كشفت مصادر عراقية لـ"عربي بوست"، عن أن الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قد دخلت في مفاوضات مع قادة فصائل مسلحة شيعية، لحل مسألة حلها، أو دمجها في هيئة الحشد، وأن حرباً تدور على منصب رئيس الحشد الشعبي.
تطلق وسائل الإعلام العراقية على الفصائل الرافضة لترك سلاحها أو الاندماج داخل هيئة الحشد الشعبي مصطلح "الفصائل المتمردة"، وهي في الأساس الفصائل المكونة لمنظمة "المقاومة الإسلامية في العراق"، التي تتبع محور إيران في المنطقة.
تضم "المقاومة الإسلامية في العراق"، فصائل هي: كتائب سيد الشهداء، كتائب حزب الله، حركة حزب الله النجباء.
"لن نترك سلاحنا"
منذ أن تصاعدت الضغوط الأمريكية لحل الفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران في العراق، سواء بدمجها أو حلها، دأب قادة الفصائل على تكثيف تصريحاتهم في وسائل الاعلام العراقية المحلية، التي شددوا فيها على أنهم "لن يتركوا سلاحهم أبداً".
قيادي في حركة حزب الله النجباء أكد في حديثه لـ"عربي بوست"، عدم موافقتهم على ترك سلاحهم، وقال: "لن نترك سلاحنا إلا بأوامر مباشرة وصريحة من المرجعية الدينية (على السيستاني)".
ردد هذا التأكيد قيادي آخر من كتائب حزب الله العراقية، الذي قال لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "نحن مصممون على عدم ترك سلاحنا، إلا بعد الموافقة على شروطنا"، دون تفاصيل عن تلك الشروط، في حين ذكرت مصادر أخرى أن الشروط مرتبطة بمناصب عليا في الحشد الشعبي، بينها رئاسة الحشد.
لكن وراء الكواليس، بحسب قيادي في الإطار التنسيقي الشيعي، فإن قادة الفصائل الثلاث في "المقاومة الإسلامية في العراق" قبلوا الدخول في مفاوضات مع الحكومة العراقية، بعد تهديدات إدارة دونالد ترامب بشن حرب اقتصادية وفرض العقوبات على بغداد، بحسب تصريحاته لـ"عربي بوست".
فيما يتعلق بمسألة الدخول في مفاوضات مع الحكومة، قال القيادي من حركة حزب الله النجباء: "اجتمعنا مرتين مع رئيس الوزراء، ومسئولين آخرين، وقادة من الإطار التنسيقي، لكننا أوضحنا مطالبنا الخاصة، التي هي لا تشمل ترك سلاحنا بالتأكيد، ونعتقد أن هناك تغييرات لابد من إجرائها".
ولم يوضح المصدر ما هي شكل التغييرات التي من الممكن أن يوافقوا على إجرائها.
من جانبه، قال القيادي من الإطار التنسيقي الشيعي: "في الأيام الأخيرة، زادت تهديدات إدارة ترامب للعراق، ففي ولايته الأولى كانت علاقة بغداد بواشنطن سيئة للغاية، وانتهت باغتيال أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني في بغداد، وفي ولايته الثانية، يخشى الجميع في العراق أن يعود ترامب بالإجراءات الصارمة ذاتها تجاه الحكومة العراقية".
من فصائل مسلحة إلى فصائل سياسية
مصادر عراقية سياسية من الإطار التنسيقي والحكومة العراقية، كشفت لـ"عربي بوست"، عن أن المفاوضات بين الحكومة والإطار وقادة الفصائل المسلحة المقربة من إيران في العراق، توصلت حتى الآن إلى خيارين لحل أزمة الفصائل المسلحة.
أوضح مسؤول حكومي عراقي مطلع على الأمر، لـ"عربي بوست"، بأن "المفاوضات صعبة للغاية الآن، فالفصائل متمسكة بعدم ترك سلاحها، وفي المقابل تريد الكثير من الامتيازات التي لن يوافق عليها أغلب قادة الإطار التنسيقي".
عن تلك المطالب، قال إن "قادة الفصائل طلبوا التحول إلى فصائل سياسية، والحصول على مناصب هامة وحساسة داخل الحكومة، اغلبها يتعلق بأجهزة الأمن ومكافحة الإرهاب، وهذه المطالب صعب تحقيقها للغاية، فهذه المناصب يتم توزيعها على الأحزاب السياسية الموجودة".
مصدر سياسي مقرب من نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق، وزعيم ائتلاف دولة القانون، أفاد لـ"عربي بوست"، بأن "بعض قادة الإطار التنسيقي يعارضون مطالب قادة الفصائل المسلحة بالحصول على مناصب مهمة داخل الحكومة، ويرفضون استحواذ الفصائل المسلحة على العملية السياسية".
وأضاف: "لكنهم يعلمون أن الطريق سيكون صعباً في المفاوضات، مع هذه الفصائل، خاصة أن موقف إيران الداعم الأساسي لهم غير واضح في موقفه إلى الآن".
أما بالنسبة للخيار الثاني الذي تم طرحه في المفاوضات بين الحكومة وقادة الفصائل المسلحة الشيعية المقربة من إيران في العراق، هو "موافقة هذه الفصائل على الدمج داخل قوات الحشد الشعبي، واتباع نهج الحشد في عدم التدخل في الشئون الإقليمية"، بحسب المصادر ذاتها.
من جهته، علق المصدر الحكومي العراقي على ذلك بالقول: "هذا الاقتراح يؤيده ويدعمه بشدة السوداني وقادة الإطار، ولكن السوداني ينظر إلى هذا الخيار كخطوة اولية لدمج كافة الفصائل داخل الحشد وخارجه، في المؤسسات الأمنية الحكومية، مثل وزارتي الدفاع والداخلية".
بحسب المصدر ذاته، فإن "قادة الفصائل المسلحة العراقية رفضوا هذا الاقتراح، الذي لا يشمل المناصب المهمة داخل هيئة الحشد الشعبي، مع الاحتفاظ بشكل الحشد الشعبي الحالي دون الاندماج داخل القوات المسلحة العراقية".
بالعودة إلى المسؤول الحكومي، قال: "طلب قادة الفصائل أن يكون هذا الخيار هو الحل الأخير المطروح، ولكنهم وضعوا الكثير من الشروط للقبول بهذا المسار، مثل الأمور الفنية في توزيع مقاتليهم داخل ألوية ووحدات الحشد، والميزانية الخاصة بالحشد وإعادة هيكلتها، بالإضافة إلى حصولهم على منصب رئاسة الحشد الشعبي".
بحسب المصادر العراقية، فإنه لم يتم التوصل إلى حل أخير وحاسم حتى الآن، فيما يخص مسألة الفصائل في المفاوضات بينها وبين الحكومة العراقية.
القيادي في الإطار التنسيقي الشيعي قال إنه "لا يمكن حل أزمة الفصائل المسلحة بين ليلة وضحاها، فالمسألة معقدة للغاية، ولا تريد الحكومة العراقية الدخول في صراع مع هذه الفصائل، لكن على الأقل تريد تهدئة الأمور، لكي تتجنب أي إجراءات عقابية من ترامب".
أزمة جديدة: محاولة الإطاحة بفالح الفياض
بجانب أزمة الفصائل المسلحة التي لم يتم التوصل إلى حل فيها إلى الآن، ظهرت أزمة رئاسة هيئة الحشد الشعبي.
قالت مصادر عراقية مطلعة لـ"عربي بوست"، إن هناك محاولات داخل الإطار التنسيقي الشيعي لتغيير رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض الذي يتولى منصب رئاسة الحشد منذ 10 سنوات.
يتهم مصدر سياسي من الإطار التنسيقي نوري المالكي بأنه وراء هذه المحاولات بقوة، بسبب غضبه من محاولة الفياض إنشاء تحالف سياسي داعم لرئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني.
في حين لم يتسن الحصول على تعليق من المالكي أو مقربين منه.
المصدر السياسي ذاته أضاف أن "قوى الإطار التنسيقي انقسمت إلى فريقين فيما يخص فالح الفياض، فريق يضم نوري المالكي وقيس الخزعلي وهذا الفريق يؤيد الإطاحة بفياض، والفريق الآخر بزعامة السوداني الذي يريد استمراره".
جدير بالذكر أن قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق، ويضغط منذ فترة طويلة للإطاحة بفالح الفياض، ولسيطرة فصيله على منصب رئيس الحشد الشعبي، بالرغم من دعم الخزعلي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بحسب ما أكدته المصادر.
المحلل السياسي محمد ذو الفقار، قال لـ"عربي بوست": "في العلن، يقول الفريق المؤيد للإطاحة بفالح الفياض إن هذا التغيير يأتي استجابة للضغوط الامريكية، التي تطالب بهيكلة الحشد الشعبي، بالإضافة إلى تخطي الفياض للسن القانوني، لكن في حقيقة الأمر، المسألة تأتي ضمن تصفية الحسابات السياسية"، بحسب تقديره.
تجدر الاشارة إلى فالح الفياض يمتلك 5 مقاعد في البرلمان الحالي، بالإضافة إلى مقعد في مجلس محافظة نينوى. وحصل ابن عمه ذوالفقار الفياض على مقعد في مجلس محافظة بغداد.
كما أن مصادر من الإطار التنسيقي كشفت عن أن "أبو فدك المحمداوي" قائد كتائب حزب الله العراقية، الذي يشغل منصب رئيس أركان هيئة الحشد الشعبي، يرغب أيضاً في الإطاحة بفالح الفياض والحصول على منصبه.
لكنها أضافت: "لن يقبل نوري المالكي بتعيين أبو الفدك المحمداوي بدلاً من فالح الفياض، فقادة الإطار يحاولون التخلص من النفوذ الإيراني داخل هيئة الحشد الشعبي، في محاولة للنأي بأنفسهم عن الإجراءات التي من الممكن أن تتخذها إدارة ترامب ضدهم".
علق الباحث السياسي العراقي حيدر الموسوي على تحركات قادة الإطار التنسيقي لتغيير عدد من رؤساء المؤسسات الحكومية، بما فيها هيئة الحشد الشعبي، قائلاً لـ"عربي بوست": "الإطار التنسيقي قلق للغاية من تحركات إدارة ترامب ضد بغداد، لأن هذا يعرض مصالحهم السياسية والاقتصادية للخطر، وهم مقبلون على انتخابات برلمانية مهمة في نهاية العام الحالي".
أضاف الموسوي: "كما يحاول الإطار التنسيقي أن يتخذ خطوات للنأي بنفسه عن إيران، في محاولة للاستفادة من الدرس السوري، وما حدث لحزب الله في لبنان، مستغلاً لحظة الضعف التي تمر بها طهران الان".
وتابع بأن قادة الإطار التنسيقي "ينظرون إلى أزمة الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، على أنها جاءت في الوقت المناسب، للتخلص من سطوة هذه الفصائل على الحياة السياسية بقوة السلاح".
مصير رئيس الحشد الشعبي
فيما يتعلق بمصير فالح الفياض، توقع الموسوي بأن تمم إقالة الفياض في حال رفض تقديم استقالته، مضيفاً: "لقد اتخذ قادة الإطار القرار، وهم عازمون على تنفيذه، ولكن هذا سيفتح باباً للصراع على منصب الفياض بين الفصائل المسلحة، لذلك فإن هذا القرار لم يطبق بعد".
وقال: "الخزعلي يريد منصب رئيس الحشد منذ فترة، بينما سيحاول المالكي فرضه مرشحٍ للمنصب هو عبد الأمير رشيد يارالله، بينما سيقاتل أبو الفدك من أجل الحصول على المنصب".
يذكر أن عبد الأمير رشيد يارالله هو رئيس أركان الجيش العراقي، وتصفه المصادر بأنه مقرب من نوري المالكي.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.