مصادر: ضغوط خارجية على السيستاني لإصدار فتوى بحل الحشد الشعبي في العراق

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/07 الساعة 09:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/07 الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش
ضغوط لحل الحشد الشعبي بفتوى دينية بالطريقة ذاتها التي تشكلت بها/ رويترز

كشفت مصادر عراقية لـ"عربي بوست" أن المرجعية الدينية الأعلى في العراق، علي السيستاني، واجه ضغوطاً لإصدار فتوى بحل الحشد الشعبي، على غرار فتوى "الجهاد الكفائي" التي تأسس على إثرها لمواجهة تنظيم الدولة "داعش"، وأصدرها هو نفسه عام 2014.

وقالت المصادر، طالبة عدم الكشف عن اسمها، إن هناك ضغوطاً أممية وأوروبية جرت مؤخراً، خلال زيارات مسؤولين إلى السيستاني، تطلب إصدار فتوى بحل وحدات الحشد الشعبي ونزع سلاحها، خاصة بعد طلب واشنطن من الحكومة العراقية الأمر ذاته، حسب ما أكده مسؤولون عراقيون لـ"عربي بوست" في تقرير سابق.

وأفادت المصادر بأن ممثل الأمم المتحدة في العراق، محمد الحسان، زار السيستاني مرتين، آخرهما في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2024.

سياسي شيعي مقرب من مكتب السيستاني ومطلع على اجتماعاته بالمسؤول الأممي قال لـ"عربي بوست": "طلب الحسان تدخل السيستاني لحل الفصائل المسلحة الموالية لإيران، لعدم تعريض العراق لمخاطر عدم الاستقرار في ظل الأوضاع الحالية".

وأكد أن "الحديث تناول إصدار فتوى بشكل غير مباشر، لكن السيستاني لن يتصرف وفقاً لأي ضغوط أو مطالب خارجية".

رجل دين مقرب من مكتب السيستاني رفض الحديث عن تعرض الأخير لمثل هذه الضغوط، قائلاً لـ"عربي بوست": "السيستاني يرى بالأصل ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، بعيداً عن أي مطالب أو ضغوط خارجية، وهذه رؤيته منذ سنوات، وهم يعلمون مدى كراهيته للتدخلات الأجنبية".

وغالباً ما تعرض السيستاني لانتقادات بسبب فتوى "الجهاد الكفائي"، التي أدت إلى توسيع نفوذ الجماعات المسلحة الشيعية الموالية لإيران.

تشكل الحشد الشعبي بفتوى من السيستاني لقتال تنظيم الدولة/ رويترز
تشكل الحشد الشعبي بفتوى من السيستاني لقتال تنظيم الدولة/ رويترز

في هذا السياق، قال الباحث السياسي العراقي معتصم ذو الفقار لـ"عربي بوست": "كانت الفتوى ضرورية لمواجهة داعش، ولكن السيستاني لم يتخذ خطوات لاحقاً لتوضيح أن مهمة هذه الفصائل قد انتهت، وأنه يجب عدم مشاركتها في الحياة السياسية".

وأشار إلى أن "المرجعية تعرضت أيضاً لانتقادات أثناء احتجاجات تشرين، رغم دعمها المتظاهرين، إلا أنها عادت للصمت إزاء انتهاكات الفصائل المسلحة بحق المتظاهرين".

جدير بالذكر أنه بعد نجاح الحشد الشعبي بجانب الجيش العراقي في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، الذي استولى على ثلث البلاد في صيف 2014، أسست هذه الفصائل جناحاً سياسياً وخاضت الانتخابات البرلمانية في 2018.

لكن مع مرور الوقت، انخفضت شعبيتها، وأدى ذلك إلى اندلاع مظاهرات شبابية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أطلق عليها "ثورة تشرين"، المناهضة للفساد والمحسوبية والمحاصصة، والمطالبة بتغيير الأحزاب الشيعية التقليدية.

تورطت الفصائل المسلحة الموالية لإيران في قمع المتظاهرين، واتهمت بقتل العديد منهم.

بعد انتهاء الاحتجاجات، تورط ضباط الشرطة في ملاحقة الناشطين السياسيين الذين قادوا احتجاجات عام 2019، واتهموا باختطاف الناشطين والصحفيين المعارضين للنخبة السياسية.

ويتهم جهاز الشرطة أيضاً بالسيطرة من قبل منظمة بدر، الفصيل المسلح الشيعي المقرب من إيران، وهي أقدم وأكبر فصيل مسلح شيعي في العراق، أسسه الحرس الثوري في الثمانينيات وحارب بجانب إيران في الحرب العراقية الإيرانية.

ومع ذلك، ضغطت المرجعية الدينية العليا في العراق على رئيس الوزراء العراقي آنذاك، عادل عبد المهدي، لتقديم استقالته، وهو ما حصل بنهاية عام 2019.

هل يمكن حل الحشد الشعبي؟

تعليقاً على تصريحات السيستاني بشأن حصر السلاح بيد الدولة، قال قيادي في كتائب حزب الله العراقية، المقرب من إيران، لـ"عربي بوست": "فهمنا من تصريحات السيستاني أنه يقصد سلاح العشائر والسلاح المنتشر بين المواطنين العاديين، بالإضافة إلى سلاح القوات الأمريكية المتواجدة في العراق".

وأضاف: "لا نعتقد أن السيستاني قد يصدر فتوى لحل الحشد الشعبي، فهو تأسس بناء على فتواه، ونحن من نفذ أوامره وحاربنا من أجل العراق. فهل يكون هذا هو رد الجميل؟".

الجدير ذكره أن الحشد الشعبي يعد في الوقت الجالي قوات نظامية عراقية، وجزءاً من القوات المسلحة العراقية، تأتمر بإمرة القائد العام للقوات المسلحة، بعد أن صادق مجلس النواب العراقي في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 على قانون دمج الحشد الشعبي بالقوات المسلحة، وهي مؤلفة من نحو 67 فصيلاً شيعياً مقاتلاً.

أما بشأن الحديث عن وجود ضغوط خارجية للدفع باتجاه حل الحشد، قال القيادي في الحشد: "الجميع في العراق، سواء القادة السياسيون أو الدينيون، يعلمون أن مسألة حل الحشد الشعبي لن تحدث مهما تعرض العراق لضغوط".

وتابع بأن "السيستاني نفسه يعلم أنه، مع ما يحدث في سوريا، فإن وجود الحشد الشعبي أصبح أكثر أهمية، ولا يمكن حله بالقوة".

حاول "عربي بوست" الحصول على تصريحات أخرى من قادة الحشد الشعبي بهذا الخصوص، إلا أنه لم يتلقَ رداً.

السيستاني غاضب من الحشد الشعبي بسبب تهميشه حشد العتبات/ رويترز
السيستاني غاضب من الحشد الشعبي بسبب تهميشه حشد العتبات/ رويترز

السيستاني والسياسية في العراق

سبق أن لعب السيستاني دوراً كبيراً في تشكيل الحياة السياسية في العراق. فمنذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، تدخل بشكل مباشر في صياغة الدستور العراقي الجديد، واستخدم نفوذه الديني والروحي لتشجيع الناس على التصويت على الدستور آنذاك. كما دعم بشكل علني أول كتلة سياسية شيعية خاضت أول انتخابات برلمانية عام 2005، بحسب ذو الفقار.

وقال الباحث السياسي المهتم بالشؤون الدينية الشيعية في العراق: "كان دور المرجعية الدينية كبيراً، سياسياً، وتصدى لمحاولات احتكار السلطة أثناء ولاية نوري المالكي. لكن السيستاني قرر تخفيف تدخله بشكل كبير منذ عام 2013، محتفظاً بأقل قدر من التدخل في الحياة السياسية، عندما يرى اختلالاً في توازن القوى أو صراعات طائفية".

وأكد ذو الفقار أن السيستاني ما يزال يمتلك الكثير من النفوذ للتأثير على المشهد السياسي العراقي، قائلاً: "لا شك في أن السيستاني قادر على إعادة تشكيل الحياة السياسية في العراق، والدليل على ذلك موافقته على لقاء الصدر، ما يدل على نيته لإنهاء احتكار الإطار التنسيقي للسلطة في الانتخابات المقبلة".

وعادة لا يقابل السيستاني الزعماء السياسيين. فقد طلب مقتدى الصدر سابقاً مقابلة السيستاني لكنه رفض، وكذلك خلال الصراع السياسي بين الإطار التنسيقي والصدر في عام 2021، رفض أيضاً طلب عدد من قادة الإطار التنسيقي الشيعي مقابلته، بحسب المصادر.

لكن في صيف 2024، وافق السيستاني على مقابلة مقتدى الصدر، "ما أثار مشاعر سلبية لدى خصوم الصدر في الإطار التنسيقي الشيعي"، بحسب المصادر العراقية المطلعة.

وعلق ذو الفقار قائلاً إن "من ضمن الخيارات المتاحة أمام السيستاني لإعادة التوازن الداخلي، دعم حركة سياسية شابة تخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة. ومن الممكن أن تتحالف هذه الحركة مع الصدر لتشكيل أغلبية برلمانية".

وسبق أن دعم السيستاني حركة "إشراقة كانون"، وهي حركة سياسية تضم شباباً عراقيين على صلة بالحركات الاحتجاجية في عام 2019، وحصلت على 6 مقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لعام 2021.

ويرى السياسي الشيعي المقرب من مكتب السيستاني، أنه لا خيار أمام المرجعية الدينية في العراق إلا التدخل لإنقاذ البلاد من الفساد واحتكار السلطة، وفق قوله.

وتابع في حديثه لـ"عربي بوست": "ما زال أمام السيستاني فرصة كبيرة لتغيير المشهد السياسي العراقي، خاصة بعد موافقته على مقابلة الصدر. والأحداث الإقليمية سوف تؤثر على أمن واستقرار العراق بشكل أو بآخر، ولابد أن يكون العراق قوياً في الداخل لكي يصمد أمام الديناميكيات الإقليمية الجديدة".

وقال: "صحيح أن مباركة السيستاني لعودة الصدر إلى الحياة السياسية لن تكون مقابل إقصاء الإطار التنسيقي من المشهد، فهذا يرفضه السيستاني بالطبع. ولكن من الممكن أن يكون هناك حل وسط، مثل التحالف بين الصدر والمالكي لضمان عدم إقصاء أحد، بالإضافة إلى دعم المستقلين والحركات السياسية الشابة لتلبية مطالب العراقيين".

وسبق أن أفادت مصادر لـ"عربي بوست" في تقرير سابق، بأن السيستاني غاضب من الإطار التنسيقي الذي يعد المظلة السياسية لكثير من فصائل الحشد الشعبي، ويخشى تغوله على سلطة المرجعية الدينية في العراق.

وقال رجل دين شيعي من النجف ومقرب من مكتب السيستاني لـ"عربي بوست": "تمادى الإطار التنسيقي في السيطرة على ثروات البلاد، ما هدد استقلالية المرجعية. فهم يريدون حتى السيطرة على موارد العتبات المقدسة".

وأضاف: "صحيح أن السيستاني لا يفضل كثيراً الاشتباك مع النخب السياسية الشيعية العراقية، لكن عندما تصل الأمور إلى مستوى تهديد استقلالية المرجعية، فلا بد أن يتخذ خطوات جادة".

يشار إلى أن السياحة الدينية، التي تؤمّن للعراق مليارات الدولارات كل عام، تعد ثاني أكبر مصدر دخل للبلاد بعد النفط.

يذكر أنه بعد هزيمة الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، الذي استولى على ثلث البلاد في صيف عام 2014، أسست هذه الفصائل جناحاً سياسياً وخاضت الانتخابات البرلمانية في عام 2018، بعد انتصارها العسكري.

لكن مع مرور الوقت، انخفضت شعبيتها، ما أدى إلى اندلاع مظاهرات شبابية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2019، أطلق عليها اسم "ثورة تشرين"، المناهضة للفساد والمحسوبية والمحاصصة، والمطالبة بتغيير الأحزاب الشيعية التقليدية.

وتورطت الفصائل المسلحة في الحشد الشعبي في قمع المتظاهرين، واتهمت بقتل العديد منهم.

بعد انتهاء الاحتجاجات، تورط ضباط جهاز الشرطة في ملاحقة الناشطين السياسيين الذين قادوا احتجاجات عام 2019، وتم اتهامهم باختطاف الناشطين والصحفيين المعارضين للنخبة السياسية.

بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.

تحميل المزيد