- القيود التي تم رفعها حديثاً عن سوريا
- ما هي العقوبات الأمريكية على سوريا؟
- قانونا قيصر ومكافحة الكبتاغون: نقطة خلاف
- كيف صدرت العقوبات الأمريكية على سوريا؟
- تحديات الحكومة الانتقالية في سوريا مع استمرار العقوبات
- تداعيات العقوبات على الاقتصاد السوري
- التداعيات الإنسانية للعقوبات
- الجدوى والفعالية من العقوبات الأمريكية على سوريا
تثار تساؤلات عن حجم العقوبات الأمريكية على سوريا التي رفعتها واشنطن مؤخراً، مقارنة بمجموع العقوبات على البلاد التي تم فرضها في عهد النظام السابق لبشار الأسد منذ عام 2011.
أعلنت الولايات المتحدة، الاثنين، 6 يناير/كانون الثاني 2025، إعفاء سوريا من بعض القيود والعقوبات على عدد من الأنشطة خلال الأشهر الستة المقبلة، لتسهيل الوصول إلى الخدمات الأساسية، بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق بشار الأسد، إلا أن هناك عقوبات أمريكية ما تزال مفروضة على البلاد وقد تمثل عقبات أمام إعادة الإعمار وتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد.
فضّلت التقارير الإعلامية الأمريكية والدولية مثل "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال"، و"رويترز" استخدام مصطلح "تخفيف القيود"، و"تسهيل المعاملات" لتغطية القرار الأمريكي المتعلق بالأمر، واصفة القرار بأنه ما دون العقوبات الأمريكية على سوريا، التي ما يزال جزءاً كبيراً منها مستمر.
منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، باتت العقوبات الأمريكية على سوريا إحدى الأدوات البارزة في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه دمشق، ومع التحولات السياسية الأخيرة في سوريا، وتشكيل حكومة انتقالية جديدة بعد الإطاحة بنظام الأسد، تجددت النقاشات حول جدوى استمرار العقوبات وتأثيراتها على جهود إعادة الإعمار والحكومة الانتقالية الجديدة.
القيود التي تم رفعها حديثاً عن سوريا
مع سقوط نظام بشار الأسد وتشكيل حكومة انتقالية، قامت الولايات المتحدة برفع أو تخفيف بعض العقوبات لدعم جهود إعادة الإعمار وتشجيع الاستقرار السياسي.
وتشمل هذه الإجراءات:
- إزالة قيود على استيراد الأدوية والمعدات الطبية، إذ تم رفع الحظر عن استيراد الأدوية والمعدات الطبية اللازمة لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة.
- تخفيف القيود على التحويلات المالية، بحيث تم السماح بإجراء تحويلات مالية محدودة لدعم العمليات الإنسانية والمساعدات الدولية.
- تخفيف العقوبات على قطاع الطاقة، إذ شملت الإجراءات تخفيف العقوبات على استيراد الوقود وبعض المنتجات النفطية لتلبية احتياجات السوق المحلية، لا سيما مع الحاجة الماسة للوقود لتشغيل الكهرباء التي لا تكاد تعمل يوميا لمدة ساعتين فقط.
- استثناءات إنسانية إضافية: أضيفت استثناءات جديدة للقواعد الحالية للسماح للمنظمات غير الحكومية بتقديم مساعدات إنسانية مباشرة ودعم عمليات إعادة الإعمار.
- إزالة بعض الأفراد والشركات من قوائم العقوبات: تم مراجعة قوائم العقوبات وإزالة عدد من الأفراد والشركات الذين لم يعودوا على صلة بالحكومة السابقة أو الأعمال غير المشروعة.
- إطلاق برامج دعم دولية: بالتعاون مع الأمم المتحدة، سمحت الولايات المتحدة بتمويل مشاريع إعادة إعمار صغيرة النطاق في المناطق الأكثر تضرراً.
ما هي العقوبات الأمريكية على سوريا؟
تتعدد أشكال العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا منذ عام 2011، على إثر التعامل الوحشي للحكومة السورية السابقة مع الاحتجاجات الشعبية، لتتوسع وتتعمق لتشمل العقوبات طيفاً واسعاً من القطاعات الاقتصادية والأفراد.
في أغسطس/آب 2011، فرضت الولايات المتحدة حظراً على قطاع النفط، وتجميد الأصول المالية لعدد من الشخصيات النافذة في النظام، فضلاً عن الأصول المالية للدولة السورية نفسها.
بالإضافة إلى ذلك، تحظر الولايات المتحدة تصدير السلع والخدمات الآتية من أراضي الولايات المتحدة أو من شركات أو أشخاص من الولايات المتحدة إلى سوريا، ولهذا التدبير تأثير واسع النطاق على السكان السوريين وعلى أسعار السلع الأساسية والمنتجات الطبية.
تشمل العقوبات الأمريكية على سوريا بحسب موقع السفارة الأمريكية في دمشق:
- تجميد الأصول: تم تجميد جميع الأصول المملوكة للحكومة السورية في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أصول أفراد وشركات على صلة بالحكومة السابقة.
- حظر التعاملات الاقتصادية: يمنع الأفراد والكيانات الأمريكية من إجراء أي تعاملات تجارية أو مالية مع الحكومة السورية أو الكيانات المدرجة في قوائم العقوبات.
- حظر استيراد النفط: تم فرض حظر شامل على استيراد النفط السوري إلى الولايات المتحدة، مما أدى إلى تقييد كبير لقدرة الحكومة السورية على توليد الإيرادات.
- قانون قيصر: أدخل هذا القانون، الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو ألفين وعشرين، عقوبات واسعة تستهدف القطاعات الاقتصادية الرئيسية، بما في ذلك قطاع الطاقة والبناء والتمويل. كما يفرض عقوبات على الدول والشركات الأجنبية التي تتعامل مع الحكومة السورية السابقة.
- قيود مصرفية ومالية: تم عزل سوريا عن النظام المالي العالمي من خلال فرض قيود صارمة على البنوك والمؤسسات المالية.
- حظر استيراد وتصدير التكنولوجيا: تشمل العقوبات قيودًا على استيراد وتصدير التكنولوجيا والمعدات التي يمكن أن تُستخدم لأغراض عسكرية أو لتعزيز سيطرة الحكومة السابقة.
- استهداف الأفراد: تم إدراج العديد من الشخصيات البارزة في الحكومة السورية السابقة، وأفراد عائلة الرئيس السابق بشار الأسد، ضمن قوائم العقوبات، مما يمنعهم من السفر إلى الولايات المتحدة أو إجراء معاملات مالية دولية.
- عقوبات على الشركات الأجنبية: يتم فرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تقوم بأعمال تجارية مع الكيانات المدرجة في القوائم السوداء الأمريكية، بما في ذلك قطاع الطاقة والبناء.
قانونا قيصر ومكافحة الكبتاغون: نقطة خلاف
دخل قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا حيز التنفيذ، في يونيو/حزيران 2020، وكان يهدف إلى فرض عقوبات اقتصادية واسعة النطاق على الحكومة السورية السابقة وحلفائها.
ورغم سقوط نظام الأسد، يرى بعض المشرعين الأمريكيين أن أي تخفيف للعقوبات يجب أن يكون مشروطاً بتقديم ضمانات واضحة حول الالتزام بحقوق الإنسان والانتقال السياسي السلمي.
كانت العقوبات الأشد إيلاماً على نظام الأسد هو قانون "قيصر" لحماية المدنيين السوريين، الذي أقره الكونغرس الأمريكي في عام 2019. ويفرض القانون الأمريكي عقوبات على كل من يتعامل مع سوريا اقتصادياً وعسكرياً.
سُمِّي مشروع القانون باسمِ قيصر نسبةً لشخصٍ مجهولٍ سرّب معلومات وما يقارب 55 ألف صورة لضحايا "تعذيب" في سوريا بين عامي 2011 و2014، حيث قتل النظام تحت التعذيب في تلك الفترة عشرات آلاف المعتقلين.
تفرض العقوبات في قانون قيصر، على كل من يقدم دعماً مالياً وتقنياً ومادياً للنظام السوري أو شخصية سياسية عليا في النظام، والدعم المالي يشمل توفير القروض وائتمانات التصدير.
بالنسبة للنفط ومصادر الطاقة، نص القانون على فرض عقوبات على كل من يعمد إلى توفير السلع أو الخدمات أو التكنولوجيا أو المعلومات أو أي دعم من شأنه توسيع الإنتاج المحلي في مجال الغاز الطبيعي والنفط والمشتقات النفطية.
في مسألة إعادة الإعمار، كما ينص القانون على ردع الأجانب عن إبرام العقود المتعلقة بإعادة الإعمار.
أما قوانين "مكافحة الكبتاغون" التي أجازها الكونغرس الأمريكي، فُرضت في عامي 2021 و 2024، وتمنح الحكومة الأمريكية صلاحيات موسعة لمحاسبة النظام السوري والشبكات المرتبطة به مثل حزب الله وجميع من ينشط أو ينخرط في الاتجار بالمخدرات، كما نص مشروع القانون.
كيف صدرت العقوبات الأمريكية على سوريا؟
بدأت العقوبات الأمريكية على سوريا بشكل محدود في العقود الماضية، لكنها اتخذت منحى أكثر صرامة منذ بداية الحرب السورية. في أغسطس ألفين وأحد عشر، أصدر الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما أمرًا تنفيذيًا فرض عقوبات على الحكومة السورية ردًا على ما وصفه بالقمع العنيف للاحتجاجات الشعبية.
شملت هذه العقوبات تجميد الأصول المملوكة للحكومة السورية في الولايات المتحدة، وحظر التعاملات الاقتصادية، ومنع استيراد النفط السوري.
في السنوات التي تلت ذلك، توسعت العقوبات الأمريكية لتشمل أفرادًا وكيانات مرتبطة بالحكومة السورية السابقة، بما في ذلك عائلة الرئيس السوري السابق بشار الأسد ومؤسسات أمنية وعسكرية وشركات تجارية. كما تم استهداف القطاع المصرفي والمالي، وفرض قيود على الشركات الأجنبية التي تتعامل مع الحكومة السورية السابقة.
تحديات الحكومة الانتقالية في سوريا مع استمرار العقوبات
بعد تحرير سوريا من نظام بشار الأسد وتشكيل حكومة انتقالية جديدة، أصبحت الأولوية لديها إعادة بناء البلاد واستعادة استقرارها الاقتصادي والاجتماعي، بحسب ما أكده المسؤولون فيها في تصريحاتهم العلنية لوسائل الإعلام المختلفة.
تواجه الحكومة الانتقالية تحديات كبيرة في إعادة بناء البنية التحتية وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وسط استمرار العقوبات الأمريكية التي تزيد من تعقيد هذه المهمة.
تطالب الحكومة الجديدة برفع العقوبات المفروضة لتتمكن من جذب الاستثمارات الأجنبية والمساعدات الدولية اللازمة لإعادة الإعمار، وترى أن استمرار العقوبات يُعيق جهودها لتحقيق التعافي الاقتصادي وتخفيف المعاناة الإنسانية.
وبدأت تظهر ضغوط في الكونغرس لرفع العقوبات عن سوريا، كما أظهرته رسالة اطلعت عليها "رويترز"، بأن عضوين في الكونغرس الأمريكي حثا مسؤولين كبار في إدارة الرئيس جو بايدن، على تعليق بعض العقوبات المفروضة على سوريا لتخفيف الضغوط على اقتصادها المنهار، وذلك بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.
إلا أن العقوبات الأمريكية لم ترفع بعد عن سوريا، لأسباب عدة ذكرتها تقارير إعلامية أمريكية ومسؤولين أمريكيين في تصريحاتهم لها، ويمكن تلخيصها بالتالي:
- عدم وجود ضمانات كافية بشأن الالتزام بحقوق الإنسان.
- انتظار حدوث تحول سياسي: إذ إن العقوبات الأمريكية سبق أن ربطتها تصريحات المسؤولين الأمريكيين بالقرار الأممي 2254 الذي يدعو إلى انتقال سياسي شامل.
- "التهديدات الإرهابية": إذ إن واشنطن ترى أن البيئة في سوريا لا تزال عرضة لظهور الجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة "داعش"، وأن رفع العقوبات قد يتيح موارد يمكن أن تُستخدم لتمويل أنشطة غير مشروعة والتي تصفها بـ"التهديدات الإرهابية".
- التدخل الروسي: ترى واشنطن أن روسيا لا تزال طرفًا رئيسيًا في المشهد السوري، وأن أي تخفيف للعقوبات قد يتيح لروسيا تعزيز نفوذها في البلاد.
- الموقف الدولي والإقليمي:
- الدعم الأوروبي: الدول الأوروبية، التي تُعتبر شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، لا تزال تتخذ موقفًا مشابهًا تجاه العقوبات على سوريا بعدم رفعها.
- المواقف الإسرائيلي: الذي يضغط للحفاظ على العقوبات ضد سوريا لضمان عدم تسرب الموارد إلى أعدائها في المنطقة.
تداعيات العقوبات على الاقتصاد السوري
كان للعقوبات الأمريكية تأثير مدمر على الاقتصاد السوري، الذي كان يعاني بالفعل من آثار الحرب. فقد أدى استهداف قطاع النفط، الذي كان يشكل مصدرًا رئيسيًا للإيرادات الحكومية، إلى تراجع حاد في إنتاج النفط وصادراته.
كما تسبب تجميد الأصول السورية وحظر التعاملات المصرفية الدولية في عزل سوريا عن النظام المالي العالمي.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن خسائر الاقتصاد السوري بسبب الحرب والعقوبات تجاوزت 400 مليار دولار منذ عام 2011.
بالإضافة إلى ذلك، فاقمت العقوبات من أزمة العملة المحلية، حيث شهدت الليرة السورية انهياراً غير مسبوق، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين.
إذ شهدت الليرة السورية تدهوراً حاداً منذ عام 2011، لتنخفض قيمتها من حوالي 47 ليرة مقابل الدولار إلى أكثر من 6900 آلاف بحلول نهاية عام 2022، ما يعكس فقدانها لحوالي 99.3% من قيمتها.
ووفقًا لنشرة مصرف سوريا المركزي الصادرة في 7 يناير/كانون الثاني 2025، بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي الرسمي 13.000 ليرة سورية للشراء و13.130 ليرة سورية للمبيع.
في السوق الموازية (السوق السوداء)، أشارت مصادر إلى أن سعر صرف الدولار تراوح بين 11.300 ليرة للشراء و11.500 ليرة للمبيع في دمشق.
تسبب هذا الانخفاض على مدار السنوات الماضية، في ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية وانخفاض القدرة الشرائية، ما زاد من حدة الأزمة الإنسانية والاقتصادية في البلاد.
ومع فرض قيود على استيراد المواد الأساسية، مثل الوقود والأدوية، تفاقمت الأوضاع الإنسانية في البلاد.
التداعيات الإنسانية للعقوبات
رغم أن العقوبات الأمريكية تستهدف الحكومة السورية السابقة وحلفاءها، إلا أن تأثيراتها الأشد وطأة كانت على المدنيين.
تعاني سوريا من نقص حاد في المواد الغذائية والطبية، مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة.
وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، يحتاج ما يزيد عن اثني عشر مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، في وقت تعرقل فيه العقوبات عمليات الإغاثة.
انتقدت العديد من المنظمات الإنسانية العقوبات الأمريكية، معتبرة أنها تزيد من معاناة الشعب السوري بدلاً من تخفيفها. ومع وجود حكومة انتقالية تسعى إلى تحسين الظروف، تتعالى الأصوات الداعية إلى إعادة النظر في العقوبات.
الجدوى والفعالية من العقوبات الأمريكية على سوريا
يثير استمرار العقوبات الأمريكية على سوريا تساؤلات حول فعاليتها في ظل التحولات السياسية الأخيرة.
رغم أنها نجحت في عزل الحكومة السابقة اقتصادياً ودبلوماسياً، إلا أنها لم تحقق تغييراً سياسياً، بل إن الإطاحة بالنظام السابق تمت من خلال جهود داخلية ودولية عسكرياً.
تشير تقارير إعلامية بهذا الخصوص، إلى أن استمرار العقوبات على الحكومة الانتقالية قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تعيق جهود إعادة الإعمار وتزيد من معاناة المدنيين.
ومع وجود حكومة سورية جديدة تسعى إلى بناء مستقبل أفضل، يصبح من الضروري مراجعة العقوبات لتتناسب مع الواقع الجديد.
قد يشهد المستقبل سيناريوهات مختلفة، من بينها تخفيف العقوبات بشكل تدريجي لدعم جهود إعادة الإعمار، أو استمرارها بشكلها الحالي مع الضغط لتحقيق إصلاحات سياسية، إلا أنه لا تتوفر مواقف أو تصريحات علنية للمسؤولين الأمريكيين حتى الآن بهذا الخصوص.
على إثر ذلك، يبقى السؤال المطروح هو كيفية تحقيق توازن بين الضغط السياسي الأمريكي ودعم جهود إعادة الإعمار، وما إذا كانت العقوبات قادرة فعلاً على المساهمة في بناء سوريا جديدة ومستقرة، أم تعيق تحقيق ذلك.