
وقد رافقت هذه الإجراءات القمعية تحريضاً شديداً على شبكات التواصل، شمل أكثر من مائة ألف محتوى عنيف باللغة العبرية ضد فلسطينيي 48. كما دعا الحاخام مائير غولدمينتس من مستوطنة غلعاد، وهو شخصية دينية مؤثرة في التيار الصهيوني الديني، إلى استكمال النكبة وتهجير فلسطينيي 48 المتبقين في إسرائيل.
كل ذلك دفع عضوة الكنيست عايدة توما سليمان إلى المطالبة بفتح تحقيق جنائي ضد الحاخام، بعد تصريحاته العنصرية التي تدعو إلى التهجير والتطهير العرقي، مستنداً إلى تفسيرات دينية تروج لطرد جميع الفلسطينيين من إسرائيل.